على هامش تولي نساء المسؤولية في المجالس الجماعية

محمد يتيم

الأولوية خدمة الناس وليس الدرة على الرأس

محجوبة التريدي رئيسة الجماعة القروية بوروس باقليم الرحامنة المنتخبة حديثا ضمن لوائح العدالة والتنمية والقادمة للعمل السياسي من العمل الجمعوي، حاربها رئيس الجماعة السابق المنتمي سابقا الى حزب التحكم والمرتحل الى حزب الأحرار ووضع في طريقها العراقيل فما كان منها إلا أن اختارت التحدي بعدما ما طلب منها السكّان ولوج العمل السياسي فاختارت العدالة والتنمية !! 

ظنت في البداية أن ذلك سيكون صعبا وأنها ستجد صعوبة في حزب قد يفرض عليها وضع ” الدرة” على الرأس، لكنها فوجئت بترحيب القيادة الإقليمية والقيادة الجهوية، وقبل ذلك شجعت من قبل عبد العزيز رباح عضو الأمانة العامة للحزب، واستقبلت بالترحاب في الملتقى الأخير الذي ضم روساء المجالس الجماعية يوم الجمعة الماضي ووعدها بزيارة جماعتها ووعد ولا أشك قيد انملة في انه سيوفي وسيفعل ! 

صرحت السيدة الرئيسة بأن قيادات الحزب الاقليمية والجهوية قد قالوا لها؛ اننا نبحث عمن يعمل لمصلحة البلاد لا على من تغطي رأسها ” كما أكدت انها كانت تبحث عن ” المعقول ” وقد وجدت ضالتها، وهي عازمة على طرد التحكم من الرحامنة كلها، بعد أن حققت أول انتصار في معركتها بهزم اباطرة انتخابات.

هذه الواقعة الدالة تجعلنا نقف على عدد من القيم والمواقف التي التزم بها حزب العدالة والتنمية منذ مدة  وأكدها أمينه العام في الملتقى الأخير برؤساء المجالس الجماعية المنتخبين ضمن لوائح العدالة والتنمية.

اولا : تعرض حزب العدالة والتنمية في مساره الطويل لمحاولات يائسة وفاشلة للشيطنة، كما سعى خصومه للتخويف منه بكل الوسائل فروجوا في البداية أسطورة ” المسوولية المعنوية ” على الاٍرهاب وشنت أقلام تخدم التحكم ووتزلف له  هجمات غير نظيفة عليه،  في حين بعض الشخصيات النافذة  قرأت بحسها السياسي النافذ ان الحزب منافس قوي نافذ وانه ينبغي استئصاله منذ البداية او تحجيمه بكل الوسائل  وضغطوا عليه كي يتخلى عن مرجعيته ، فأبدى الحزب كل المرونة في مجال العمل السياسي وقلص سنة 2003 من حجم مشاركته  ورفض رفضا باتا أن يتنازل عن المرجعية حتى لو اقتضى ذلك التخلي عن العمل السياسي، وفعل شيئا قريبا من ذلك في انتخابات 2009 دون ان يثني ذلك التحكم بالعمل حثيثا على منع وصوله الى تسير المدن الكبرى وتدخل بفجاجة لتخريب تحالفاته، وحصره في الزاوية من خلال خطة جهنمية كانت ترمي الى شغله باختلاق ملفات وطبخ متابعات لرؤساء جماعاته.

ثانيا : انتقلت الحملة الى التخويف من الحزب الى مرحلة اخرى وهي التشكيك في قدرته على تدبير الشان العام محليا ووطنيا، وكلنا نتذكر بكاء للتماسيح وتخوفا مخدوما من قبل بعض الاقلام التي كانت وما تزال تكتب من محبرة التحكم ومدادها، وتشيع وهما أن الحزب سيشن حربا ضد الحريات الفردية وضد الفن والسياحة وإلزام الفتيات بارتداء غطاء الرأس  ومنعهن من الدراسة وهلم جرا  .. فلم يقع شيئا من ذلك .. بل وقعت في الشهور الاخيرة محاولات متعددة لاستفزاز الشعور الديني والاخلاقي والنظام العام ومحاولة ربط بعض الانفلاتات الفردية من قبل بعض المواطنين في مواجهة ما اعتبروه استفزازا للشعور العام كما هو الشأن في حادثة ” الميني جيب ” بانزكان وحادثة الاعتداء على شاذ فاس، ومحاولة جر المجتمع الى نقاشات ايديولوجية ترتبط بقضايا شرعية ودينية مثل قضية الارث وقضية الإجهاض .. وقضية ظهور راقصة في وضع مخل بالحياء العام في مهرجان موازين وامعان القناة الثانية في تذكية سلوك الاستفزاز والاثارة بالنقل المباشر للسهرة المستفزة، ودخول جهات أجنبية مشبوهة على المحاولة الفاشلة بتظاهرات لنساء أجنبيات من حركة فيمن امام صومعة حسان برمزيتها الدينية والتاريخية.

وقع ذلك وأفشل حزب العدالة والتنمية على من أرادوا استدراجه الى فخ مواجهة مفتعلة، بل ان الحكومة قد أصدرت بلاغا صارما يدين كل محاولة للحلول محل الدولة تماما كما انه لم تعط لبعض زعماء المعارضة الفاشلين الفرصة كي يصبح بطلا ل ” الحداثة ” و ” التنوير ” في مواجهة ” الرجعية ” و” الظلامية “، بل الأكثر من ذلك كان من أكثر الأحزاب سعيا نحو المناصفة وتمكينا للمرأة سواء في هيئاته الداخلية او في الحكومة او في مجلس النواب، وطبقت النقابة المقربة اليه المناصفة في ترشيحاتها للمجلس الأعلى للتعليم ورفضت مقترحا من قبل بعض النقابيين من أجل عدم الامتثال لمقتضى القانون التنظيمي لمجلس المستشارين الذي يقضي بأعمال المناصفة في الترشيحات الخاصة بانتخاباته. 

  ثانيا : وقطعت العدالة والتنمية الشك باليقين حين حرص الاخ الأمين العام على توصية منتخبي العدالة والتنمية بالمرجعية خيرا باعتبارها سر قوة الحزب مع توضيح وتحديد المقصود بالتزام المرجعية في تدبير الشان الجماعي. فالمرجعية ليست هي اكراه الناس على التدين، اذ التدين مسألة شخصية كما أن العناية بالدِّين وحفظ الأمن الروحي للمواطنين أمر له أهله القائمون عليه اي إمارة المؤمنين والمؤسسات التي تعمل تحت إشرافها وتوجيهها .

 ان المرجعية في العمل الجماعي هي الوفاء بالعهود والالتزامات ، وان نكون في خدمة الناس اذ السياسة ليست تمثيلا او اخراج سينمائي بل هي إنصات للمواطنين وقرب منهم . والمرجعية ، وهي جواب واضح على بعض المغرضين المصدومين الذين لم يجدوا في مواجهة الانتصار البين للعدالة والتنمية العودة الى معزوفة المخاطر المحدقة على الحريات او تحويل جوهر عمل المجالس الجماعية الى ” شرطة اخلاقية ” تتدخل في الحريات الشخصية وتفرض على الناس بالاكراه كيف يلبسون ويتصرفون في الفضاء الخاص او العام

ثالثا : هكذا اذن نفهم لماذا لقيت السيدة بوراس الترحيب في كنف العدالة والتنمية واكتشفت ان الإطار السياسي الاصلح لتحقيق حلمها بخدمة الوطن ومواجهة التحكم والاستبداد والفساد والنضال من اجل طرده من الرحامنة . وهكذا نفهم ان القيادة الاقليميةً والجهوية والوطنية قد قابلتها بالترحيب والاحتضان مؤكدة لها ان الحزب يبحث عمن يخدمون الوطن لا من تغطيه الرأس 

هل يعني ذلك انها دعوة للسفور والتبرج وانقلاب على المرجعية الاسلامية في السلوك الفردي المتعلق باللباس ؟ بالتأكيد كلا ثم كلا ، اننا نقصد فقط  الالتزام بالشعائر او بالمظاهر الاسلامية هو اختيار شخصي مبني على القناعة، كما ان الدعوة له  هي من اختصاص الواعظ او المرشد او الداعية فردا او حركة  وليس من شان الحزب السياسي الذي مجاله الاشتغال تدبير الشان العام والعمل على اصلاحه 

رابعا  : ان اخطر ” سفور” هو السفور في السياسة، وكشف العورة في مجال تدبير الشان العام. لم تعد اليوم ” درة الرأس ” مع احترام كل من قررت وضعها واختارت الاحتشام اختيارا ذاتياًغير مفروضا مقياسا للصلاح والاستقامة. فكم من صاحبة درة مجندة لخدمة اجندة التحكم وصوتت من اجله ضدا على اختيار الشعب ومنطق التاريخ . اكبر سفور اليوم هو تبديد المال العام ونهبه ولو لَبْس أصحابه الجلابيب وتدثرت نظيراته باحدث موديلات الحجاب و” الدرور”. وكم من ” سافرة ” هي اليوم في المواقع الأمامية لمواجهة التحكم والفساد 

خامسا : ودرس كبير آخر هو أن يكون هزم التحكم والعزم على مواصلة مقاومته من امرأة مناضلة وفي العالم القروي حيث يفترض انه الارض المحصنة للتحكم وإعادة انتاج علاقات السلطة والنفوذ، نفوذ الأعيان المستند في الغالب على الثقافة الأبوية الذكورية. إن فوز امرأة برئاسة جماعة قروية وهزمها لبارون انتخابي، والأكثر من ذلك أن تأتي المبادرة من ساكنة الجماعة القروية بوروس وتشجيع بنت من بناتها على اقتحام الساسية لمواجهة بارونات الانتخابات وأعيانها ومفسديها ، وان يكون الإطار الذي اختارته هو العدالة والتنمية فيه إشارة الى ان المغرب يعرف تحولا كبيرا ليس على المستوى السياسة حيث عاد الاعتبار للمواطنة والمواطن دون تمييز، ولكن على المستوى الثقافي من خلال مؤشرات أخرى من قبيل تحول في ادراك المجتمع لمكانة المرأة ودورها بل وإعادة تحديدها هي نفسها لنفسها باعتبارها مواطنا فاعلا له من الكفاءات والقدرات ما لا يقل عما يمتلكه الرجل إن لم يتفوق عليه في كثير من الأحيان .

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.