محمد عصام
ها قد مرت انتخابات الغرف المهنية بما لها وما عليها، وبعد الإعلان النهائي عن نتنائجها وحصائد معاركها، فإنه أصبح لزاما علينا ونحن بصدد قراءة متأنية لحصيلتها، أن نؤكد أن هذا الصنف من الاقتراعات له خصوصية تجعل نتائجه في الغالب الأعم محكومة بالارتباطات الفئوية والمنافع الذاتية، مما يجعل القرار الانتخابي مرتهنا الى الاستثمارات القبلية التي يكون بعض محترفي هذا النوع من الانتخابات قد عمق حضورها في أنسجة علاقاته المدرة للعائد الانتخابي بسخاء كبير، كما أنه لن تستقيم تلك القراءة بدون استحضار أمور هامة تتحكم في رسم خارطة التمثيل من قبيل تقسيم الدوائر وتحديد فئات وأصناف الغرف ونمط الترشيح والاقتراع وضبط اللوائح أي كل ما يتعلق بالنظام الانتخابي لهذا الصنف، كما أنه لا يجوز أن تتم القراءة بمعزل عن تفكيك بنية السلوك الانتخابي للمرشحين والمقترعين على حد سواء وآليات التحكم في توجيه التصويت، إن استحضار كل هذه العناصر يمكننا من سبر أعماق الأرقام التي قد تقول بعض الحقائق وقد تخفي البعض الآخر، وعليه فنحن نقر منذ البداية أن النظام الانتخابي بما له وما عليه، يعتبر من مشمولات التركة الموروثة عن المرحلة السابقة والمحكومة بسياقات محددة تجعل أطرافا يتمتعون بحظوة خاصة داخل هذا النظام تعكسها كما قلنا سابقا طبيعة التقسيم ونمط الاقتراع وحتى عدد الغرف وأنواعها وتصنيفاتها، كما أن الاقتراعات التي لا تكون عامة وتكتفي بأصوات فئة معينة غالبا ما تكون مجالا مفضلا ومأمونا لاستعمال المال لمحدودية الفئات المستهدفة ويسر التحكم في أصواتها، أما قراءتنا للأرقام فيمكن إجمالها فيما يلي:
– لقد استطاع حزب العدالة والتنمية مضاعفة رصيده من المقاعد بزيادة 115 مقعدا عن آخر استحقاق انتخابي وبزيادة بنسبة141 في المائة، وهو تحول كبير يعكس نوعا من الانفتاح الجديد على هذا الصنف من الانتخابات، الذي لم تكن له حظوة الأنواع العامة من الاقتراعات سواء كانت محلية أو تشريعية وطنية، كما أن استمرار الحزب في تحسين تموقعه وحصيلته من المقاعد كما فعل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب النقابة القريبة منه بمناسبة انتخابات ممثلي المأجورين، يتيح القول بكل اطمئنان أن مراهنة الخصوم على تحجيم دور الحزب والاصطفاف من أجل عزله قد باءت بالفشل، وأن كل حملات التبخيس والشيطنة التي استعملت فيها جميع أدوات التأثير من إعلام وغيره لم تؤت أكلها، لقد ظن البعض أن تولي حزب العدالة والتنمية لرئاسة الحكومة وقيادة تحالفها سيؤدي حتما الى تقليص شعبيته، كم أن بعض القرارات التي كان لها وقع مؤلم ستسرع من وتيرة تدني تلك الشعبية وتنمية السخط لدى عموم المواطنين، لكن الاستحقاقين الأخيرين رغم محدودية المعنيين بهما، أكدا بما لا يدع مجالا للشك أن المواطن المغربي قد التقط الإشارة بذكاء بالغ وتفهم صعوبة المرحلة وأهمية القرارات التي تتخذها الحكومة باعتبارها قرارات تصب في النهاية لصالح الوطن وفي رصيد المواطنين.
– استطاعت بعض الاحزاب ذات الدربة على هذا النوع من جني قطاف تشعب علاقات المصلحة التي نسجتها كائناتها الانتخابية في هذا الصنف من الاقتراع، بل إن وقائع عدة تؤكد استمرار منطق استعمال المال والبلطجة واستغلال النفوذ والقبيلة في حسم الكثير من الدوائر، رغم أن هذه الاطراف وإن حافظت على تفوقها فإنها لم تستطع تنمية حضورها بشكل قوي، مما يؤشر على إمكانية انحسار نفوذها في هذا المجال مستقبلا من خلال الحضور القوي للحزب في هذا النوع من الانتخابات، ومن خلال محاصرة وسائلها غير المشروعة في استمالة الناخبين والتحكم في القرار الانتخابي.
– الخاسر الأكبر في هذا الاستحقاق كان هو الاتحاد الاشتراكي الذي خسر أزيد من سبعين مقعدا، الأمر الذي يعكس هزيمة للقيادة الجديدة لهذا الحزب وعدم قدرتها على حماية مكاسبه والتفريط فيها، وهو الامر الذي سيستمر في المدى القريب جراء النزيف الداخلي الذي يعيشه الحزب والتناقضات التي عمقتها القيادة الحالية داخله.
– إن هذه النتائج وإن كانت مفرحة لحزبنا، فإنها من باب قول الإمام مالك عن الرؤية “إنها تسر ولا تغر” فكذلك هذه النتائج فهي تفتح بابا للتفاؤل حول الاستحقاقات المقبلة، ولكن دون أن تسقطنا في الغرور الذي يجعلنا مطمئنين الى درجة الاستخفاف بالخصوم أو النوم في العسل كما يقال، صحيح أن الوقائع تثبت أن كل مساعي خصومنا بالتلبيس على أدائنا الحكومي والاستثمار في حملات التبخيس الإعلامية لم تؤت أكلها، وأن المواطنين يدركون بحق من يريد خدمة البلد ومن يتاجر بجراحاته، إلا أنه لابد من بذل جهد مضاعف في دفع الفئات الصامتة وهي التي تمثل اليوم الأغلبية إلى المشاركة السياسية وإلى دعم خندق الإصلاح ومحاصرة الفاسدين المفسدين، إننا مطالبون بتقوية جبهة الإصلاح وتكثير سوادها بمزيد من الانفتاح والحضور الفعال على مستوى قنوات التأثير وتوجيه الرأي العام، ومطالبون أيضا بحسن التسويق لمنجزاتنا وحصيلتنا المشرفة، حتى نحدث الفرق في وعي الناس بين التجارب السابقة في تدبير الشأن العام، وأصالة وفرادة تجربتنا وتميز حصيلتها.