[ After Header ] [ Desktop ]

[ After Header ] [ Desktop ]

[ after header ] [ Mobile ]

[ after header ] [ Mobile ]

كيف سيكون حجم الريع بالمغرب لولا وجود العدالة والتنمية؟

كلمة الموقع

لقد أخرست نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة أَلسُنا كثيرة، وفرضت على العديدين لزوم الجحور وتجرع مرارة الصدمة في صمت وذهول، وهم الذين كان لا يُعلى صوت فوق جعجعتهم ولا يُرى رسم جراء نقعهم الذي لا ينتهي، استحوذوا على الفضاء العام وسخروا الإعلام لبث الأكاذيب وزرع الشك واستباق الهزيمة، إلا أن نتائج النزال ليوم الرابع من شتنبر وما تلاه جاءت على غير ما تشتهي سفنهم الكسيحة، وكشفت عقم ألاعيبهم المفضوحة، وجعلتهم وجها لوجه مع اختيارات الشعب الذي ادعوا زورا أنهم يعبرون عن إرادته ويترجمون توجهاته وميولاته، فكانت صدمتهم من بوار سلعتهم، وخيبتهم في التدليس على الشعب الأصيل أكبر من قدرتهم على الاستيعاب والهضم، فلزموا فترة من الزمن جحورهم يداوون جراحات النزال التاريخي، ولزموا الصمت إلى حين انكشاف الرؤية وتدبر المرحلة المقبلة أو انتظار الإشارات إياها من الجهات المعلومة التي ترسم بدقة حدود اللعب وساحته وخططه، وتترك للوكلاء تصريفه كل حسب موقعه وقدرته بل ودرجة الولاء والطاعة لأولي النعم من تلك الجهات المعلومة.

وهذا فعلا ما بدت تتضح معالمه في الأسابيع الأخيرة، حيث غادرت الألسنة الحداد جحورها، واستأنف القصف دويَّهُ وفي كل الاتجهات، محدثا انزياحا رهيبا في النقاش العمومي، بضخ جرعات فتاكة من التوجيه غير البريء، مع ما تقتضيه أصول حرفة الافتراء من توابل الكذب والتدليس وقلب الحقائق، لكننا يمكن أن نقارب التوجهات العامة لهذا الاستئناف من خلال هذه القضايا:

1-     لقد اتضح لكل المتتبعين أن أحد العناصر الهامة التي ساهمت في كسب العدالة والتنمية لنزال الرابع من شتنبر، يكمن في نزاهة ونظافة أيادي مناضليه، وتمتعهم في مختلف المستويات التنظيمية والانتدابية بمصداقية عزَّ وجودُها في النسق السياسي المعاصر، حيث إن حصيلة الكسب التاريخي لممارسة السياسة في هذا البلد الأمين رتَّب خلاصةً مفادها، أن أقرب  الطرق وأسلكها للارتزاق والارتقاء الوظيفي والاجتماعي إنما يكمن في ولوج السياسة، وأصبح  السياسي في المخيال الجماعي لفئات عريضة من المجتمع المغربي نتيجة لذلك، عُرضة للوصف بالكذب وبالسرقة معا، أو على الأقل غير جدير بالثقة بعيدا عن المصداقية، هذه الخلاصة أربكت خطط خصوم الإصلاح ونسفت برامجهم، لكنهم عادوا اليوم وبقوة بعضهم لبعض ظهير، يتوسلون بطرق شتى إلى خدش هذه المصداقية التي يتمتع بها مناضلو العدالة والتنمية، فمباشرة وبعد أول دورات مجالس الجماعات الترابية في مختلف الجهات والأقاليم، بدأ القصف تارة بتصوير مستشاري المصباح لاهثين لاقتناء السيارات الفارهة، وتارة بادعاء أنهم يسعون لمراكمة الثروة والاغتناء على حساب تلك الجماعات، مع ما رافق ذلك من تضخيم لبعض الوقائع أو الأرقام واجتزائها من سياقها العام أو حتى اختلاق أخريات غير موجودة إلا في الخيالات المريضة للبعض، لكن هذه الخطط لن تنطلي أبدا على عموم الناس، مادام عنصر المكيدة والضغينة يسكن فحواها ويُلبِّس على منتهاها، فكيف لذي ذرة من عقل أن يُصدق كل هذا السيل الجارف من الكذب، وهو يرى مئات المجالس التي يسيرها غير العدالة والتنمية لا أحد يقترب منها ببنت إشارة، مع العلم أن عددا غير قليل منها يزكم فسادُه الأنوف ويعرف القاصي والداني مدى الاختلالات التي تعيشها.

2-     وفي رحلة القصف تلك، قد تبدو عناوين بعض القضايا منطقية بل مشروعة، لكن بعض الفاعلين ولا أقول الكل قد يستخدمون تلك العناوين في معاركهم غير البريئة، بجرف النقاش جهة إدانة خصم متوهم بعد أن عزَّت مواجهته بشكل مباشر، من قبيل النقاش الصحي الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي حول معاشات الوزراء والبرلمانيين، حيث إن خصوم الإصلاح ركبوا الموجة واستحلوا هديرها، بغية الاستثمار في زَبَدِها الذي يذهب بطبيعته جفاء ولا يمكث في الأرض ولا ينفع الناس، ذلك أنه سرعان ما انكشفت خلفيات البعض وتعرت بواعثه، فلم يكن القصد التصدي لريع كانوا هم أصل وجوده وسبب نزوله في سياق كانوا هم من يتحكم في كل شيء.

بل كان القصد الخفي لركوب هذا البعض موجة هذا النقاش غير البريء بالمرة، هو تصوير الفاعل السياسي عموما بأنه غارق في الريع، وأنه لا فرق بين هذا الطرف أو ذاك، وبالتالي تجريد الخصم- وهو في هذه الحالة ليس إلا العدالة والتنمية تحديدا- من سلاح أساسي وهو المصداقية، ونزاهة الذمة ونظافة اليد.

3-     وبصدد هذا النقاش، من المفيد التذكير حتى يتضح الخيط الأبيض من الأسود، أنه أساسا وبفضل وجود العدالة والتنمية في المؤسسة التشريعية وبفريق كهذا الذي تتوفر عليه اليوم من حيث العدد والكفاءة، لم يتم تمرير زيادة في تعويضات النواب تحت ذريعة رفع المردودية، حيث إن النقاش الذي فتح في مرحلة رئاسة كريم غلاب لمجلس النواب حول دعم ورفع المردودية كان يسير في اتجاه إقرار زيادة جزافية بـ 4000 درهم، غير أن فريق العدالة والتنمية كان له حينذاك موقف حازم وحاسم في توقيف تلك الزيادة، والدفع في اتجاه البحث عن مخرجات أخرى تمكن من تحقيق هدف رفع المردودية خارج منطق الزيادة التي لا تنسجم مع أولويات المرحلة والوضع العام الذي يعيشه الشعب المغربي، وستكرس تبعا لذلك الجفاء بين المؤسسة وعموم المواطنين.

وعليه فإن أي حشر لنواب العدالة والتنمية في هذا النقاش وبِنِيَّة الإدانة أو المساواة مع غيرهم هو قفز على الواقع العنيد الذي لا يرتفع، علما أن هؤلاء ما فتئوا يعبرون عن مواقف مساندة للمطالب المعبر عنها في مواقع التواصل الاجتماعي.

وبالتالي من حقنا أن نطرح سؤالا نعتبره هو السؤال الجدير بالطرح، هو كيف سيكون حجم الريع في بلادنا لولا وجود العدالة والتنمية؟  مستحضرين في الإجابة عنه كل الكسب الذي راكمه هذا الفصيل السياسي في رصيد البلد ولصالح هذا الشعب، والذي لا يسعفنا هذا المقال لعرض محطاته وتجلياته، بل نكتفي بالقول إنه لأول مرة في تاريخ المغرب لن يستطيع أحد أن يشير لأي وزير بأنه اغتنى من مسؤوليته في الحكومة!  أو راكم ثراء مشبوها من خلال مروره الحكومي !

4-     لقد تعدت تلك المحاولات سقف البرلمان لتصل شظاياها رئيس الحكومة وبعض وزرائه وتحديدا المصطفى الرميد، حيث تم إحياء الحديث عن الأجر الذي يتلقاه رئيس الحكومة، في خلط فج بين الأجر والتعويضات من أجل التضخيم، وكذلك بالنسبة لوزير العدل وهما معا معروف عنهما تخليهما عن التعويضات التي يخولها لهما موقعهما، وهذا الاستهداف الذي ينم عن انتقائية مقصودة لرمزين يتمتعان بمصداقية كبيرة وغير قابلة للخدش، يعكس أن الذين يتولون اليوم كِبر هذه الافتراءات ويجيشون كتائب البهتان والتزييف، قد حددوا بدقة ساحة المواجهة كما حددوا بشكل أدق أهداف القصف.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.