سعد الدين العثماني
سيكون المغاربة يوم 4 شتنبر على موعد مع استحقاق انتخابي هو لحظة سياسية بامتياز. والجميع يريدها حرة نزيهة معبرة عن اتجاهات الرأي داخل الرأي العام الوطني. نريدها محطة أخرى لانتزاع المزيد من الإصلاحات، وتطوير تدبير الشأن العام المحلي والجهوي بعيدا عن منطق الفساد والتحكم. ولأن هذا النوع من الإصلاحات تحتاج إلى النفس الطويل والصبر الطويل، فإن كل محطة يمكن أن تضيف خطوات ومراحل في طريقها. فالديمقراطية ليست وصفة جاهزة أو مشروعا يكتمل دون مقاومة، بل هو نضال مستمر ونضج تدريجي لشروط الإصلاح.
وقد اختار حزب العدالة والتمية بوعي وإصرار عدم الارتهان لحالة الانتظار وترك الكرسي الفارغ، والاكتفاء بانتقاد الأوضاع، وأقدم على الإسهام العملي في تطويرها نظريا وعمليا. وهو في ذلك يقاوم الفساد الانتخابي والفساد في تدبير الشأن العام، ويقاوم – بكل الأساليب السلمية والديمقراطية الممكنة – منطق التحكم والاستبداد.
واليوم ولله الحمد، أثبت هذا الخط نجاعته، وتحقق الكثير، وازدادت شعبية الحزب، وشعبية عدد من السياسيين الشرفاء من أحزاب مختلفة. لكن المستفيدين من أساليب التدبير البائد لن يتوقفوا عن محاولات الحفاظ على مواقعهم وامتيازاتهم غير المشروعة. لذلك هناك اليوم في أغلب الجماعات الترابية صراع ليس بين الأحزاب السياسية، ولكن بين منهجين: منهج يدافع عن الديمقراطية والنزاهة واحترام المواطن وصيانة المال العام، يحمله شرفاء من أحزاب سياسية مختلفة، ومنهج يؤمن بالتحكم واستعمال المال لشراء الضمائر وجعل الانتخابات طريقا لنهب المال العام والعقار العام. وهذا هو طبيعة الصراع السياسي اليوم عموما، وفي الانتخابات الحالية للمجالس الجماعية والجهوية.
ومن أهم أدوات حسم هذا الصراع هو تصويت المواطنين بكثافة يوم 4 شتنبر، والتعبير عن الموقف السياسي في صندوق الاقتراع، وإلا فإن الذين يعولون على شراء الذمم والتلاعب بأصوات المواطنين سيجدون الفرصة سانحة للانقضاض على الشأن العام في مواقع مهمة هنا وهناك.
إن النوايا الحسنة والآمال الوردية مع البقاء على الهامش دون المشاركة الفاعلة في أوراش الإصلاح لا تنفع في إنجاح هذه المقاومة التي يعيشها المغاربة جميعا.
وإن انتظار اكتمال الإصلاح السياسي ومعالجة كافة نقائص الممارسة الديمقراطية قبل المشاركة ما هو إلا نوع من الانتظارية التي لن تزيد مواقع الفساد إلا قوة وتمددا. ويعفيها من مكابدة قوى الإصلاح ومقاوماتهم، عندما يستفردون بالمؤسسات المنتخبة وما تتيحه من سلطة القرار ومن مال عام.
لا بد إذن من المشاركة المكثفة، وقطع الطريق أمام الذين يريدون أن يدعوا تمثيل المواطنين، وهم إنما يتسللون في غفلة من الذين تهاونوا عن المشاركة من شرفائهم.
فبهذا فقط سنحول صناديق الاقتراع إلى ملحمة سياسية بتصويت مكثف يحول المؤسسات المنتخبة إلى مجالات لمقارعة الفساد والاختلالات والرداءة في الخدمات، ويراكم فيها الطاقات الوطنية الخيرة من مختلف الاتجاهات والتوجهات.