على هامش الاعتداء على شواذ بني ملال: الدعوة للتطبيع مع المثلية ومسؤولية الدولة في المحافظة على النظام العام للمجتمع !!
محمد يتيم
تكاثرت في الآونة الاخيرة بعض الاعتداءات من قبل مواطنين في حق مواطنين آخرين لصدور سلوكات منهم اعتبرها المواطنون الآخرون مخلة بالآداب والأخلاق العامة أو لها ضرر على الأمن الروحي والاجتماعي للمجتمع.
ندين بكل صرامة ووضوح كل اعتداء من قبل مواطنين عاديين على مواطنين آخرين أيا كانت تصرفاتهم مخلة بالحياء او بالنظام العام كما حدث في واقعة مشعوذة مدينة سلا، وكما حدث في واقعة شواذ بني ملال وقبل ذلك في الهجوم على مثلي مدينة فاس وفتيات سوق انزكان، والاعتداء في هذه الحالة قبل ان يكون اعتداء جسديا على المتلبسين بمخالفات اخلاقية او مخلة بالشعورالعام فهو اعتداء على الدولة وسلطتها وصلاحياتها وفتح للباب للفوضى ؟؟؟
الموقف الحكومي كما تم التعبير عنه في حينه كان واضحا وصارما حيث عبرت الحكومة في بلاغ رسمي انذاك على انها ستتابع كل من يثبت في حقه الاعتداء على مواطنين آخرين أيا كانت الدوافع والحجة،
ونحن ندين بدورنا هذا الاعتداءات ونعتبر ان السكوت عن تصرفات من هذا القبيل اعتداء على القانون وحلول محل الدولة ومعناه في نهاية المطاف التسيب والفوضى، فدولة المؤسسات ودولة الحق والقانون لا يمكن ان تتساهل مع تصرفات من هذا القبيل، خاصة حين تكون تصرفات فردية مستورة تُمارس في نطاق الحياة الشخصية للناس ، بل انها تعتبر انتهاكا لحرمة تلك الحياة، كما تدل على ذلك تعاليم نبوية من قبيل :” اذا ابتليتم فاستتروا”
إن المشكلة اذن في المجاهرة وفي استعداء الشعور واستفزازه بطريقة مبيتة ومقصودة كما تصر على ذلك بعض التحركات الاستفزازية المشبوهة وعلى غرار التحركات المشبوهة ل” كيف كيف ” و”مالي وكالين رمضان ” ومن يدعمها من حركات الشذوذ عبر الحدود.
إن اعتداء بعض المواطنين على مواطنين آخرين من منطلق أنهم قاموا بسلوكات منافية للعادات والاخلاق الحسنة أو مستفزة للاخلاق العامة، هو سلوك مرفوض، ولا حق لأي مواطن في أن يتصرف بوصفه وصيا على الأخلاق والنظام العام، وأن المخول في تطبيق القانون هو الدولة، وأن تطبيق القانون له آليات وله أجهزة قضائية وتنفيذية، وأن خلاف ذلك هو مَس بهيبة الدولة وسلطاتها، وفتح لباب لا يسد وتشريع للفوضى والفتنة، وان هذا السلوك هو الذي أدى الى حالات الفوضي التي تعيشها عدد من دول المنطقة،
الفقه الاسلامي والعلوم السياسية يلتقيان في حفظ هيبة الدولة واختصاصها الحصري في تطبيق القانون
ان ما نقوله بهذا الصدد امر مقرر في الفقه الاسلامي كما هو مقرر في علوم السياسة المعاصرة وتعريف مفهوم الدولة ودورها وصلاحياتها .
في الفقه الاسلامي هناك ما يسمى بالافتئات على السلطة اي قيام أفراد او مجموعات بمعاقبة آخرين يقومون بما يعتبر إخلالا بالاخلاق العامة او يقومون بجرائم أو مخالفات، وهو تصرف يعرض صاحبه لتعزير ولي الامر.
فقد ورد في لسان العرب تعريفه لغويا كما يلي :
افتات يفتات افتياتا: فهو افتعال من الفوت.
فعل الشيء بعد ائتمار من حقّه أن يؤتمر فيه.
– قال الدردير: الافتيات: التعدي، وافتات عليه في الأمر: حكم وكل من أحدث دونك شيئا: فقد فاتك به، وافتات عليك فيه، وفلان لا يفتات عليه: أي لا يعمل شيء دون أمره، ومنه جاءت الكلمة: إذا باشر ولي الدم قتل القاتل بنفسه من غير رفع للإمام فيؤدب لافتياته على الإمام.
(لسان العرب 5/ 3481، والتوقيف ص 79، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/ 228، ودليل السالك ص 39].
اما اصطلاحا فيقصد به قيام آحاد الناس بتنفيذ الحد وهو حسب الفقهاء مظنة لفتح باب عظيم من الشر والفساد وانتشار الفوضى، واتفق الفقهاء على تحريمه ذلك، حيث ان تنفيذ الحدود على الناس دون إذن الإمام مسلك الخوارج المخالفين للسنة.
ومن تجلياته كما يذكر الفقهاء الجهاد دون إذن الامام . وقد ورد في كلام عدد من أئمة وعلماء الامة من المتقدمين والمتأخرين إنكار للسطو على صلاحيات الدولة كلام مفصل في ذلك نذكر منه مثلا ما ورد عن الحسن البصري في حق الأئمة : “هم يلون من أمورنا خمسا : الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود. والله لا يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون
ويقول الزركشي : “لا يجوز الخروج إلى العدو إلا بإذن الأمير إذ أمر الحرب موكول إليه وهو أعلم بكثرة العدو وقلته ومكامنه فاتبع رأيه في ذلك، إلا أن يتعذر استئذانه كطلوع عدو غالب عليهم بغتة ويخافون شره إن استأذنوه – ص 48
وفي الفكر السياسي المعاصر يعبر عن هذا المعنى بِنا يسمى ب” احتكار الدولة ” لاستخدام العنف، حيث يصبح استخدامه مشروعا لقيامه بإحدى الوظائف الاساسية التي هي حفظ الأمن والنظام العام، وهو عنف قانوني يمارس في إطار القانون ويجزيه القانون ويستخدم لردع المخالفات والجرائم وحماية أمن المواطنين وحماية الوطن من العدوان الخارجي تفعله الدولة باسم المجتمع وبتفويض من المجتمع .
الهجوم على قيم المجتمع ونظامه العام لا يقل اجراما على الاعتداء على صلاحيات الدولة
على انه على هامش هذه الاحداث المدانة والمعزولة وجدنا ان هناك من يحاول استغلالها لاستهداف قيم المجتمع ونظامه العام تارة بدعوى الدفاع عن حقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا او بدعوى الحرية، والسعي للتطبيع مع عدد من الظواهر الشاذة بدعوى كسر التابوهات، دعوات توالت هذه الايام وتتوالى، يرفعها ما تبقى من اليسار في المغرب، في وقت تتحرك جهات أجنبية للضغط على المغرب عبر عمليات اثارة وافتعال اصطدام مع السلطات، ومن خلال اثارة الرأي العام وصدم مشاعره واستدراجه لردود افعال تجعل من الخارجين عن القانون والنظام العام ومن يستهدفون الأسس الاخلاقية والدينية للمجتمع في موقع الضحايا، تمهيدا لحملات إعلامية منسقة تنخرط فيها للأسف الشديد قنوات رسمية تمول من أموال دافعي الضرائب . وتشنع على الدولة تدخلها لتطبيق القانون وحماية النظام والأمن العام !!
قضايا مشبوهة في توقيت مريب !!
ولنتأمل في عدد من القضايا التي ترفع في الآونة الاخيرة وتدخل فيها على الخط جهات اجنبية مشبوهة، فهي قضايا يوجد فيها انقسام حاد حتى داخل المجتمعات الغربية العلمانية حيث ما تزال فيها رغم ذلك جهات بخلفية دينية مسيحية او علمانية لها غيرة على تماسك المجتمعي تقاوم المد الجارف للفكر الاباحي وتستحضر تهديده لمجتمعات كلها بان تمحى من خارطة الانسانية !!
– رفع التجريم عن الشذوذ الجنسي وإلغاؤه من القانون الجنائي باعتباره ممارسته حرية شخصية وباعتبار تجريمه مسا بحق من حقوق الانسان اي حقه في التصرف في جسده والتعبير عن ميوله الجنسية
– اباحة زراعة الكيف والاتجار فيه واباحة استهلاكه انطلاقا من مقاربة حقوقية وهي دعوة مريبة مآلها التمكين لمافيات الاتجار المحلي والدولي في المخدرات ومشكوك في ادعاءاتها انها باب لتنمية المناطق المعنية وإخراج لها من التهميش والفقر .
-اباحة الإجهاض مطلقا دون قيد او شرط باعتباره مظهرا من مظاهر حرية التصرف في الجسد والحريّة في الحمل او في التخلص منه، ونحن نرى اي اثار كانت لهذه الدعوات على مستوى الاسرة والنظام الاجتماعي وشيخوخة السكان في الدول التي تبنتها والتي تجد نفسها وستجد نفسها في مواجهة عقوبة الفطرة وعقوبات ” طبائع العمران ”
-الدعوة للمساواة في الارث والغاء الأحكام الشرعية القطعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية باعتبارها مظهرا من مظاهر التمييز وعدم المساواة بين الرجال والنساء وتتعارض مع الاتفاقيات الدولية في هذا المجال، وهو أمر خطير لانه لا يستهدف المغاربة المسلمين بل المغاربة اليهود وأحكامهم الشخصية ويتجاهل ان ما عليه نظام الارث في الدول الغربية الحداثية ابشع في التمييز لان نظام الارث مرتبط بمزاج الهالك ووصيته وقد حدثني احد المسؤولين في محافظة من المحافظات العقارية كيف وجدوا أنفسهم في مواجهة مشكلة قانونية في مواجهة توصية احد الأجانب الذين كانوا مقيمين بالمغرب في تنفيذ وصيته القاضية ب” توريث كلبه ” !!
وهو امر يستهدف النظام الدستوري المغربي وقواعد انتقال الملك كما نص عليها الدستور اي في أبناء الملك الذكور، مما قد يعتبر بمنظور الشرعة الدولية تمييزا، وبما يعتبر بمنظورنا الدستوري تعبيرا عن منظومتنا الثقافية والحضارية وخصوصيتنا كما توجد لدى كل دولة خصوصية ثقافية وحضارية تظهر واضحة في دساتيرها
– استهداف التعليم الديني ايضا وإذاعة محمد السادس واتهامها بنشر التطرّف، ولا حاجة للتعليق اذا أصبحت مؤسسة من المؤسسات التي تعمل في نطاق حقل إمارة المؤمنين ” داعشية ” متطرفة !!
هذه الدعوات اذن دعوات مغرضة ان لم نقل انها دعوات مشبوهة ، دعوات للاعتداء على النظام العام والنظام الاخلاقي للمجتمع وتغييره ومراجعة مقتضيات القانون الجنائي بدعوى الحرية وحقوق الانسان فإذا كان هناك شيء اسمه الحريات الفردية التي تعني ان الانسان حر في ممارسه قناعاته الفردية بل ممارسة انحرافاته الفردية في السلوكية، فان المجاهرة بها واستفزاز مشاعر المجتمع بها هو سلوك ينبغي أن يطاله القانون بالعقوبة،
هولاء يدلسون فيخلطون بين ممارسة الحرية الفردية التي ينبغي أن تبقى مكفولة في العقيدة والممارسة الدينية والفنية والثقافية، وبين الاعتداء على النظام العام والذوق العام والمجال العام وعلى حريات وحقوق الآخرين في أن تحترم مشاعرهم وعقيدتهم ومقدساتهم، وواجب الدولة في حماية تلك الحريات وصيانتها من الاعتداء، وهو أمر تقر به المواثيق الدولية ومعمول به في الديمقراطيات المتقدمة شرط أن يتم ذلك في نطاق القانون ومن خلال سلطته، وأن تتولى ذلك الأجهزة المخولة قانونا لا أن يكون ذلك مرتبطا بالمبادرات والأمزجة الفردية، لأننا في هذه الحالة نكون أمام صورة أخرى من الاعتداء على القانون.
و هذه الدعوات المشبوهة والمضللة ليست جديدة كما أنها لم تتوقف ولن تتوقف، وهي جزء من التدافع الحضاري بين منظومات ثقافية وحضارية حيث ان الاسلام تعرض عبر تاريخه لحملات تشكيك وتشويه، وبقي الاسلام وارتدت حملات التشكيك والاستهداف وصمدت أمام عظمة الاسلام وتجذره في وجدان الأمة.
وروج المستشرقون وتلاميذهم وألقوا من شبههم وافتراءاتهم – ما لو كان أمر الدين في هذه الأمة أمرا سطحيا والإيمان به في النفوس مهتزا، ما من شأنه أن يمحوه من واقع المجتمعات الاسلامية المعاصرة، لكنه نور الله وانى للمستشرقين وتلاميذتهم وبقايا الماركسيين الذين يعتبرون الدين أفيونا للشعوب أن يطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره !!
بقاء هذا الدين وصموده لم يكن ناتجا في المقام الأول عن سلطة تحميه، أو دولة تفرضه على الناس وتكرهه عليهم بل كان مبنيا على إيمان الناس الذي لا يمكن ان يقوم على الإكراه !!
وينبني على ذلك أنه لا مجال لإكراه الناس على عقيدة أو على سلوك أو منعهم من اعتقاد أو سلوك لم يقتنعوا به، فلا معنى للإيمان الا وهو مقترن بحرية الاختيار،
مسؤولية الدولة في حماية النظام لا تقل عن مسؤوليتها في حماية هيبتها
لكن في نفس الوقت كما أن من مسؤولية الدولة مواجهة أي سلوك للاعتداء على المواطنين من قبل مواطنين آخرين، مما يعتبر مسا بهيبة الدولة وسلطتها ومسؤوليتها الحصرية في تنفيذ القانون، فإنه من مسؤوليتها التصدي لمن يسعى للمس بمقومات هويتها ونظامها الدستوري ونظامها العام
ولمن يتعامون أو يحبون ان يقرؤوا مقتضيات الدستور قراءة تناسب أهواءهم نذكرهم بعدة مقتضيات لها صلة بموضوع النقاش وبالأساس التي تكون مفهوم النظام العام في دولة ومجتمع مثل المغرب حيث ورد في ديباجة الدستور :
” جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة.
وبمقتضيات الفصل الاول منه الذي ورد فيه :
” تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي.
وبمقتضيات الفصل 19 من الدستور الذي ورد فيه ما يلي :
” يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية،الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها ”
ه وبمقتضيات الفصل 175 الذي يقول :
” لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، وبالنظام الملكي للدولة، وباختيارها الديمقراطي، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور”
و بمقتضيات الفصل 32 الذي ورد فيه : “الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع.”
تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها.
تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية”
والفصل 43 الذي ورد فيه :” إن عرش المغرب وحقوقه الدستورية تنتقل بالوراثة إلى الولد الذكر الأكبر سنا من ذرية جلالة الملك محمد السادس، ثم إلى ابنه الأكبر سنا وهكذا ما تعاقبوا، ما عدا إذا عين الملك قيد حياته خلفا له ولدا آخر من أبنائه غير الولد الأكبر سنا، فإن لم يكن ولد ذكر من ذرية الملك،فالمُلك ينتقل إلى أقرب أقربائه من جهة الذكور، ثم إلى ابنه طبق الترتيب والشروط السابقة الذكر.”
ولذلك فان الدعوات الداعية الى رفع التجريم عن المثلية الجنسية او إلغاء ومراجعة أحكام الإرث بما فيها من مساس من نظام الاسرة وتحكيم المرجعيات الكونية بإطلاق، مما لا يوجد في أي مكان في العالم، اذ تحتفظ كل دول العالم بحقها في التحفظ على ما لا تراه متوافقا مع ثقافتها ونظامها العام، هي دعوات تمس في العمق استقرارالدولة واستقرارالمجتمع !!! لذلك ينبغي التصدي لبعض الدعاوى ” الحقوقية ” التي تُمارس الكذب والدجل والتغليط الايديولوجي باسم حقوق الانسان .. مفهوم متطرف لحقوق الانسان ..حقوق الانسان في مواجهة حقوق الناس ، حقوق الانسان في مواجهة حقوق الدولة وحقوق المجتمع !!!