سليمان العمراني
خاضت أربع نقابات كما هو معلوم إضرابا عاما أمس الأربعاء 24 فبراير في القطاعين العام والخاص، وهو الإضراب الذي يأتي عقب سلسلة من الأشكال الاحتجاجية المحدودة التي خاضتها هذه النقابات في الآونة الأخيرة بدءا بالإضراب العام ليوم 29 أكتوبر 2014.
ولا يخرج الإضراب العام ليوم أمس عن المنطق العام الذي حكم تعاطي النقابات الأربع مع المقاربات الحكومية، إذ يمكن تسجيل على الأقل ثلاث حقائق جوهرية بشأنه:
أولها: أن هذا الإضراب بالرغم من الدفوعات والتبريرات التي قدمتها النقابات الداعية له والتي تعللت في مجملها بالاعتبارات الاجتماعية ومحدودية تعامل الحكومة معها، إلا أن الحقيقة الناصعة والجلية هي أن هذا الإضراب سياسي بالرغم من التلوينات المخالفة وحكمته في العمق منطلقات غير مبررة وغير مقنعة، وهو ما لم يخْفَ على العديد من غير المضربين ممن لا ينتسبون للتيار المؤيد للحكومة، حيث فهموا الدوافع السياسية لهذا الإضراب وامتنعوا باعتبارات مبدئية عن المشاركة فيه ولم يكن في المقابل دافعهم في ذلك تجنب الاقتطاع من الأجر كما قد يُتخيل أو يُظن؟
قد نتفهم دواعي احتجاجات بعض الفئات الاجتماعية لكن ما ليس مفهوما هو هذا الإضراب العام، حيث إن الحكومة منذ 2013 وهي في حوار مستمر مع النقابات وعقدت من أجله ثماني جلسات خصوصا في موضوع إصلاح أنظمة التقاعد وشاركت في الحوار المجري بشأنه بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وعبأت الحكومة 13 مليار درهم سنويا للوفاء بتعاقد اتفاق 26 أبريل، وظل رئيس الحكومة إيجابيا في التعامل مع النقابات متفهما لمبادراتها متقبلا لانتقاداتها فاتحا لباب الحوار مشرعا معها، وظل الحوار الاجتماعي منتجا للمبادرات العديدة ومنها الرفع من الحد الأدنى للمعاشات التي تصرف لمتقاعدي المؤسسات العمومية والجماعات المحلية والمياومين وإحداث صندوق التعويض عن فقدان الشغل وتمكين الأجراء الذين لم يستوفوا شرط 3240 يوما للانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من حقهم في استرجاع مبالغ مساهماتهم أو استكمال عدد الأيام اللازمة للاستفادة من معاش التقاعد وغيرها من التدابير ذات الأثر الاجتماعي الواضح..
ثانيها: هو سعي بعض المسؤولين بالجماعات الترابية إلى إنجاح الإضراب العام قسرا بتكريس الممارسات السابقة الموغلة في التخلف والمنتهكة لحقوق الموظفين والعمال أن يضربوا أو لا يضربوا، وفي المقابل سجلنا احترام حق وحرية الإضراب في العديد من القطاعات الحكومية والإدارات العمومية ومنها التي يشرف عليها مسؤولون في حزب العدالة والتنمية.
وعلى العموم فقد مر الإضراب العام في أجواء عادية ولم يلمس المواطنون ما ألفوه في سياقات سابقة من ارتباكات للمرافق العمومية كانت تبلغ حد الشلل وإن كانت النقابات المضربة قد راهنت على ذلك وعبأت من أجله ما عبأت.
وما يمكن استنتاجه على هذا المستوى هو أن بعض الممارسات ما تزال شاردة عن المنطق الدستوري وعن منظومة الحقوق والواجبات التي كرسها الدستور الجديد وأن تَمَثُّل هذا المنطق وتلك المنظومة ما يزال بينا وبينه مسافات ليست بالقصيرة.
ثالثها: وهذا أهمها أن هذا الإضراب العام لم يبلغ من حيث نسبة المشاركة المستوى الذي طمحت له النقابات المضربة وتبقى النسبة المعلن عنها من قبلها في دائرة الغموض لكونها -كما أورد أحد المواقع الإلكترونية-نسبة تحددت قبل انتهاء يوم الإضراب العام، أما وفق المعطيات الرسمية المتداولة فإن نسبة المشاركة في القطاع العام لم تتعد 39 % وفي القطاع الخاص فمتدنية جدا، وما يمكن أن يؤكد صدقية ذلك هو الأجواء العامة العادية التي أشرنا إليها والتي لا تَشِي بشيء اسمه “الإضراب العام”.
والخلاصة الدالة والمعبرة هنا هو أن 60 % على الأقل من المأجورين في القطاعين العام والخاص الذين لم يشاركوا في الإضراب العام الرافضين للمنطق الذي كان وراءه وللدوافع المعلنة بشأنه – ومنها رفض مشاريع إصلاح التقاعد التي أحالتها الحكومة على البرلمان- فهم منخرطون ومؤيدون لتلك المشاريع وعلى الأقل غير رافضين لها وإلا لكانوا من جملة المضربين، ولنقلها بكل وضوح: إن الإضراب العام الذي جرى يوم أمس هو استفتاء تأكيدي على المشاريع والأوراش الإصلاحية التي تقودها الحكومة ومن ضمنها مشاريع إصلاح التقاعد ورسالة دعم ومساندة لها ضد الضربات التي تلقتها وما تزال تتلقاها منذ 4 شتنبر، بل تأكيد للتأييد الانتخابي الكاسح لها في هذا الاقتراع وللحزب الذي يقودها ولأحزاب التحالف التي تكونها.
اليوم وقد انتهى هذا الإضراب العام بعُجَرِه وبُجَرِه والذي لم يسعف النقابات -إلى جانب باقي الأشكال الاحتجاجية السابقة-في شحذ الرأي العام وعموم الموظفين والمستخدمين ضد سياسات الحكومة، يلزم أن تستخلص النقابات الدرس وأن تسهم في رفع حالة العرقلة غير المبررة وغير المسؤولة التي تواجه مناقشة مشاريع إصلاح التقاعد بمجلس المستشارين، وستبقى النقابات دوما ومهما اختلفنا معها شريكا أساسيا لبناء الديمقراطية والمؤسسات وإنتاج التنمية وتعزيز المسار الإصلاحي الذي انخرطت فيه بلادنا إلى اليوم.