محمد يتيم
أبى بان كي مون إلاأان يختم ولايته بموقف يكشف أنه كان عليه أن يغادر هذا المنصب قبل هذا الوقت بزمان كبير ..
كيف يعود بان كي مون الى حكاية “تقرير مصير الشعب الصحراوي ” مستخدما نفس اللغة والمصطلحات الجزائرية وتابعتها جبهة البوليساريو ؟
كيف ينقلب على الموقف الأممي الرسمي الذي ما فتئت تعبر عنه قرارات مجلس الأمن، أي الدعوة إلى حل سياسي متفاوض حوله بعد أن فشل مخطط الاستفتاء ووصل الى الباب المسدود بسبب مشكل تحديد الهوية ؟
ما الذي اخرس بن كيمون عن وضعية حقوق الانسان في تيندوف ؟ ما الذي أسكته عن قضية احصاء اللاجئين التي جاءت في عدد من تقارير مجلس الأمن ؟ ما الذي أسكته عن تصرف القيادات المتنفذة في البوليساريو في المساعدات وتحويلها عن وجهتها كي تتحول الى سلع تتم المتاجرة فيها وتغني أرصدة أولئك المتحكمين مما صدرت في حقه تقارير عن البرلمان الاوروبي ؟
كيف ننتظر من أمين عام راكم سلسلة من الهزائم المتلاحقة والإخفاقات في عدد من الملفات الدولية الساخنة أن ينجح في إيجاد حل لقضية الصحراء بناء على قرارات مجلس الأمن المتلاحقة والتى أكدت منذ زمان بعد أن فشلت مخططات من سبقه وخاصة بيكر ومنها مخطط الاستفتاء على الحل السياسي المتفاوض حوله ؟
لا غرابة ان ينتهي بان كي مون الى هذه المعزوفة وهو الذي يجر ذيول الخيبة في كافة الملفات الحارقة التي عاش لظاها العالم في السنوات الاخيرة !
ماذا قدم بان كي مون لشعب سوريا الجريح ولبلاده وفي عهده دمرت سوريا وهجر الملايين من ابنائها؟ ماذا فعل لشعب بورما الذي يقتل ويذبح ؟ ماذا فعل كي يحث مجلس الأمن على إحالة ملف جرائم والجرائم ضد الانسانية للنظام السوري على محكمة الجنايات الدولية ؟ ماذا فعل لكي يجعل العالم أكثر أمنا وهو أمين عام لمنظمة من بين أهم أجهزتها مجلس يسمى بمجلس الأمن ؟ والواقع أن العالم في عهد بان كيمون أصبح أقل استقرارا ؟
لا نريد أن نتابع سيلا من الأسئلة والاستفهامات حول عدد من الملفات التي تنتهك فيها حقوق الانسان وترتكب فيها مجازر ضد الانسان ويمارس فيها الاحتلال الحقيقي كل الانتهاكات في حق شعب اعزل مثلما هو الشأن بالنسبة للشعب الفلسطيني، وعشرات من الأسئلة تطرحها خرجة بان كي مون الأخيرة في آخر ولايته، خرجته عن الحياد المفروض في مسوول أممي النص وخرجته عن مواقف مجلس الأمن فيما يتعلق بالقضية،
لكني أريد التأكيد هنا على ثلاث قضايا تلتقي في مسألة واحدة هي أن قضية الوحدة الترابية والسيادة الوطنية سيظل حسمها داخليا:
القضية الاولى هي التي ما فتىء جلالة الملك يؤكدها وهي ان المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها.
والمغرب في صحرائه ليس كمحتل او غاز بل لأن هذا الجزء كان دوما جزءا لا يتجزا من التراب الوطني والسيادة الوطنية بمنطق التاريخ ومنطق التلاحم بين ساكنة أقاليم الشمال واقاليم الجنوب في العقيدة والولاء لسلطة الدولة المغربية من خلال رباط البيعة، ومن خلال النضال المشترك في مواجهة المستعمر، ومن خلال الأواصر الثقافية وعلاقات المصاهرة، ثم بمنطق ما استثمرت الدولة في تلك الأقاليم، وما أنفقت فيها من اموال باهضة. وتعتبر الأقاليم الجنوبية لجهة الصحراء نموذجا في تفعيل مقتضيات الجهوية الموسعة وهو ما يظهر بوضوح من خلال المخصصات المالية التي ستوجه للجهة في إطار تفعيل النموذج التنموي الجديد والتي تقدر ب 77 مليار درهم.
القضية الثانية وتتعلق بما إذا كان بان كي مون يريد ان ينهي ولايته بخلق شروط جديدة للتوتر من خلال الاصرار عل استمرار أزمة قد يكون إشعال التوتر فيها سببا لاستمرار انعدام الاستقرار في دول شمال افريقيا والساحل والصحراء التي تواجه موجة هوجاء من الإرهاب، مع ما لذلك من تداعيات على استقرار الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط وللعالم اجمع، وهو ما سبق لجلالة الملك ان طرحه في خطابه في الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أكتوبر 2015 حيث قال: إن منظمة الأمم المتحدة، التي تحتفل بذكراها السبعين، قد بلغت سن النضج والحكمة والمسؤولية، وأن عملها لا ينبغي أن يكون سببا في زعزعة استقرار الدول التي تساهم في العمل والتعاون متعدد الأطراف.” وحين اكد ان المغرب سيرفض أي مغامرة غير مسؤولة بخصوص الخلاف الإقليمي حول الصحراء المغربية، موضحا أن العديد من القوى الدولية تدرك تماما، بأن التصورات البعيدة عن الواقع التي تم إعدادها داخل المكاتب، والمقترحات المغلوطة، لا يمكن إلا أن تشكل خطرا على الأوضاع في المنطقة، فهل كان ذلك هو جواب بن كيمون على هذا التحذير، وهل هو اصرار على مواصلة إشعال التوتر وخلق مناطق فاشلة ودول فاشلة حيث ما ما وضع بن كيمون يده؟
المسالة الثالثة وتتعلق بالجبهة الداخلية، وفي هذه النقطة لا اريد ان أكرر جوابا مكرورا حول وحدة هذه الجبهة ، لان هذه ليست مطروحة للنقاش، ولا ينبغي أن تكون موضوع مزايدة أو تشكيك من هذه الجهة أو تلك في ” وطنية ” هذا الفريق او ذاك من المغاربة الا بعض الشواذ والشاذ لا حكم له .
اليوم قد مرت بضعة أسابيع على الحراك الشبابي ل 20 فبراير 2011 ، وعلى خطاب 9 مارس 2011 . والمغرب انما خرج اكثر قوة وتماسكا لانه راهن على التوجه نحو المستقبل ، اي نحو مواصلة البناء الديمقراطي بدستور متقدم وانتخابات قطعت مع الأساليب القديمة المتمثّلة في تدخل الدولة واجهزتها الإدارية تدخلا سافرا مباشرا بما يجعلها تتحكم في نتايجها او من خلال الحياد السلبي الذي يسكت عن الخروقات والاستعمال الحرام للمال او استخدام المال الحرام والمشبوه الأصل !
لقد راهن ايضا على سحب ورقة حقوق الانسان من الدعاية الانفصالية التي هي آخر من نصدق حين يتعلق الامر بحقوق الانسان، من خلال إعمال آليات المراقبة الحقوقية سواء من خلال لجان حقوق الانسان التابعة المجلس الوطني لحقوق الانسان في الأقاليم الجنوبية وهو مما نوهت به تقارير سنوية صادرة عن مجلس الأمن حول قضية الصحراء، ومن خلال تمكين بعد الجمعيات الحقوقية في المنطقة رغم خلفيتها السياسية وهويتها الانفصالية ؟؟ .
اصبح المغرب بفضل الله ثم بفضل إصراره على المضي قدما في مجال البناء الديمقراطي واحة للاستقرار والاستثمار والتنمية مؤهلا للالتحاق بركب الدول الصاعدة في الوقت الذي تتوجه فيه دول الجوار الاقليمي والبعيد الى آفاق مجهولة العواقب.
أصبح المغرب نموذجا ومضرب أمثال وأملا للمثقفين والسياسيين من العلمانيين والإسلاميين والقوميين والمستقلين عن اي توجه سياسي من هؤلاء . وأصبح بالنسبة للأوربيين ومسؤوليتهم ومثقفيهم دليلا حيّا عما يصطلحون على تسميته ب” الأمن الديمقراطي ” باعتبار ان الاستثمار في مجال دعم الديمقراطية وحقوق الانسان ودولة الحق والقانون هو استثمار في الأمن لا يقل استثمارا من الإنفاق على الجيوش والمخابرات واجهزة مراقبة الحدود انها عناصر القوة في الموقف المغربي : ولاء تاريخي للدولة المغربية، ارتباط عضوي بين الشمال والجنوب تاريخا ونسبا وثقافة ونضالا مشتركا ضد الاستعمار، إجماع وطني حول القضية، وتعزيز للديمقراطية ومشاركة السكان في تدبير شؤونهم من خلال الجهوية الموسعة وتخصيصا للاعتمادات اللازمة من اجل إطلاق النموذج الجديد في التنمية ، وانفتاح من حل سياسي متفاوض عليه قدم المغرب دليلا عمليا عنه من خلال مبادرة مشروع الحكم الذاتي .
هي اذن مقاربة التقدم في الاصلاحات وتعزيز مسار البناء الديمقراطي، كخطوة ملازمة في مسلسل مواجهة استهداف خصومنا لوحدتنا الترابية، فكل انتكاسة في مسار البناء الديمقراطي من شأنه أن يلقي ظلالا كبيرة من الشك حول جدية بلادنا في تفعيل الحكم الذاتي كحل ديمقراطي .
والذين يسعون على المستوى الداخلي بالرجوع الى الوراء في هذا المجال، ويريدون تقزيم القوانين الانتخابية على مقاساتهم ولو أدى ذلك للتراجع الى الوراء اي اعتماد قوانين تكون نتيجتها مزيدا من البلقنة للمؤسسات واضعاف دورها ومصداقيتها ، هؤلاء لن يكونوا مؤهلين لاستحضار ما يتهدد استكمال المغرب لوحدته الترابية !!
الذين يريدون للتحكم ان يرجع الى الساحة السياسية بكل مساوىه التي كانت السبب في خروج الشباب الى الشارع والمطالبة باسقاط الفساد والاستبداد يقامرون بكل هذا الرصيد من المصداقية، وكل هذه المكاسب التي تجعل المغاربة فخورين بانتمائهم الوطني وبتجربتهم التي هي موضع إعجاب وترقب في العالم العالمين العربي والإسلامي.
الجواب الوطني على بان كي مون فضلا عن وحدة الصف الداخلي مزيد من الاصلاحات ومزيد من التقدم في البناء الديمقراطي وتعزيز مصداقية المؤسسات.