كلمة الموقع
قد تستهوينا تفاصيل اليومي عن تحديد بوصلة اتجاهنا بشكل صارم وحاسم، وقد نغرق في الهامش الضحل التي تحترف جهات معينة انتاجه والإبداع في استدامته، وجر النقاش العمومي بعيدا عن استحقاقات المرحلة ومناطاتها، وإفراغه من مضمونه السياسي الذي يجب أن يلتقط بالضرورة سياق المرحلة، ومَوْقَعَتِها بشكل سديد ضمن سيرورة الانتقال نحو الديمقراطية، وكونها ضمن مشمولات الجواب المغربي على منعطفات الربيع ورجات الحراك، مما يعني أن طلائع الإصلاح على اختلاف مواقعها وتعدد مقارباتها وربما تناقض مرجعياتها واختياراتها، معنية بل مطالبة أولا من التحرر من ردات الفعل اتجاه تزييف الوعي الممارس بكل الاصرار والترصد والمكابرة، ومعنية أيضا بعدم تضييع البوصلة في “المتروكات” التي لا ينبني عليها عمل ولا تزيد شيئا في رصيد الشعب وفي حماية لحظته الاستثنائية من التلاشي والضياع، وعدم الركون الى الاستدراج الذي يمارس من قبل قوى النكوص المتربصين بمكاسبنا الجماعية في حماية حلمنا المشروع في الدمقرطة و التنمية والثروة.
لقد اشتغلت معاول الهدم والتبخيس منذ اليوم الأول الذي أعقب هدوء حراكنا المجتمعي، بعد أن لاحت تباشير قطافه الوافرة، وانبرى جند التبخيس والتيئيس في حشد الألسنة الحداد لسلخ التجربة وتجريدها من رأسمالها الرمزي الذي أكسبته إياها صناديق الشرعية غير المتنازع حول بياناتها وبيناتها، مستحلين الكذب والافتراء حينا والنفخ حينا آخر في وقائع قد تبدو حقيقية وموضوعية لكنها من باب الحق الذي يراد به الباطل في محاولات ملحاحة مكابرة لحجب الرؤية والتشويش على الأهداف، لكن الصادم في الأمر ليس هو هذا لإصرار من طرف نفس القوى، قوى النكوص والارتداد التي ألجمها الحراك الشبابي، وألقمها ما أخرسها ذات فبراير، بل منها من تأبط كل شره وغادر بلا طوع ولا اختيار حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود، بل الصادم هو أن ينخرط بلا وعي من هم معنيون بتنزيل استحقاقات المرحلة بحكم طبيعة مواقعهم ومحددات نشأة تنظيماتهم، ونوعية اختياراتهم وجنس اصطفافاتهم، في لوك نفس مقولات التحكم وانتاج نفس خطاباته، وبالتالي الاصطفاف معه على أرضية إجهاض التجربة واستباق فشلها، بدوافع مغرقة في الأنانية التنظيمية ومسكونة حد الهوس بحسابات الربح والخسارة الموقعية أوقل المقاعدية إن أردنا التدقيق في الوصف، وفي سبيل ذلك، توسلوا بقراءات دستورانية عقيمة، منبثتة ومفتقرة للعائد الممكن ترصيده في حساب الممارسة الديمقراطية وفي رصيد الشعب المغربي، من قبيل استدعاء التقابل بين المؤسسات واستجلاب التناقض ضمن بنية السلطة الواحدة في أفق تفجيرها، متغافلين عن طبيعة النسق السياسي المغربي وتفرد حالته، متناسين بالعمد والإصرار كل الكسب التاريخي لهذا النسق، وأيضا وهو الأهم القفز على الواقع الذي لا يرتفع والذي ضمنه تم إنجاز شروط الانتقال داخل بنية الاستقرار التي تفيد أن بقية متن التحول سيتم من خلال بنية التوافق التي لاغالب فيها ولا مغلوب، والتي تستدعي تقوية صف مطالب الشعب في الدمقرطة والتنمية بدل الانزياح الى خندق الالتفاف عليها ووضع اليد مع اعداء الشعب كيفما كانت المبررات، وبغض النظر هل يصب هذا الإصطفاف في مصلحة هذا الطرف أوذاك.
وحتى لا ننسى أيضا فإننا محتاجون للتذكير أن المعركة الأشرس قد احتضنتها ساحات السلطة الرابعة، في محاولة لتزييف الوعي والتأليب على المنجز، والتشويش على الرؤية، وهي محاولات أثبت الواقع فشلها الذريع في استحقاق الرابع من شتنبر وما تلاه، وتأكد لكل ذي بصيرة أن الشعب المغربي يختزل وعيا تاريخيا لا يخطأ في تحديد خصومه وتمييز صفوف الأعداء والاصدقاء بدقة متناهية، وأن كل تلك المحاولات رغم شدة وقعها وشديد فعلها، لم تنل من عقيدة الاصطفاف الواضحة لديه، وأن الانحياز الوحيد الممكن عنده هو انحياز غير منته ولا قابل للتصرف في اتجاه وفي صالح الإصلاح وقواه، واليوم رغم قساوة الدرس على قوى النكوص، نرى كيف استجمعت هذه القوى عدتها وعتادها، وكيف حشدت كل إمكاناتها لتأسيس المنابر، بعد أن بارت تجارة الوكلاء وخسئت ألسنتهم وكدست منابرهم وانفضحت عمالتهم، لكن الذي لا يعلمه هؤلاء أن المعركة أعمق من نصر قريب، أوربح لموقع تليد، فالمعركة أوسع مما يتصورون وأعمق مما يكيدون ويهيؤون، إنها معركة الوعي الذي يتشكل بالأجيال وتراكم الخبرات، وتحصيل الكسب التاريخي، والذي والحمد لله ثبت بالملموس وبالأرقام أن هذا الشعب الأصيل يملك منه رصيدا مقدرا، وأن الامتحان الحقيقي حين يحل أوانه تتضح الرؤية وتتمايز الصفوف، فاجلبوا برجلكم وخيلكم وكل منابركم وقنواتكم وصحفكم، فإن لنا نزالا معكم لا نخطؤه نحن ولا أنتم فيه يعز المرء أو يهان.