[ After Header ] [ Desktop ]

[ After Header ] [ Desktop ]

[ after header ] [ Mobile ]

[ after header ] [ Mobile ]

حالة شرود

محمد عصام

كنا دائما نلح أن إحياء نقاشات الهوية والقيم، وجعلها حلبة للاصطفاف السياسي والتقاطب المجتمعي، لا يخدم إلا أجندات الإلهاء والإفلاس السياسي، وأن أصحابها يستثمرون فيها لمداراة إفلاسهم السياسي وتقلص امتداداتهم المجتمعية، ولخلق تقاطبات حادة في المجتمع تعفيهم عن الاستثمار في البرامج والتبشير بالنماذج ذات جاذبية في الاقناع والتمدد المجتمعي، وكنا دوما نعتبر السقف الدستوري سقفا يسعنا جميعا ويجيب عن اسئلة التنوع داخل وحدتنا الجامعة، وأنه كاف وزيادة للحسم في طبيعة هويتنا الوطنية، فتصدير الدستور- وهو جزء أساسي منه- يؤكد ” أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال و التسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء”، كما أن الفصل الأول أفصح بوضوح أن الأمة” تستند في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي.”

وإذا كان الأمر بالنسبة لنا واضحا إلى هذه الدرجة فيما يخص الفاعلين السياسيين والمجتمعيين، فإنه من باب أولى يصير أكثر وضوحا، حينما يتعلق بمؤسسات دستورية من حجم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي خرج بفتوى شاردة، عبارة عن توصيات للحكومة والبرلمان حول المساواة التامة بين الرجال والنساء، وتدعو الى ” تعديل مدونة الأسرة بشكل يمنح المرأة حقوقا متساوية مع الرجل في ما يتصل بانعقاد الزواج وفسخه، وفي العلاقة مع الأطفال، وكذا في مجال الإرث، وذلك وفقا للفصل 19 من الدستور والمادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”. مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول هذه الجرأة في التعسف في قراءة الدستور، قراءة انتقائية ومن منطق التأويل المجحف، الذي يصادر التنوع الذي يميز الهوية المغربية، ويعطل مقتضيات دستورية واضحة، وتجرءا على صلاحيات محصورة لأمير المؤمنين،” فهوحامي حمى الملة والدين .. ويرأس الملك، أمير المؤمين، المجلس العلمي الأعلى… ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة”( الفصل 41)

كما يثير هذا الخروج المريب أسئلة حول توقيته وسياقه، فأي رسالة يريد أصحاب التوصيات إيصالها، وأي جهة يؤمون بذلك؟ خصوصا وأن المغرب قد خرج من استحقاق انتخابي طويل ومصيري، ومقبل بعد سنة على موعد لا يقل أهمية يتعلق بالانتخابات التشريعية ل 2016؟ ثم هل للأمر علاقة بانتهاء الولاية القانونية لأعضاء المجلس منذ 20 شتنبر 2015 فالظهير المحدث للمجلس يحصر الولاية في أربع سنوات تم استيفاؤها منذ شتنبر الماضي، مما يطرح قانونية ما يصدر عن المجلس من توصيات وقرارات؟

وحيث إن الشرود الواضح في تلك التوصيات يخرجنا عن المنطق العام الذي ارتضاه المغاربة لتشكيل وصياغة توافقاتهم المجتمعية والسياسية، وهو منطق يمتح من الإجماع هويته، ومن الإيواء إلى الثوابت التي أفرزتها التجربة التاريخية للأمة في مسارها عبر التاريخ، فإننا نعتبر كل استدراج إلى اصطفافات مزيفة على أرضية النقاش الهوياتي القيمي، لا يخدم مصلحة الوطن ولا يدفع إلا في اتجاه هدر الزمن والقدرات فيما لا عائد وراءه، وأن الاسئلة الحقيقية للشعب المغربي تكمن في الاصطفاف معه في قضايا التنمية والديمقراطية، وما عدا ذلك فهو تزييف للوعي، وبث للرسائل الخطأ وفي الزمن الغلط.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.