مرة أخرى ُتْمَنى الجزائر بهزيمة سياسية قاسية في مواجهة المغرب، والمناسبة هي اجتماع المجموعة العربية الأفريقية في إطار الدورة 11 لمؤتمر اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي المنعقدة في العاصمة العراقية بغداد خلال الفترة 20-25 يناير الجاري، حيث كان مطلوبا من هذه المجموعة يوم السبت 23 يناير أن تختار مرشحين اثنين لكل من اللجنة التنفيذية للاتحاد ولجانه الدائمة الأربع، حيث يمثل المغرب والجزائر هذه المجموعة في اللجنة التنفيذية منذ سنوات، وبعد إصرار الوفد السوداني على الترشيح لعضوية هذه اللجنة وحرصا على التوافق وتجنب التصويت، كان لزاما على الطرفين المغربي والجزائري أن يتنازلا خصوصا بعد تعبير بلد آخر عن رغبته في الترشح لعضوية اللجنة المذكورة، وهو ما حدَّثْتُ فيه شخصيا الوفد الجزائري بأن نتنازل معا عن عضوية اللجنة التنفيذية أو على الأقل عن عضوية كل واحد منا في اللجنتين الدائمتين اللتين ننتمي إليهما تيسيرا للتوافق ولإنجاح هدف الاجتماع، غير أن تعنت الوفد الجزائري برفض كل مقترحاتنا وتمسكه بعضوية اللجنة التنفيذية وكذا تمسك الطرف السوداني بالترشيح لها كل ذلك أوصل المجموعة العربية الأفريقية للباب المسدود مما أربك عمليا أشغال المجموعة وكاد أن يعصف بها بل أنذر بصعوبات ليست في صالح المؤتمر وصورته التي يرجوها خصوصا مضيفوه، وهنا تدخل الوفد المغربي ليعبر عن تقديره للمصلحة العليا للمؤتمر ولو على حساب المصلحة الوطنية وهي معتبرة ويعلن بالتالي تنازله عن عضوية اللجنة التنفيذية، وهو ما لقي تصفيق وترحيب القاعة وأصاب الطرف الجزائري بالحرج إلى درجة الخزي وجعلها تصغر في عيون من لم تصغر في أعينهم بعد..
إن هذا الموقف السامي الذي وقفه الطرف المغربي جعل المكاسب تأتي تباعا، فقد آلت إليه عضوية اللجنة السياسية مباشرة، ثم عضوية اللجنة الاقتصادية حيث شكلت هذه الأخيرة فصلا آخر من فصول المواجهة مع الطرف الجزائري حيث ترشحنا لهما معا وتمسك الطرف المغربي بترشيحه وأمام تعنت الوفد الجزائري لم يكن بد من اللجوء للتصويت، وبدا في القاعة التعاطف والتقدير الكبيرين للموقف المغربي والتوجه نحو التصويت لفائدته ضد الجزائر، ولما أيقن وفد هذه الأخيرة بخسارته بعد انطلاق عملية التصويت تدخل هذا الأخير ليعلن سحب ترشيحه لفائدة الطرف المغربي، وقد كان تنازلا مضحكا لأنه لم يصدر عن قناعة بل التجأ إليه اضطرارا، وهو ما ذكرني بذلك الرجل الذي نصحه أحد أصدقائه أن يتصدق بخروفه النحيف أفضل له من أن يبيعه بثمن بخس لكنه رفض النصيحة، ولما قفل عائدا إلى بيته وهو يسير بمحاذاة أحد الوديان حاملا الخروف على ظهره قفز الخروف وارتمى في الوادي ولما أيس صاحبنا من استعادته توجه إلى السماء داعيا: يا رب لقد تصدقت بهذا الخروف في سبيلك..
إن المصائب لا تأتي فرادى كما يقال، فبعد هزيمة الوفد الجزائري أمام الوفد المغربي تلحقه هزيمة أخرى أمام الوفد الموريطاني، حيث ترشح الوفدان لعضوية لجنة حقوق الإنسان والمرأة والأسرة، وأمام إصرار الجزائريين على عدم التنازل اضطر المؤتمرون للتصويت الذي آلت نتيجته للطرف الموريطاني.
وهكذا تخسر الجزائر هذه الخسارات المتتالية، إنها خسارة سياسية في مقابل الانتصار الكبير للمغرب، فهل يتعظ الإخوة الجزائريون بهذا الذي وقع ومثله وأكثر منه يقع في محافل عديدة أم أنه ستصدق عليهم المقولة” ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار؟”. لقد عادت للمغرب في المحصلة النهائية لجنتان دائمتان فضلا عن لجنة فلسطين، حيث انتخب لعضوية هذه اللجنة الأخيرة النائب سليمان العمراني وانتخب لعضوية اللجنة السياسية المستشار عبد الإله الحلوطي نائب رئيس مجلس المستشارين وعضو فريق حزب العدالة والتنمية بهذا المجلس كما انتخب النائب عبد الله البقالي لعضوية اللجنة الاقتصادية..