محمد عصام
استنكر العديد من الغيارى من مختلف التوجهات والحساسيات، بما فيها المحسوبة على التيار الامازيغي، ما قامت به فئة معزولة شعبيا، لا تمثل إلا نفسها ولا حق لها في التكلم باسم الأمازيغ في هذا البلد، من إحراق صورة رئيس الحكومة، في سابقة من نوعها في تاريخ الاحتجاج بالمغرب، الذي كرَّس فيما يشبه الإجماع الضمني لكل الفرقاء وكل الحركات، أن الإحراق مرتبط بأعلى درجات الغضب، ومعبر عن أقسى وأقصى مستويات الرفض الذي لا يقبل إلا الاحراق تعبيرا عن عدم إمكان التعايش، مؤذنا بكل صنوف المواجهة ابتداء من الإدانة وانتهاء بالحرب، وهي تعبيرات لا تليق فيما يشبه إجماعا إنسانيا ووطنيا إلا بالكيان الغاصب إسرائيل.
وفعلا استهجن المغاربة كلهم صنيع هذا الفصيل، الذي اعتاد على استفزاز الوعي الجماعي للمغاربة، بالتزلف المهين لدولة الاغتصاب، والرقص على جراحات الأمة والولوغ في دماء شهدائها، حين عاد اليوم لكي ينفث حقده ويحاول زرع الضغينة بين فئات المجتمع، واختلاق القطيعة بين مؤسسة دستورية يجسدها رئيس الحكومة والامازيغ وخصوصا السوسيين منهم، في محاولة بئيسة ويائسة لا تنطلي على أحد، باجتزاء فقرة من كلام الاستاذ عبد الإله ابن كيران بصفته أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية في الجلسة الافتتاحية لمجلسه الوطني، تلك الفقرة التي جاءت في سياق الإشادة بأخلاق ونظافة ذمة الاستاذ جامع المعتصم مدير ديوان رئيس الحكومة ورئيس مجلس مدينة سلا، وهو سياق غلب عليه طابع الفكاهة التي اعتاد ابن كيران أن يخاطب به المقربين منه وقيادات حزبه عموما، إلا أن ادعياء “تمازيغت” ممن لا وزن ولا مقدار لهم عند عموم أمازيغ الوطن بدليل أن وقفتهم تلك أمام مقر الحزب باكادير لم يحضرها غيرهم ولم يستجب لها أحد، رغم التجييش الشديد طيلة أسبوع كامل، رأوا في ذلك فرصة سانحة للعب دور أرنب السباق، الذي يضع قدراته عادة في خدمة جهة معينة غالبا ما تكون من وراء حجاب وبمقابل مؤجل في الغالب، ولا نحتاج لذكاء خارق لكي يتبين لنا حجم الخدمة التي تراءت للفئة اياها تقديمها في سياق القصف الكثيف الذي تتعرض له التجربة الحكومية وشخص رئيسها بالخصوص من جهات متعددة يوحدها هَمُّ استباق نتائج انتخابات 2016 المقبلة.
وحتى نقطع الشك باليقين نقول لهؤلاء، إن أهل سوس أعلم وأعرف الناس بمكانتهم عند الاستاذ عبد الإله ابن كيران وعند عموم أبناء العدالة والتنمية، وإلا ما كانوا ليصوتوا على مشروعه بتلك الكثافة وبالأغلبيات التي حصل عليها في كل حواضر سوس بدون استثناء، وأي منازعة في هذا الأمر من قبل أي جهة، فهي مظنة التشكيك في القدرات العقلية والفكرية لعموم المصوتين واتهام مباشر لهم بعدم حيازة الأهلية في تقرير مصيرهم ومحاولة للحجر عليهم بدعوى عنصرية مقيتة، ثم إننا لن ننتظر أن يصدر تصريح هنا وهناك لابن كيران لكي نقتلعه اقتلاعا من سياقه ونستعمله استعمالا غير بريء ولا نظيف لنثبت وهم جفاء بينه وبين الامازيغية، فحياة الرجل لعقود وسلوكه الاجتماعي وكسبه السياسي الذي تواتر لسنوات طوال ليس فيه ما يفيد ذلك، بل على العكس فإن كسبه السياسي على مدى تاريخه والذي بوأه اليوم رئاسة حكومة شعبية إصلاحية بامتياز، إنما تحصل برفقة الأمازيغ من أبناء مشروع الاصلاح وبمساهمتهم بل وفي فترات معينة بقيادتهم ورئاستهم، ثم إنه لم يثبت طيلة هذا الكسب أي جفاء في علاقة ابن كيران مع هذا الجزء الغالي من الوطن، سواء وهو رئيس الحكومة أو قبل ذلك وزياراته المتكررة لهذه الأقاليم خير دليل على ذلك وترحيب اهالينا به هناك لا يحتاج الى تدليل، يكفي أن نذكر أن جهة سوس حظيت باستقبال الأمين العام للمصباح مرتين في إطار الحملة الانتخابية الأخيرة في كل من تزنيت وأكادير، هذه الأخيرة كنموذج سجلت رقما قياسيا في حضور المواطنين لمهرجان خطابي سياسي فاق العشرين ألفا بكثير.
من جهة أخرى وحتى يكون النقاش مفيدا وذا عائد على الجميع، فإن تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وإخراج القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة الأمازيغية، كلها مشاريع انطلقت وبنفس تشاركي، وكلها تدحض أطروحة الاستهداف أو التهميش التي تتاجر بها بعض الفصائل، وتؤسس عليها مظلومية مفتراة استجداء للتعاطف واتجارا بقضية أساسية تعتبر مشتركا لكل المغاربة بلا وصاية ولا حجر من أحد، فمتى سيطلق البعض هذا الخطاب وينخرط في الاوراش المفتوحة ويقدم البدائل؟ أم أن وضعية المظلومية وتقمص دور الضحية اكثر جاذبية وأقل كلفة، مما يجعل الفطام عليه صعبا؟