جلالة الملك بمناسبة انعقاد المجلس الوزاري: الانفتاح لا يعني الاستيلاب والانجرار وراء الآخر كما لا يعني التزمت والانغلاق

محمد يتيم

البلاغ الصادر عن الديوان الملكي عقب انعقاد المجلس الوزاري يستحق التوقف بالنظر لما يحمله من دلالات ورسائل بليغة:

أولا : كونه ينعقد في مدينة العيون التي شهدت قبل شهرين الاحتفالات الرسمية بالذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء وحينها  وجه جلالته خطاب العرش – الذي كان خطابا تاريخيا –  والذي جعل الأقاليم الجنوبية للمملكة  منطلقا لتطبيق الجهوية المتقدمة. خلال المجلس الوزاري تم تقديم ملخص تركيبي أمام المجلس الوزاري برئاسة جلالته حول استراتيجية تنفيذ النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمملكة، والذي اعتبر بمثابة آلية لتطبيق وتسريع الجهوية المتقدمة. وهو ما يعني أن الدولة جادة في تنزيل الجهوية الموسعة، وأن هذا النموذج سيُشرع في تنفيذه من خلال برامج مرقمة ومجدولة في الزمن، وأن المغرب في صحرائه يبني ويعمر، ويستثمر لفائدة الجهة وساكنتها ولا يستغل أو ينهب الثروات كما تقول الدعاية الانفصالية ومن يدور في فلكها 

ثانيا : وحيث إن إصلاح منظومة التربية والتكوين يأتي من حيث الأولوية والأهمية، بالنسبة للمغرب، بعد القضية الوطنية فإن تقديم عرض من قبل وزير التربية الوطنية حول التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة – حسب ما في البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، يجسد بطريقة ملموسة الأولوية التي يحظى بها إصلاح منظومة التعليم والأهمية القصوى التي تحتلها إلى جانب قضية وحدتنا الترابية، كما أن المقاربة المعتمدة من خلال جعلها موضوع تداول في المجلس الوزاري تفيد أنها قضية تعلو ويفترض فيها على الحسابات والتقلبات السياسية، والقراءات التجزيئية، وهو ما جعل المجلس الاعلى يوصي ضمن تلك الرؤية باعتماد قانون إطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين، يعمل على صياغة ذلك البرنامج  في إطار تعاقدي وطني ملزم يجعل من تنفيذ مقتضيات الرؤية وتنزيلها ضمن برامج وإجراءات، مسألة تتجاوز الزمن الحكومي وتعلو على التقاطبات والتقلبات السياسية 

ومن المعلوم أن المجلس الاعلى للتربية والتكوين كان قد عكف على تلك الرؤية التي تدور محاورها حول تحقيق مدرسة للإنصاف وتكافؤ الفرص، مدرسة  الجودة والارتقاء الاجتماعي واعتماد مبدأ التناوب اللغوي في لغة التدريس مع  الانفتاح على اللغات الأجنبية، خاصة في تدريس المواد والتخصصات العلمية والتقنية  من خلال مبدأ التناوب اللغوي. 

ومن المفيد جدا التذكير بأن هذا المفهوم  يتضمن مضمونا وظيفيا لتدريس اللغات ولغة التدريس، ولا ينطلق من مقاربة ايديولوجية تستشعر إما عقدة تجاه اللغات الوطنية، أو موقفا متشنجا ضد الانفتاح اللغوي بمعناه الوظيفي وليس بمعناه الايديولوجي. مما يقتضي  التذكير بمعناه ودلالته والتى حرصت الرؤية الاستراتيجية على تحديدها بدقة في المرفق الخاص بتعريف وتحديد المصطلحات: ومفاده الاستمرار في اعتماد اللغة العربية لغة لتدريس المواد العلمية مع تعليم بعض المجزوءات والمضامين في بعض المواد باللغة الفرنسية في مرحلة أولى في الثانوي وفي مرحلة ثانية في الإعدادي ثم تدريس بعض المجزوءات والمضامين في بعض المواد باللغة الانجليزية . مما يقتضي الحذر من أي قراءة ذاتية وتنزيل متعسف يفرغه من محتواه، لن يقود إلا الى مواقف متشنجة في الجهة الأخرى !

ثالثا : أهمية المجلس الوزاري تكمن الى جانب ذلك كله في ما أكده جلالة الملك حول مسالة الانفتاح والتواصل مع الثقافات ومع الشعوب، حين  أوضح جلالة الملك،  أن الانفتاح والتواصل لا يعني الاستلاب أو الانجرار وراء الآخر، كما لا ينبغي أن يكون مدعاة للتزمت والانغلاق. وما صدر عنه من تعليمات ومن هذا المنطلق، لوزيري جلالته في التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية، بضرورة مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية، سواء في المدرسة العمومية أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق، في اتجاه إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعية إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية، وفيما أكده من أن تلك  البرامج والمناهج التعليمية يجب ان تستند على القيم الأصيلة للشعب المغربي، وعلى عاداته وتقاليده العريقة، القائمة على التشبث بمقومات الهوية الوطنية الموحدة، الغنية بتعدد مكوناتها، وعلى التفاعل الإيجابي والانفتاح على مجتمع المعرفة وعلى مستجدات العصر.

آن الأوان إذن أن نذهب في التعامل مع إصلاح منظومة التربية والتكوين، تعاملا يجعل منها قضية وطنية ينخرط فيها الجميع على قاعدة توافق وطني يذهب لعلاج الإشكالات الكبرى التي تعاني منها المنظومة تعاملا وظيفيا أي تعاملا يقوم على اختيارات سالكة تضمن التقدم في الاصلاح، اختيارات تضمن النجاعة لنظامنا التربوي وتخرجه من النفق بدل أن تغرقه في متاهات جديدة  وتنأى عن المقاربات الأيديولوجية سواء تلك القائمة على الانغلاق أو تلك القائمة على خدمة مصالح ثقافية أو لغوية. وفيما نقله البلاغ الصادر عن الديوان الملكي حول ما دار حول إصلاح منظومة التربية والتكوين والانفتاح دون استلاب والتشبت بمقومات الهوية الوطنية مع الانفتاح على مجتمع المعرفة ومستجدات العصر خارطة طريق ، هي التي ينبغي ان يترجمها القانون الإطار 

 
شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.