كلمة الموقع
بِسْم الله الرحمن الرحيم
كلمة الأمين العام لرؤساء الجهات والجماعات في الملتقى الوطني
شتنبر 2015- المعمورة-سلا
بعد حمد الله تعالى على نعمه الظاهرة والباطنة، وشكره على ما تفضل به علينا، سائلين المولى عز وجل أن يديمها علينا ويرزقنا شكرها والعمل بمقتضياتها.
– نجتمع اليوم في هذا اللقاء الوطني لعموم الرؤساء المنتخبين في مجالس الجماعات والجهات، في لحظة مهمة من تاريخ وطننا وحزبنا، لنقف عند حصيلة الانتخابات الجماعية والجهوية، ونستخلص دروسها الاستثنائية ودلالات النجاح التاريخي فيها، ونستشعر المسؤوليات الكبرى الناتجة عنها، ونستشرف آفاقها المستقبلية الواعدة والمشرقة.
– أذكركم في البداية بمرجعية الحزب وما تدعو له من التزام بقيم النزاهة والشفافية وصفاء الذمة والتفاني في خدمة الوطن والمواطنين.
– كما اذكركم بفضل الله تعالى علينا حيث انتقلنا من وضع التهميش والمنع من قيادة المدن باستثناء مدينة مكناس في 2003 إلى تحمل مسؤولية رئاسة 20 مدينة يفوق عدد ساكنتها 100 ألف من أصل 36 مدينة من هذا الحجم وضمنها كل المدن الكبرى التي تعمل بنظام وحدة المدينة، ولهذا علينا أن نجدد حمد الله سبحانه وتعالى على ذلك والإكثار من شكره.
– وإذ أجدد التأكيد على أن نجاح هذه الانتخابات هو انتصار للمغرب وخطوة كبيرة في تطوره الديموقراطي ومساره الإصلاحي، حيث عكست توسعا في ثقة المواطنين في الحياة السياسية، وتعميقا للمصالحة مع الشأن السياسي، وهو ما تدل عليه مؤشرات التصويت، بارتفاع عدد الأصوات الصحيحة بأزيد من النصف، حيث ارتفعت من 5 مليون مصوت بشكل صحيح في 2011 إلى 7.4 مليون في 2015، ومعها تسجيل حوالي 3 ملايين طلب جديد في لوائح الناخبين، ثم تراجع الأوراق الملغاة بحوالي النصف من 18 في المائة في 2011 إلى 11 في المائة في هذه الانتخابات، ونسبة تصويت فاقت 53 في المائة من مجموع المسجلين.
– وهنا لابد من التذكير بالتحضير الجيد والتشاركي للانتخابات وبما شهد به الداخل والخارج الذي اعتبرها مرت وفقا للمعايير الدولية في الانتخابات الحرة والنزيهة، وأكد تميز الاستثناء المغربي، بفعل الاعداد التشاركي والتشاوري الواسع تحت الإشراف السياسي لرئيس الحكومة، مما أثمر مجموعة من النصوص القانونية للجماعات الترابية وللجهوية المتقدمة باختصاصات تنموية وإمكانيات مالية كبيرة حقيقية.
– كما نجدد التأكيد على الدور الحاسم لتوجيهات جلالة الملك لضمان نزاهة الانتخابات وتوفير الشروط اللازمة لحياد الإدارة، وتكليف كل من وزير الداخلية ووزير العدل والحريات بالتتبع العملي لتطبيق هذه الضمانات، وهو ما جعل من هذه الانتخابات تمر في ظروف سليمة ووفق معايير النزاهة والشفافية، وما شهدته من خروقات كان محدودا وهو معروض اليوم على القضاء.
– كما أن من أهم مستجدات هذه الانتخابات والتي كرست المنحى الديموقراطي والإصلاحي المتصاعد لبلادنا، وأهمها اعتماد الاقتراع العام المباشر لانتخاب أعضاء مجالس الجهات، واعتماد البطاقة الوطنية كوثيقة وحيدة للتصويت وإلغاء بطاقة الناخب، والتصويت العلني في انتخاب رؤساء وأعضاء مكاتب مجالس الجماعات والجهات، والإعلان المبكر عن البرنامج الزمني للانتخابات وعن النتائج.
– وينبغي هنا الانتباه للانخراط الواسع للمواطنين في العملية السياسية والانتخابية، وهو ما يستحق الشكر والتنويه والإشادة بتحمل المغاربة لمسؤوليتهم في حماية المسار الانتخابي وظهر في الارتياح الكبير الذي خلفته النتائج.
لقد تبوأ حزبنا الصدارة في المدن، واحتل الرتبة الأولى في عدد الأصوات المحصل عليها في الجماعات والجهات بأزيد من مليون و672 ألف صوت بزيادة فاقت النصف عن انتخابات 2011، وهي الحقيقة التي أراد البعض القفز عليها وإخفاءها لمحاولة سرقة هذا الانتصار الشعبي والتاريخي الكبير، وإفساد فرحة المغاربة بما حققته أصواتهم وإرادتهم في الإصلاح ومواجهة الفساد والتحكم، ولهذا أجدد طمأنتكم اليوم أن لا أحد في إمكانه سرقة هذا الانتصار أو التلاعب به أو تزييفه، فمسار الإصلاح ببلادنا واضح وتحمله إرادة سياسية قوية ووعي شعبي متزايد، وفي المقابل فإن هامش التحكم والفساد يضيق ويتراجع وهامش الإصلاح والنزاهة يتسع ويتقدم، وتكفي هنا المقارنة بين 2009 و2015 لنقف على حجم التحول الكبير والجاري في بلادنا.
– وقد أردوا في السابق أن يحولوا نتائج الانتخابات المهنية إلى مقدمة لانتصار مزعوم رغم أن انتخابات ممثلي المأجورين كانت واضحة في إرهاصات الانحياز الشعبي لفائدة الحزب، وانخرطوا في حملة تضليل سرعان ما تحولت إلى مأتم بعد أن استعدوا ليلة نتائج الانتخابات الجماعية للاحتفال بهذا النصر المزعوم، وهو أكبر دليل على أن المنتصر الحقيقي في هذا العرس الانتخابي بعد الوطن هو حزب العدالة والتنمية، وليس حزب التحكم، وإلا لماذا ألغى حفله وانخرط في التشكيك قبل أن يتراجع.
– وتكرر نفس الأمر مع انتخابات رؤساء وأعضاء مجالس الجهات، والتي تنتج عن تصويت الناخبين الكبار وليست نتاج تصويت شعبي مباشر، فرغم حصولنا على خمس جهات كأغلبية حكومية، إلا أن الواضح هو حصول التفاف على الإرادة الشعبية بشكل سافر في جهتين.
– وهنا نسأل الحزب المعلوم، كيف له بعد هزيمة نكراء في مدينة المحمدية أن يترأس جهة الدار البيضاء سطات؟
– وكيف لمرشح فاز ب150 صوتا أن يجمع 42 صوتا للناخبين الكبار مقابل 20 صوتا، رغم أن تحالف المعارضة لم تكن له الأغلبية في جهة طنجة- تطوان- الحسيمة؟
– ثم كيف للشخص الثالث في هذا الحزب المعلوم والذي كان يتصدر الإعلام طيلة سنوات يفشل في ضمان مقعد له في مجلس مدينة الرباط؟
– وهي مؤشرات واضحة على الهزيمة الحقيقية لهذا الحزب وفشله في كسب ثقة المغاربة وانحساره في المناطق القروية، فبالأحرى أن يروج البعض للقول بأن هذه النتائج ستجعل من حزب التحكم هو الأول في حالة تنظيم الانتخابات التشريعية وسيكون أمينه هو رئيس الحكومة، وهي أحلام وأوهام تكسرت على صخرة الإرادة الشعبية.
– ولهذا أقول لمحترفي التلاعب بأصوات المغاربة، أن يتوقفوا عن هذه الألاعيب التي لم تعد مجدية، وأدت وتؤدي إلى عكس أهدافها، فلا ينبغي تعكير الجو وإفساد فرحة المغاربة بانتصارهم، فالاستقرار والتنمية والتقدم يتحقق باحترام إرادة المواطنين وبالإشراك الحقيقي والأمين للناس في القرار والمؤسسات المنتخبة، والثقة فيهم، وعدم التنكر لهم، والامتناع عن معاكسة إرادتهم.
– وإن الأسباب العميقة للانتصار التاريخي الذي حققه حزبنا تحد مرجعها في طبيعة تشكلنا ومنهجنا، فنحن فئة انخرطت تدريجيا في الحياة السياسية وصبرت وتدرجت وتقدمت، وعنصر قوتها في منهج عملها ومنطلقاته القائمة على تبني مرجعية الأمة المغربية والدفاع عنها وعدم التنكر لها، ووضع مصلحة الوطن قبل مصلحة الحزب وأعضائه، والوفاء لجلالة الملك والاشتغال تحت قيادته في إطار التعاون وليس التنازع، والعمل لخدمة الوطن ومؤسساته، مما شكل في الماضي أسباب تقدم ووحدة وقوة المغرب واستقراره وأمنه، وسيشكله في المستقبل، مما جعل من حزبنا تعبيرا أمينا عن عناصر القوة هاته وجعل المغاربة يعبرون عن دعمه في الاستحقاقات الانتخابية.
– كما أن هذه النتائج هي نتيجة أيضا للأداء المتميز والناجح للحزب في عدد من المدن التي سيرها ورأس مجالسها، كواد زم أو القنيطرة أو تطوان أو الراشيدية وغيرها، مما جعل الحزب ينتقل من مجرد أغلبية نسبية إلى أغلبيات مطلقة، بما فيها المدن التي قاد فيها معارضة مسؤولة، حيث اتسم الحزب بنظافة اليد وعدم التورط في المس بالمال العام، واتسم بالجدية و”المعقول” في العلاقة مع المواطنين، والاجتهاد في الخدمة والقرب مما جعل من نتائج الحزب في المدن مبهرة ومذهلة ومفاجئة للكثيرين.
– وهي أيضا نتيجة للتقدير الشعبي لما تحقق في العمل الحكومي: رأى فيه الناس أن الإصلاح بمنهج حزب العدالة والتنمية مجد ومنتج لنتائج حقيقية وملموسة، وأننا ليس مجرد أناس طيبون لكن عاجزون، بل نملك القدرة على اتخاذ القرارات المطلوبة لصالحهم وإن بطريقة تدريجية، وهو تقدير ظهر في الإقبال الجماهيري غير المسبوق على التجمعات الخطابية الكبرى للحزب في جل المدن، وذكر الكثيرين بأن الحياة تعود للسياسة ببلادنا وأن مواقف الحزب واختياراته أعطت جرعة كبيرة من الجدية للحياة السياسية، وفرض إعادة الاعتبار لصوت المواطن.
– وأثمر ذلك ما شهدناه من قرارات أعادت المالية العمومية إلى توازنها، ومكنت من استعادة وصيانة استقلالية القرار الاقتصاد الوطني بإصلاحات حقيقية، وكرست الحس الاجتماعي للحكومة والذي أثمر إجراءات لفائدة الفئات الضعيفة، كانت تنتظر منذ سنوات.
– في مقابل ذلك، اشتغلت المعارضة برئيس الحكومة كشخص ولم تقدم أي بديل، وعمق من فشلها فقدانها للمصداقية، وقيادة ذلك من طرف حزب لا يتوفر على زعماء؟ وليست له إيديولوجية واضحة قادرة على جمع الناس؟ وليست له ديموقراطية داخلية تضمن استمرار من فيه؟ ولهذا لم يكن قادرا على تقديم بديل واضح، بل هو مجرد وهم كبير يعيش على التلقيح الاصطناعي ولا يمكنه أن يستمر، وذلك رغم انخراط البعض في حملات ممنهجة من التبخيس لعمل الحكومة، والحملات المتواصلة لصحف صفراء ومواقع مأجورة، في مقابل إعلام مسؤول خاطب المغاربة بلغة الحقيقة وكسب معركة المصداقية.
– وإذ لا نستبق الأحداث فيما يتعلق بانتخابات 2016 فإن السياسة في المغرب ليست لعبة أو عبثا، ولا يمكن للمغاربة أن يغيروا موقفهم في أقل من سنة، ومادام حزبنا مستمر في نفس نهجه القائم على الأمانة والنزاهة والقرب ونبذ الإقصاء ورفض التحكم، فإن الشعب سيد قراره ولن يخذلنا في الاستحقاقات المقبلة.
– أولويات المرحلة:
هي الانشغال بما ينفع المواطنين، والاجتهاد والإبداع في الاستجابة لانتظاراتهم المتعلقة بخدمات القرب كالتطهير والنظافة والنقل والطرق والمساكن الآيلة للسقوط والمساحات الخضراء والإنارة العمومية وغيرها من الخدمات اللازمة لضمان عيش كريم للناس وتيسير شؤونهم، وما ينتج عن ذلك من جلب للاستثمار وتشجيع الأنشطة الاقتصادية والتنموية.
– لقد تعب الناس من التسيير المبني على الفساد والتحكم والإثراء غير المشروع والتنكر لمطالب الناس وعدم خدمتهم والابتعاد عنهم.
– من الواجب أن أذكركم بأن أولويتكم هي خدمة الناس وليس الانشغال بقضايا جانبية أثيرت قبل أشهر، وأدعوكم إلى أن تعرضوا عن هذه القضايا، فهي فخاخ لكم وعليكم أن تضعوا أذنا بلاستيكية.
– ونفس الأمر أقوله بخصوص الجانب الديني، فليس من مسؤوليتكم، وتدينكم هو وفاؤكم لمرجعيتكم وليس للتسلط على عباد الله، وهو أيضا لمنعكم من المس بالمال العام والحرص على خدمة الناس، وأذكركم أن الشأن الديني هو اختصاص حصري لأمير المؤمنين جلالة الملك حفظه الله.
– أنتم المستقبل، ونهضة المغرب والتحاقه بالدول الصاعدة سيتحقق بنهضة مدنه وانطلاقها لتصبح منارات لبلدنا، مثل ما حصل في دول أخرى كتركيا التي أصبحت اسطنبول قاطرة لنهضتها الاقتصادية ورافعة لتقدم حزبها.
– ابقوا نزهاء وشرفاء وستفتح أمامكم الأبواب والنَّاس لن يتخلّوا عنكم، بشرط الاستقامة والإخلاص والاجتهاد في خدمة الناس وعدم التنازع وعدم الإقصاء والوفاء لجلالة الملك والوطن، وكما بشرتكم في السابق بما ترون اليوم، أبشركم بمزيد من النجاح.
– ونجاح حزبنا رهين بالاستمرار في هذا المنهج والتمسك بأخلاقه المتمثلة في النزاهة والأمانة ونبذ الإقصاء والوفاء بالعهود وتحمل المسؤولية في القرار والوضوح والصراحة مع الناس، والاجتهاد في خدمتهم والبقاء قربهم.
– فالمواطنون لن يخذلوكم ولن يتخلوا عنكم مادمتم أوفياء لمرجعيتكم باستقامتكم ونزاهتكم وتفانيكم في خدمتهم والقرب منهم، ومادمتم أوفياء للمشروعية تتعاونون وتشتغلون تحت إمرة جلالة الملك، وما دمتم تضعون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وتفسحون المجال لغيركم وتنبذون الإقصاء والتحكم.
– إن حزبنا هو حزب المستقبل: بشرط الاستمرار على أساس نفس القواعد والمرتكزات، والحفاظ على تماسكنا الداخلي بتطبيق مقتضيات الديموقراطية الداخلية وعدم التنازع، واحترام المشروعية، والانضباط للقرار، وضمان الحق في التعبير، وعدم السقوط في المس بحرمة المال العام، والاستئثار بالرأي وإقصاء المخالفين.
والله الموفق.