من يريد رأس الحكومة؟

محمد عصام

منذ اليوم الأول للإعلان عن تشكيل حكومة الاستاذ عبد الإله ابن كيران، لم تمهلها جهات معلنة وأخرى متخفية من وراء حجب، كي تلتقط أنفاسها وتظهر أسلوبها وتنزل مقارباتها للمواضيع المختلفة، حتى بدأ القصف والتصويب من كل صوب وفي كل اتجاه، واتضح منذ اليوم أن هذه التجربة لا يراد لها أن تستكمل حياتها الطبيعية ولا أن تنضج ثمارها، وأن رأسها مطلوب من جهات مختلفة، وتيقن لكل من ألقى السمع وهو شهيد، أن المؤامرات لن تتوقف وأن الاستهداف لن يلين، وأن رسائل يراد توجيهها من خلال كل هذا التحامل غير البريء مفادها أن القوس الذي افتتح بخطاب التاسع من مارس وما تلاه من استحقاقات على رأسها إقرار دستور متقدم وإنجاز انتخابات شفافة وديمقراطية لا مطعن فيها، وقيام حكومة منتخبة بإرادة شعبية لا غبار عليها، يجب أن يغلق، وأن لا شيء تغير في هذه البلاد، وأن ما تم انجازه ليس إلا انحاء مدروسا لعاصفة الشارع، سيعقبه حتما عودة حليمة لعاداتها القديمة.

لسنا هنا في معرض التذكير بكل الوقائع التي تؤشر على ما ذهبنا إليه في مقدمة هذا المقال، فهي كثيرة لا يمكن عدها ولا حصرها، والمواطن المغربي تفطن لها، وأدرك خبثها وانكشف له عوارها، وعبَّر بما لا مجال للشك فيه عن رأيه فيها، في نزال الرابع من شتنبر بتجديد الثقة تحديدا في حزب العدالة والتنمية باعتباره قائدا لهذه التجربة التي يراد استئصالها، لكن دعونا نستدعي فقط كيف حاول البعض نسف الحكومة من الداخل بالاستثمار في خلق الصراع بين مكوناتها، والدفع بأحد أطراف التحالف الحكومي الى مستوى القطيعة مع رئيسها، وربما إغرائه بأشياء الله أعلم بحجمها ومداها، وفعلا تم الانسحاب المطلوب ولم يتحقق الهدف المنشود بإقبار التجربة ومحو أثرها، واستمر العمل عبر تنزيل الاصلاحات المبشر بها في البرنامج الحكومي، واستيقظ الطرف المغرر به في هذا السيناريو كله، على طعم المرارة وهو يتجرع نتائج انتخابات الرابع من شتنبر وهو لا يكاد يسيغ لها طعما ولا ذوقا، فانكشفت اللعبة واتضح الخيط الأبيض من الأسود، فعلم الذي تولى كِبر تفجير الحكومة أنه كان مجرد أرنب سباق لأطراف متخفية من وراء ستار.

اليوم يتم إعادة انتاج نفس اللعبة ولكن بإيقاع أقوى وإصرار أكبر، خصوصا بعد الصدمة المهولة التي أوقعتها نازلة الرابع من شتنبر في نفوس البعض، فبعد واقعة المادة الثلاثين من قانون المالية وما أفرزتها من نقاشات، ها نحن اليوم نعيش لحظة توقعنا في المعنى الحقيقي لما يسمى “مكر التاريخ”، حيث يتكرر انتاج نفس الصورة النمطية التي يريد البعض رسمها عن مؤسسة الحكومة، وجني ثمارها “الحامضة” سياسيا، من خلال جواب  وزير الاقتصاد والمالية لرئيسي فريقي الاصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي، والذي جافى كل القواعد القانونية والأعراف المسطرية التي يجب أن ينضبط لها التعامل بين مؤسستين من حجم  الحكومة والبرلمان، وأيضا يخرق مبدأ التراتبية الضامن للانسجام داخل السلطة التنفيذية نفسها ويتنافى مع الانسجام المطلوب داخلها، وهو الأمر الذي تصدى له بالبيان بلاغ رئيس الحكومة الذي لم يتأخر، حتى لا يترك الفرصة للمتاجرين بسلامة المؤسسات في مزاد  “السياسوية الفارغة”، ولكي يرسل الرسائل التي تقتضيها اللحظة السياسية وتستدعيها الموجبات الدستورية التي كفلت لموقع رئيس الحكومة صلاحيات واضحة وسيَّجتها بضمانات دستورية صارمة، تستتبع مسؤولية واضحة المعالم في انتاج السياسات العمومية وبالتالي تحمُّل كلفتها وترتيب الأثار على ذلك.

إن الزج بهذه الورقة “المحروقة” اليوم بغض النظر عن الجهات التي وراءها، وحجم تواطؤ البعض في تمريرها، توجسا لمكسب موهوم تلوح به جهات هنا أو هناك، وتسعى جاهدة من خلاله في استجلاب دعم لبناء اصطفاف عليه، استعدادا لنزال السابع من اكتوبر وما سيليه من استحقاقات، لا يمكن أن يجعلنا ونحن والشعب المغربي على حد سواء،  نخطئ في قراءة متن الرسالة الحقيقي والذي يختفي وراء كل هذا الضجيج المفتعل، والذي مبتدأه وخبره تيئيس جزء من الشعب المغربي من جدوى الفعل السياسي، وتعميق حالة الانعزال واللامبالاة لديه، ودفعه دفعا نحو الاقتناع أن لا فائدة ترجى من الانتخابات ما دامت الحكومة لا تملك حلا للمعضلات التي يعرضها الواقع بلا توقف ولا حصر، وأيضا دفع جزء آخر من الشعب المغربي إلى التماس الحل لدى جهات خارج المؤسسات الرسمية، تمتلك الحل السحري لكل المعضلات، وتستحوذ على كل الحلول.

من جهة أخرى يراد ترسيخ صورة نمطية على رئيس الحكومة، كأنه يعادي بصفته الشخصية كل الطبقات المستضعفة، ويُكِّن لها غِلا مرضيا، بالمقابل يذعن بكل طواعية لجهات القهر الاقتصادي والسياسي ويلين لها بكل تخاذل وانكسار، وترويجُ مثل هذا الادعاء مفيد بحكم مردوديته الموهومة في نظرهم في حصائد صناديق الاقتراع، غير ان الوقائع أثبتت غير ما مرة أن الرهان على مثل هذا التبخيس والتدليس لم يكن مجديا في تلافي هزيمة الرابع من شتنبر، وأكيد انه لن يجدي في ما سيليه من منازلات، أولا لأن منتجيه ومروجيه والداعين به في الآفاق عديمو المصداقية، وهم آخر من يحق لهم التحدث باسم الشعب او الاحتماء الى ركنه، وثانيا لأن رئيس الحكومة اثبت بسلوكه قبل توليه هذه المسؤولية وبعدها، وكذلك حزبه الذي يرأسه، عن نظافة اليد، ونزاهة التدبير، وأن سياسته رغم أن بعض إجراءاتها قد تبدو صعبة، فهي من قبيل الدواء الذي وإن كان مُرٍّا فهو الشفاء الذي يجتث المرض من أصله وتتلوه بإذن الله صولات السلامة والعافية الدائمتين.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.