محمد عصام
اليوم كان المغاربة على موعد هام وتاريخي، يتعلق بانتخاب أعضاء مكاتب الجهات، ويكتسي هذا الموعد أهميته ليست فقط من الصلاحيات الجديدة المخولة لمجالس الجهات في أفق الجهوية المتقدمة ، ولا من الإمكانيات المالية المهمة المرصودة لها والتي ستتضاعف إلى خمس مرات، ولكن وهذا هو الأهم لكون هذه المجالس لأول مرة في تاريخ المغرب صارت منبثقة عن تصويت المواطنين بشكل مباشر بعد أن كانت تنتخب بشكل غير مباشر من طرف هيئة ناخبة مكونة من المستشارين الجماعيين، إلا أنه ورغم أهمية هذا المستجد وانسجامه مع اللحظة السياسية التي يعيشها البلد والقائمة على الانتصار للديمقراطية التمثيلية وتأمين مشاركة المواطن في المؤسسات بشكل مباشر عبر آليات الانتداب التمثيلي، فإن نتائج تشكيل مكاتب الجهات لم ترق الى مستوى تجسيد اللحظة السياسية ولم تستطع أن تواكب التحولات التي يشهدها الوعي الجماعي للمغاربة من حيث الانتصار للديمقراطية كخيار استراتيجي لربح رهان الانتقال نحو الديمقراطية ورهان التنمية، وهو ما يمكن رصده من خلال مقاربة النقاط التالية:
لقد استطاع المهزمون في نزال الرابع من شتنبر وبإرادة شعبية لا غبار عليها، من العودة عبر تحالفات هجينة، وبآليات تنتمي لعهد التحكم وبأساليب الترغيب والترهيب، من السطو على رئاسة مكاتب بعض الجهات، كما هو الحال في البيضاء وطنجة اللتان آلت رئاستهما لمن هزمته صناديق الاقتراع، ولم يتمكن من حجز مقعده في الجماعات إلا بصعوبة، وكان الأجدى بهما لو كان للسياسة معنى في هذا البلد أن يقدما استقالتهما من مهامهما كأمين عام ونائب له في الحزب الذي ستظل لعنة الولادة المشبوهة تلاحقه الى يوم الدين.
لقد استطاعت قوى التحكم من التكشير عن أنيابها والكشف عن قبح محياها من جديد، والانتقام لهزيمتها النكراء في محطة الرابع من شتنبر، وذلك بخلخلة تحالفات خصومها، واستدراج ضعاف النفوس للتنكب عن سوي الالتزامات المبرمة مع الحلفاء، مقابل إغراءات هزيلة أو تخويفات لا يعلم مداها إلا علام الغيوب، وألحقت بذلك هزيمة مُرة بالسياسة سيتجرع مرارتها المواطن البسيط الذي هب ملبيا نداء الوطن، بتصويته المكثف على خيار الإصلاح، فإذا به يواجه مرارة عودة الحرس القديم ممن عاقبهم في استحقاق الرابع من شتنبر يعودون من النافذة، وهو ماعبرت عنه بسخاء تدوينات التواصل الاجتماعي، مما يكشف أن هذا الالتفاف على الارادة الشعبية بهذه الطريقة الفجة والمقيتة، إنما يصيب السياسة في مقتل ويعمق الهوة بينها وبين المواطن ويجعله ينتكس بعد أن كان مقبلا على العمل السياسي مقتنعا بجدواه وضرورته، مما يجعل نازلة الالتفاف تلك لعبا بالنار لا تحمد عقباه، وعبثا بمستقبل البلاد بلا وجل او مسؤولية، وطعنا في خاصرة السياسة بالغذر والجبن المقيت.
لقد عرت نازلة الرابع عشر من شتنبر عورة كثير من الاحزاب، وكشفت سوءاتها أمام العموم، حيث أنها لا تملك سلطة على حيتان الانتخابات من أعضائها، وقرارات قيادتها لا اعتبار عند ديناصورات المصالح التي سطت على المواقع واحتكرت لنفسها واجهة التمثيليات، وغدت بعض الاحزاب رهينة لطموحاتها المنفلتة من كل التزام او تعاقد، فرأينا كيف تمردت هذه الكائنات على مقتضيات تحالف احزابها، وكيف افقدت عملية التصويت من كل منطق إلا ما كان من منطق المنفعة الضيقة والعائد الذاتي الذي لا اعتبارفيه لمصلحة البلد او الجهة ولا تقدير فيه لتوجهات الحزب ولا احترام لتموقعاته وتحالفاته، إنه سلوك يجسد أنانية مفرطة تقضم ما تبقى من جاذبية السياسة وتستديم حالة الشرود التي يعيشها السياسيون بعيدا عن نفحات اللحظة السياسية ومكتسباتها.
لقد أبان حزب العدالة والتنمية مرة أخرى عن تميزه وفرادة تجربته، من خلال انسجام مواقفه مع منطلقاته النظرية واختياراته المرحلية بما فيها تحالفاته الحالية، وأبان مناضلوه ومستشاروه عن انضباط عز نظيره في مشهد يكاد جل اللاعبين فيه يعيشون حال شرود كامل، وفعلا أوفى المصباح للمتحالفين معه بكل صدق ومسؤولية، في حين لم تملك بعض الأطراف المتحالفة معه القدرة على ضبط أعضائها في بعض الجهات والذين استداروا جهة المعارضة ضاربين عرض الحائط كل العهود والمواثيق التي تجمعهم بحلفائهم.
لقد أصبح من الضروري الآن إعادة النظر في النظام الانتخابي التي لا يعكس حقيقة الوجود السياسي لكل طرف، مادام هذا النظام لا يحقق التناسب بين عدد المقاعد و الكتلة الناخبة، فكيف لساكنة الحواضر والتي تفوق نسبتها 54 في المائة من مجمل سكان المغرب لا يتعدى عدد المقاعد المخصصة لها ستة ألف مقعد من أصل 31 ألفا، بينما البقية مخصصة لساكنة البوادي والتي لا تتعدى نسبتها 46 في المائة أي أكثر من 24 ألف مقعد، إن هذا الاختلال في التناسب يشكل مدخلا أساسيا منه يلج التحكم لفرض معادلاته الرقمية، وهي معادلات بمنطق الديقراطية يمكن تبريرها ولكن بمنطق السياسة فهي غير كافية للفرز الحقيقي بين الفرقاء بشكل واقعي ومنطقي، كما أن الوقت قد حان لتعميم نظام اللائحة لقطع الطريق على الاستثمار في القبيلة والفقر والريع من طرف كائنات لا تعيش إلا في تلك الأوحال.