محمد يتيم
ندوة المدرسة العليا للتدبير وما حدث فيها من تشويش بلغ حد البلطجة ،والشجاعة النادرة والمستوى الحضاري التي تعامل من خلالهما السيد رييس الحكومة مع وقائعها تفرض على المتتبع الموضوعي تسجيل الملاحظات التالية :
– العرض القيم والموضوعي لذي تقدم به السيد رييس الحكومة والذي شد اهتمام وتتبع الحاضرين ، رغم التشويش والمقاطعة من حين لآخر ،وهو العرض المبني على تحليل دقيق ومتماسك للوضع السياسي في المغرب منذ احداث الربيع المغربي وطريقة تعامل المغاربة معه جميعا ، واستعرض خلاله اهم محاور حصيلة العمل الحكومي اضافة الى الصعوبات والإخفاقات التي واجهها ، وهو العرض الذى كان الحاضرون من الطلبة وغيرهم من الحاضرين الذين جاءوا من اجل الاستماع والتحاور مع رييس الحكومة ، يصغون اليه باهتمام وتجاوب كبيرا كان باديا على وجوههم كما يُبين ذلك الشريط .
– عندما اتضح ذلك الاهتمام والتجاوب من طلبة المدرسة ومن الحاضرين الذين لم ياتوا بخلفية التشويش، وانما جاءوا الى فرصة ناذرة اتيحت من اجل الاستماع لرئيس الحكومة ، بدات محاولات للإرباك والتشويش تتصاعد بينما ظل الاستاذ عبد الآه بن كيران محافظا على رباطة جأشه ويتعامل مع محاولات المقاطعة والتشويش بهدوء ، ويطلب من المشوشين التحلي بخصلة الاصغاء باعتباره مظهرا من مظاهر التحضر وشرطا في الحوار ، وأخذ الكلمة بعد ذلك للتعبير عن مواقفهم وآرائهم !
اقرأ أيضا
– وكلما تقدم الاستاذ بن كيران في تحليله المنطقي والتماسك الا وازدادت حدة التضايق عند فئات ممن اظهروا اصرارا على نسف اللقاء وتصاعدت عمليات التشويش والصراخ والمقاطعة ، في حين كان اصرار بن كيران يتزايد من اجل إكمال مداخلته والدفاع عن حقه في الكلام الى مستضيفيه .
– ثم اظهر بن كيران شجاعة ناذرة في الإصرار على مواصلة اللقاء رافضا الانسحاب على الرغم من إدارة الموسسة أعلنت انه لم يعد من الممكن في مثل هذه الظروف مواصلة اللقاء ، ورفض الرضوخ للمحتجين ما لم يسمح له باكمال عرضه الى ان حصل ذلك فعلا .
– حينها وبعد إصرار من السيد بن كيران تم فتح المجال لتدخلات الحضور، بعد الاتفاق على زمن التدخل وعدد المتدخلين وعلى اساس ان يأخذ بن كيران نفس الحصة الزمنية ، حيث استمع بن كيران لست مداخلات بدل ثلاث كان الاتفاق قد حصل حولها وحول توقيتها ، امعانا في الرغبة في الاستماع ، استمع لمتدخل تكلم باسم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، وآخر باسم الطلبة الأساتذة ، وثالث باسم المعطلين ثم أضيف لهم رابع باسم المكفوفين ، وخامس باسم صناع الأسنان، ومواطنة بسيطة وهي سيدة اصرت على أخذ الكلمة وتقديم التحية السيد بن كيران وجهوده ، ثم سابع ادعى بانه يملك دليلا على ان بن كيران اختلس مالا عاما فتحداه ان يقدم دليلا امام الحاضرين ، فما كان من المتدخل الا ان رجع الى قضية منحة “رضوان ” ابن السيد بن كيران ، ما لبث ان فندها السيد الأمين العام رييس الحكومة وبين تهافتها .
– وبالإضافة الى رفض السيد الأمين العام ايضا مغادرة القاعة حين أعلن منظمو النشاط عن إنهائه بعد تصاعد عملية التشويش ، اصر بن كيران عند نهاية اللقاء انه لن يغادر القاعة من داخل صفوف الحاضرين وليس من الباب الخلفي .
– وفي إشارة دالةً عمل الموقع الرسمي للحزب على نشر الوقائع الكاملة للندوة بكل تفاصيلها ووقائعها، ولم يمارس عليها اية رقابة ولم يحذف منها اية واقعة ، ودون شك فان ذلك لم يكن ممكنا دون اذن بل دون امر من بن كيران ، وهو منتهى الشفافية والديمقراطية مع ما تضمنته الندوة من تدخلات منتقدة للحكومة وما كشفته ايضا من مظاهر تسائل ثقافة الحوار والقدرة على تدبير الخلاف من خلاله واحترام الرأي الاخر وثقافة الاستماع !!
– يتضح من خلال وقائع اللقاء ان الامر لم يكن يتعلق فقط بالطلبة الأساتذة من اجل الانصاف بل بعدة فئات منها طلبة جامعيون كانوا يرفعون مطالب بفتح ” المطعم ” ، وممثلين عن جمعية المعطلين فضلا عن المكفوفين وصناع الأسنان …
– لم يمارس بن كيران – كعادته – خلال اللقاء لغة الخشب وخطاب التهرب من المسوولية ، ولم يتقدم بوعود كاذبة كي يخرج من “المأزق” لانه ببساطة لم يكن في مأزق وقاوم حتى جعل معارضيه في مأزق فكري وأخلاقي ، ودافع بشجاعة عن قرارات حكومية صعبة مثل الاقتطاع من اجور المضربين وانهاء التوظيف المباشر، ووعد بالنظر في قضايا طرحت بعد عودته للرباط ، وابرز ما تحقق على هذه الحكومة او على الأقل ما أسهمت فيه تحت قيادةً جلالة الملك وتبصره بعد خطاب 9 مارس التاريخي والتعديلات الدستورية وانتخابات نونبر 2011 ، وما نتج عنها من تراجع حدة الاحتجاجات وتدشين منطق جديد قطع مع الزبونية والمحسوبية ، واتخاذ إجراءات انقدت الاقتصاد المغربية والمالية العمومية من الافلاس، والالتفات الى الفئات الضعيفة من خلال عدد من البرامج والمبادرات ، وهي الاصلاحات التي نال بسببها المغرب تنويها من موسسات دولية واحترام عدد من الدول والمنظمات ، مشيرا الى صمود التجربة الحكومية في وجه عدد كبير من الاستهدافات التي لم تتوقف
– وفي الأخير ومن خلال جرأة ناذرة وشجاعة كبيرة استطاع بن كيران ان ينهي اللقاء على شرطه ، وبطريقة حوار الشجعان ، وبأسلوب رجل الدولة المسؤول الذي ظل يدافع عن قناعاته ومواقفه ، لا على شرط ومنطق ” كسر العظم ” او الرضوخ للغة الضجيج والتعنيف المعنوي ، على الرغم من استمرار التشويش ومحاولة الارباك التي لم تتوقف
وفي الخلاصة يتأكد من خلال هذه الواقعة – التي لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة – ما يلي :
– حرص رييس الحكومة على التواصل والحوار وانفتاحه على عدد كبير من الدعوات التي من موسسات تؤطر او تمثل النخبة المغربية واطره المستقبلية ، كما هو الشان بالنسبة لطلبة المدرسة العليا للتدبير بوجدة ونظيراتها في عدد من المدن
– ظهر اصطدام واضح بين عقليتين ومنهجيتبن : منهجية تواصلية تقوم على الاقناع والاستماع وتفسح المجال للمخالف لإبداء رأيه ، ومنهجية تسلطية استبدادية ، علما ان الاستبداد ليس من الضروري ان يكون نازلا من الاعلى الى الأسفل اذ ان هناك الاستبداد الصاعد ، وهو يعكس مشكلة ثقافية تتميز بضعف الاستعداد في الاستماع للطرف الاخر ، واعتماد الضجيج والصراخ بدل منطق الحوار والإقناع . ومن الواضح ان المحطة كانت في النهابة انتصارا للمنطق الثاني على المنطق الاول
– لم يتضرر بن كيران ولم يتضرر حزبه كما ربما كان يراهن او يتوهم البعض ، بل لقد تمكنا من ان يصيفا الى رصيدهما مزيدا من الاحترام والمصداقية ، ومزيدا من الاحترام لشجاعة السيد رييس الحكومة وصموده ، فهذه المواجهة ليست سوى واحدة من المواجهات التي يخوضها السيد رييس الحكومة من اجل الابحار بالتجربة الحكومية الى ساحة النجاة منذ 4 سنوات وزيادة كما عن ذلك خلال احدى لحظات تدخله !
– ان المتضرر الاكبر من هذه الواقعة هو الطلبة الأساتذة الذين دخلت على مطالبهم فئات اخرى منها طلبة قاعديون فيما يبدو، وأشخاص كانوا يرفعون شارات غريبة تذكر بشارات ” عبدة الشيطان ” ، والمتضرر منها هو صورة الطلبة على العموم وقدرتهم على تدبير الخلاف والدفاع عن قناعاتهم ، وما طرحته الوقائع المشار اليها تسائل درجة تشبعهم بالثقافة والسلوك الديمقراطي ، ومقدار تمنكهم من اليات التحاور والإقناع
وهنا وجب ان نختم بان الضحية في ذلكً كله كانوا هم طلبة المدرسة العليا للتدبير الذين وقع السطو على لقاء تم تنظيمه باسمهم ، مما يطرح سؤالا حول اخلاقيات النضال ! وما ادا كان من الممكن استغلال ندوة منطمة من طرف مدرسة عليا وتبرير او القبول بان تقرِصن من طرف فئات اخرى وتفرض ديكتاتورتها على مسار الندوة ،
فاذا استثنينا كلمة الترحيب والتقديم الذي تولت القاءها طالبة من طالبات المعهد باقتدار كبير ، فان صوتهم كان هو الغاىب الاكبر ، من خلال عملية بلطجة موصوفة !! كان الصوت المغيب في الطرف الاخر هو صوت المعرفة والحوار والتقاسم الفكري .
واذا كان بالإمكان ان نجد بعض العذر لطلبة المدرسة ، الاغلبية الصامتة خلال تلك الوقائع كلها ، فان المسوولية الاكبر تبقى على الطلبة الأساتذة الذين وجب ان يعبروا عن موقف وأصح من هذا السلوك البلطجي .. فانه – على فرض انهم متضررون من فصل التوظيف عن التكوين والواقع ليس كذلك – لا ينبغي ان يحسب عليهم ذلك ،
ينبغي ان يتبرأوا من تلك البلطجة الموصوفة ، انذاك فقط يمكن ان نطمئن على ان مدرستنا ستكون بخير وان ابناءنا سيكونون بخير وان مدرستنا لن لن تنتج ثقافة استبدادية صاعدة من الأسفل الى الأعلى.