هل معاقبة فريق الرجاء البيضاوي وجمهوره حل لمشكلة العنف والشغب ؟؟

محمد يتيم

من جديد يضرب شغب الملاعب بقوة في الدارالبيضاء عقب مقابلة الرجاء البيضاوي مع نادي شباب الحسيمة ..الامر لا يتعلق هذه المرة بمواجهة بين متعصبين من متفرجي ناديين متنافسين كما حدث بعد احداث مباراة الرجاء والجيش الملكي او الوداد وأولمبيك خريبك وهلم جرا. الامر هذه المرة يتعلق بين أنصار من نادٍ واحد هو نادي الرجاء البيضاوي مما يطرح ألف سؤال حول حيثيات وتفسير شغب الملاعب عامة والوقائع التي أعقبت المباراة المذكورة. 

في كل هذه الحالات كانت هناك خسائر في الممتلكات شملت قاطرات في المواجهات التى اندلعت بعد مباراة الجيش الملكي والرجاء للترامواي، وحافلات للنقل العمومي وسيارات خصوصية وتكسير واجهات محلات تجارية كما خلفت عدة إصابات واليوم أربعة قتلى. 

عقب الاحداث السابقة وقعت اعتقالات واسعة ومحاكمة حوالي مائتي شخص مشتبه في علاقتهم بما وصف بالخميس الأسود الدارالبيضاء،  ووجهت النيابة العامة للمعتقلين ومن ضمنهم 74 قاصرا تهما من بينها تكوين عصابة إجرامية والسرقة الموصوفة وتخريب ممتلكات الغير، والتحريض على الكراهية بترديد شعارات، والتفوه بكلمات مخلة بالآداب والأخلاق العامة، مما طرح تساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة والأطراف التي تتحمل مسؤوليتها.

اليوم من جديد ” سبت اسود ” خلف بالاضافة الى الأضرار في الممتلكات والتجهيزات أربعة قتلى وعشرات الجرحى، وأضرارا أكبر على صورة الرياضة المغربية، وصورة اعظم عن الجماهير الرياضية المغربية التي ترفع أعظم التيفوهات، مما جعل البعض يذهب الى ان الامر يقتضي وقفة اكبر من معاقبة فريق الرجاء البيضاوي بتغريمه وفرض لعبه دون جمهور .

ينبغي اولا عدم السقوط في التعميم وإطلاق الأحكام الجاهزة، ذلك ان الامر يتعلق بنوع من الجمهور وليس بكل الجمهور، فجمهور الرجاء البيضاوي اكبر بكثير من تلك الفئات التي كانت وراء احداث اليوم ونفس الشيء بالنسبة لجماهير فرق اخرى، ومن عدم الانصاف إلقاء اللوم على جماهير الرجاء البيضاوي او جماهير الوداد بإطلاق وهي التي تضم  مئات الآلاف من كل الفئات والأعمار من الرجال والنساء والفتيان والفتيات ممن يتابعون الرجاء في الملاعب بطريقة راتبة او من أولئك أصبحوا يتجنبون الملاعب تخوفا من مثل هذه الاحداث والانزلاقات !! 

ويتأسف الانسان ايضا ان ينسب الى جمهور الرجاء – كل جمهور الرجاء – ونفش الشيء بالنسبة لجمهور الوداد اعمال من هذا القبيل.

كيف يمكن للمرأ أن يصدق، أن هذا الجمهور الرائع في التيفوهات التي يرفعها  وفي طريقة تشجيعه، أنه نفس الجمهور المسؤول او الذي يتحمل مسؤولية اعمال عنف وشغب تسيء الى صورة فريقه المفضل والى صورة كرة القدم الوطنية وتمس بصورة الشعب المغربي وبطبيعته المتحضرة  ؟ 

ولذلك فان معاقبة فريق الرجاء البيضاوي ومعاقبة الاغلبية الساحقة من جماهيره بسبب أعمال طائشة لشردمة قليلة قد يكون أمرا ظالما وقد لا يكون هو الحل الأمثل، وربما قد تكون إجراء منفعلا لرفع العتب على الجامعة،

 كما ان المتابعات والمحاكمات – على الرغم من انه لا مفر منها – لا يبدو انها شكلت او ستشكل رادعا لهذه الظاهرة التي يتعين دراسة أسبابها او الشروط التي تودي الى تكرارها، علما أن شغب الملاعب ظاهرة عالمية تشهدها الدول المتقدمة او الدول التي هي في طور النمو، على اختلاف في الحجم والنتائج والاسباب .

وجب اولا ان نسائل التدابير المتخذة من قبل السلطات، وما السبب في تكرار تلك الانفلاتات، خاصة  ما قيل عن حظر ولوج اصحاب السوابق وعن الاشخاص المشتبه في احتمال الاستدراج الى العنف او التحريض او المبادرة إليه، وخاصة اصحاب السوابق وبعض المدمنين على تعاطي المخدرات !

وجب مساءلة التدابير المتخذة في حظر ولوج الأطفال القاصرين ايضا الى الملاعب، عن الاجراءات التي اتخذت في هذا الصدد بسبب هشاشتهم الجسدية وهشاشتهم النفسية الشيء الذي يجعلهم عرضة للمخاطر اوالانزلاق الى اعمال العنف والعنف المضاد . مما يطرح ضبط الولوج الى الملاعب وتنظيم الولوج والتموقع. 

وجب مساءلة الدور الذي تقوم به روابط المحبين والأنصار (الالتراس) في التوعية وفي التأطير، ونجاعة هذا التأطير، وعن سر هذا التنافس بين التراسين من نفس الفريق، وتفسير تحول التنافس الذي كان من المفروض ان يكون تنافسا تكامليا إيجابيا لمصلحة الفريق الى تنافس هدام لصورته و لصورة  كرة القدم الوطنية !!!

من دون شك فان معالجة اشكالية الشغب في الملاعب – إن كانت تمر ضرورة عبر المقاربة القانونية والمقاربة الأمنية – الا انها تطرح تساؤلات أخرى في العنف  ترتبط بمدى وجود مقاربة وقائية ترتبط بتنظيم الولوج الى الملاعب، وتحييد الأثار المدمر لأقلية هي التي تكون في العادة مسؤولة عن هذا الانزلاق، ومراجعة ادوار روابط الانصار ووضع إطار قانوني لها يحدد مسؤولياتها ويجعل منها اطارا للتربية والتكوين على السلوك الجماعي المتحضر ومن ثم اطارا وقائيا ضد الشغب والعنف في الملاعب 

وتبقى لوسائل الاعلام والرياضية مسؤولية التأطير والتوجيه وتنمية ثقافة التسامح الكروي والتنبيه الى مخاطر الشحن والتحريض واثارة مشاعر الكراهية والعصبية ضد جمهور الفريق المنافس، كما تعبر عن نفسها في صفحات التواصل الاجتماعي او كما ترفع احيانا من قبل طائفة من الجمهور، طائفة يبدو ان لها القابلية للاستدراك نحو العنف والشغب .

غير ان للشغب في الملاعب اصولا في البنية الاقتصادية والاجتماعية . الشغب والعنف في الملاعب ليس سوى مظهر من مظاهر ظاهرة العنف في المجتمع خارج الملاعب التي تعبر عن نفسها في الشوارع كما تعبر على ذلك حوادث الاعتداء على المواطنين من قبل بعض المنحرفين والجانحين ومتعاطي المخدرات سواء بقصد السرقة وإنتشال الهواتف النقالة والمحافظ المالية . 

العنف في المجتمع الذي قد يتخذ طابعا معنويا او لفظيا كما نجد بعض تعبيراته في الصحافة وفي الساحة السياسية وفي الساحة الجامعية على سبيل المثال .  

وفي كل هذه الأحوال فان العنف والشغب يعبر عن أزمات تطور ونمو في مجتمعنا، أزمات متراكمة عبر عقود  ليست وليدة اليوم، ولا هي ناتجةً عن سوء تدبير حكومي او جامعي او تسيير للفرق والالتراس، رغم انه من الممكن ان نجد لكل واحد من هؤلاء نصيبا من المسوولية  .

هو تعبير عن الاحباط والتهميش ، وضيق مساحات التعبير او عدم تملك الأدوات الحضارية لها، إما بسبب تدني المستوى الدراسي او الهدر والانقطاع الدراسي والمعاناة نتيجة ذلك من الاقصاء وصعوبات الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، او بسبب غياب فضاءات لممارسة الرياضية  او للنشاط والتعبير الثقافي في الأحياء ، مما ينتج عنه القابلية للانحراف والسقوط في احابيل المخدرات ، ونمو نزعات الهدم والتدمير 

وهكذا فبدل ان يتحول الحضور للميادين فضاء للتفتح والشعور بالانتماء والتوحد بأبطال او فريق بطل، حاز السبق والتفوق بناء على الاستحقاق وروح رياضية عالية تقبل الهزيمة كما تفرح بالانتصار، اي تقبل بقواعد اللعبة والعيش المشترك الذي هو اساس السلوك الديمقراطي يصبح الشغب والتدمير وتفريغ الإحباطات النفسية والاجتماعية من خلال سلوكات عدوانية لفظية او مادية ضد ” الخصم ” (لاحظ المذيعون يستخدمون لفظ الفريق الخصم بدل المنافس) الشغب في الملاعب وتفاقم خطورته يُسائل الدولة  والحكومة وماذا وفرته من بنيات تحتية وتأطير تعليمي وتربوي وثقافي، كما يُسائل المجتمع المدني  وروابط المحبين وهل ارتقوا بالثقافة الرياضية لأعضائهم، كما يُسائل الرياضيين الممارسين والمسيرين، والاعلام والمجتمع المدني والمدرسة، كل في حدود دوره ومسؤوليته، 

ولذلك فان معاقبة فريق الرجاء البيضاوي وجمهوره الواسع الذي تورطت قلة قليلة باسمه في الشغب والعنف لا يحل المشكلة شأنه شأن معاقبة أي فريق أو جمهور آخر. 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.