[ After Header ] [ Desktop ]

[ After Header ] [ Desktop ]

[ after header ] [ Mobile ]

[ after header ] [ Mobile ]

مغربة الربيع العربي

سليمان العمراني

في مثل هذا اليوم وقبل خمس سنوات انطلقت حركة 20 فبراير، تفاعلا مع الحراك الذي شهده محيطنا الإقليمي الذي أعقب سقوط البوعزيزي في تونس، وقد تأسست أطروحة هذه الحركة على عدة مطالب سياسية ودستورية جوهرها الدعوة للقطع مع نظام الفساد والاستبداد الذي رهن بلادنا لعقود، ولم تمض إلا أيام معدودات حتى بادر جلالة الملك في خطابه التاريخي ل 9 مارس بإطلاق ورش المراجعة الدستورية وفق اختيارات فاجأت الجميع، وعاش المغاربة منذ هذا التاريخ وإلى غاية إقرار الدستور الجديد ديناميتين متوازيتين، الأولى هو استمرار حراك الشارع بطريقة راقية ومسؤولة والثانية هي انخراط كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين والمدنيين في مقاربة تعديل الدستور، وهما الديناميتان اللتان أثمرتا في النهاية دستورا متقدما وملهما بالرغم من الملاحظات المخالفة..

فإذا كان الربيع العربي قد أسقط أنظمة سياسية وترك ندوبا وجراحا لم تندمل بعد وفي أحسن الحالات ما تزال مخاضاته لم تؤذن بولادة ديمقراطية تضع حدا للمعاناة واليأس، فإن هذا الربيع في حالتنا المغربية قد وقعت مغربته كما قال الأستاذ عبد الإله ابن كيران، ويمكن أن نتلمس مظاهر هذه “المغربة” في العناصر الثلاثة الآتية على الأقل:

الأول: أن ربيعنا المغربي على خلاف مثيله في دول المحيط وإن ناضل الفاعلون فيه من أجل مطالب متعددة بلغ بعضها حد الشرود، إلا أنه اعتبر المساس باستقرار الوطن والمؤسسات خطا أحمر، وهو ما جعله في النهاية نافعا للبلد وملهما للغير وحق أن نقول مع القائلين بكونه ساهم في إنجاز الثورة الثانية للملك والشعب بعد ثورتهما الأولى على الاستعمار.. ولعل من مظاهر النبوغ المغربي إبداع المغاربة لمقولة ”الإصلاح في ظل الاستقرار” لأنها تختصر في النهاية كل الحكاية، ومفادها ألا إصلاح بدون استقرار كما يمكن أن نفهم منها أيضا أن الإصلاح من أدوات إدامة الاستقرار..

ولنا أن نفتخر جميعا نحن المغاربة لأننا اخترنا لأنفسنا ربيعا ما يزال يزهر ويثمر بخلاف ربيع بلدان الجوار الذي استحال خريفا بل دمارا وخرابا وأدخل تلك البلدان في نفق مظلم لا يبدو المخرج منه إلى اليوم. لقد انطلقت مع الربيع المغربي، رغم النزوعات الارتدادية وحنين البعض إلى إغلاق قوس 20 فبراير وإزاحة الدستور الجديد جانبا، مرحلة جديدة في تاريخ المغرب اتسمت بانطلاق إصلاحات ديمقراطية وسياسية ومؤسساتية واقتصادية واجتماعية، جعلت بلدنا منارة وسط الأمواج المتلاطمة ونبراسا للتجارب المتعثرة ونموذجا ناجحا بل واستثنائيا بفضل وصفة “الإصلاح في ظل الاستقرار”..

الثاني: هو أن ربيعنا المغربي ما يزال ينتج آثاره وإن كان بعضها ناشزا، فقد انتقل من ساحة التظاهر الميداني – إلا ما ندر-  إلى الساحة الافتراضية لشبكات التواصل الاجتماعي، فبالرغم من منزلقات وانحرافات البعض ومنها الممارسة غير المسؤولة للحرية والانتقاص من المؤسسات وركوب الاحتجاجات الاجتماعية والسقوط في الحسابات الصغيرة بوعي أو بدونه، بالرغم من ذلك كله لنا أن نفخر بحس المسؤولية واليقظة لعموم الفاعلين في هذه الشبكات وإسهامهم المقدر في التنبيه على الاختلالات وإصلاح الاعوجاجات ونأيهم عن الاصطفاف بمنطق “وهل أنا إلا من غزية”..

إن من مظاهر انتعاش السياسة في بلادنا هو حجم اهتمام المواطن العادي و”الفايسبوكي “خاصة بقضايا الشأن العام والتي يتبارى حولها فريقان كل واحد بأسلوبه ومنطقه، والجميل في المعركة الديمقراطية والسياسية المفتوحة منذ 20 فبراير هو أن المتفرجين ملازمون للمدرجات مشجعون لفريقهم وواعون بالمناورة، حيث يراد إنهاء المباراة قبل الأوان بالضرب والرفس والركل بعد العجز عن “اللعب ” بمهارة وباحترام قواعد اللعبة، لذلك فإن استمرار 20 فبراير المغربية نافعةً ومنتجةً لآثارها الإيجابية في الساحة الافتراضية رهين بمواجهة منطق الرفض والعدمية والمس بالمؤسسات وتبخيس المنجزات..

الثالث: إن المغرب وهو الذي أبدع ربيعه المميز قبل 5 سنوات يقدم الدليل تلو الآخر على تفرد نموذجه واستثنائيته، فلم تستغرقه قضاياه ورهاناته عن بذل الوسع لإنعاش الربيع الذي اختل في البلدان الأخرى، فقد احتضن مساعي المصالحة الليبية التي أثمرت ولادة حكومة الوفاق الوطني عسى أن تتكلل جهوده بأن يعبر الشعب الليبي صحراء التيه والاحتراب إلى ضفة الاستقرار وإعادة بناء الدولة، وساند المغرب وما يزال الشقيقة تونس مهد الربيع العربي من أجل أن تجتاز مخاضها الديمقراطي بسلام وتتجاوز وضعها الأمني المرتبك، وما تزال تجربة حراكه الديمقراطي محل تقدير وتنويه من قبل كل شعوب ودول المنطقة بل العالم بأسره بل ستظل ملهمة ومرشدة ما حافظنا عليها وأسبغنا عليها “مغربيتنا”..

لعل من فوائد تذكر حركة 20 فبراير كل سنة على الأقل في مثل هذا الوقت هو أن نحفظ وعينا متجددا بقدرتنا كمغاربة على إنتاج ربيع عربي بمواصفات مغربية وعلى تحمل الجميع لمسؤولياته في أن يبقى هذا الربيع المغربي نافعا غير ضار ثم أن نحسم أمرنا بأن تاريخ 20 فبراير فاصل بين عهدين وأن العهد السابق عليه قد ولى بدون رجعة وأصبح من الماضي..

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.