كلمة الموقع
ما وقع بفاس من اعتداء على شخص مشتبه في مثليته، مدان من ألفه إلى يائه، والمدان أكثر منه هو الاستغلال البشع لبعض مرضى القلوب ومدمني إيقاظ الفتن ممن يستثمرون في جراح الوطن ويلغون في دمه، هؤلاء الذين لا يهمهم في ذلك حرمة القانون ولا سلطة المؤسسات ولا حياة الشخص الذي تعرض للاعتداء، بل الهدف هو دق طبول فتنة نائمة ملعون من أيقظها، وسعي حثيث بالليل والنهار لخلق تقاطبات اجتماعية تهدد توازن المجتمع وتروم بت القطيعة بين مكوناته وإنماء للتقابل بين ميولاته وأذواقه واتجاهاته.
لقد وقعت أحداث كثيرة طيلة الاسابيع الماضية، الرابط بينها هو استثارة النقاش القيمي، فمن الفيلم السيئ الذكر، وسهرة موازين التي أقحمتها إدارة القناة الثانية بيوتات المغاربة بالإكراه ومع سبق الإصرار والترصد، وقُبل “فيمن” في باحة مسجد حسان، ثم نسختها الذكورية المغربية، وانتهاء بفتاتي إنزكان ومثلي فاس، وهي كلها في مضمونها تستهدف خلق انزياح في النقاش العام نحو مجال القيم والهوية والأخلاق، وهو مجال محفوف بحساسية بالغة وتكتنفه إكراهات جمة وتحديات صعبة، حيث شكلت على الدوام موضوعات هذا المجال وعناوينها، فرصة للفرز المجتمعي وخلق التقاطبات الحادة بين اتجاهاته، حيث وصلت في كسبنا المتأخر أوجها مع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، وتجسدت قدرتها في الحشد في مسيرتي البيضاء والرباط يوم 12 مارس 2000، وكانت أطراف معينة تستدرج الطيف الإسلامي تحديدا لخوض هذه الحروب مع علمها الذي تؤكده الوقائع المتواثرة، بقدرة هذا الطيف على الحشد، ونجاعة خطابه وقدرته على الانسياب في مسام المجتمع بيسر وسهولة، مما يجعل مؤججي هذه الفتن على الدوام في الموقف الأضعف والأقل تأثيرا، ولكن ليس دائما الهدف من طرح هذه القضايا هو التموقع الداخلي ولكن في غالب الأحيان يكون الهدف استجداء عطف الخارج واستدرار دعمه بتقمص دور الضحية بإتقان وتبني خطاب المظلومية والاستقواء بالمنظومة الدولية ومواثيقها، وهو ما يفسر مرابطة البعض شخوصا ومؤسسات في هذا “الثغر” رغم محدودية التأثير داخليا وقلة العائد، لكن اليوم وقعت تحولات جمة جديرة بالقراءة، فلم تعد الحركة الإسلامية تلعب دور” متلقي الصدمات”، ووعت أنها تستدرج لمثل هذه المعارك إما إلهاءً عما هو أهم، أو إنهاكاً لها ولقواها، وتم التركيز على البناء للأنفس تقوية للمناعة المجتمعية، بدل تقلد دور المدافع المحارب بدلا عنه، وهو دور يبطل مفعول الخصوم في الاستدراج ويجعلهم في مواجه المجتمع مباشرة.
إن تحليلنا السابق لا يفيد البتة الدفاع عن بعض السلوكات المنزلقة والعنيفة، فسلطة القانون يجب أن تكون العليا، ونفاذه مسؤولية المؤسسات التي أنيط بها أمر النفاذ، وغير ذلك ومن أي جهة صدر يفتح باب المجاهيل ويؤسس “لسيبة” جديدة، لايمكن قبولها أو التعايش معها أيا كانت مبرراتها أو دواعيها، ولو تعلق الأمر “بسيبة أخلاقية ” أو تطرف قيمي مستفز للمشترك الجماعي، وعليه فإننا نلح في التأكيد أن الذين يلعبون بالنار يضعون أنفسهم في مواجهة المجتمع، وأن تطرفهم يخلق تطرفا مقابلا له، وهو مدان بدوره كما هو مدان تطرفهم، وندعوهم إن عجزوا عن قراءة ميولات المجتمع وانحسرت رؤيتهم في إدراك توجهاته على الأقل أن يتأملوا هذه الارقام، فقد أنجزت مؤسسة TNSاستطلاعا للرأي لفائدة مجلة تيل كيل، أن 90 في المائة من نساء المغرب و78 في المائة من رجاله هم ضد الحرية الجنسية.