كلمة الموقع
منذ الأحداث الإرهابية ل 16 ماي 2003 عرف المغرب مسارا تراجعيا ونمت توجهات استئصالية وتحكمية، وتراجعات حقوقية تم توصيفها في أطروحة المؤتمر الوطني الخامس ب” السيناريو التراجعي ” من خلال تأسيس حزب تحكمي وبلغ ذروته في الانتخابات الجماعية لسنة 2009 حيث كانت يد التحكم واضحة في تخريب التحالفات !!
في مواجهة ذلك الوضع خلص المؤتمر الوطني السادس إلى تبني أطروحة “النضال الديمقراطي” عندما أجاب على سؤال مركزي يتعلق بالمدخل إلى الإصلاح: هل هو مدخل هوياتي ؟ هل هو مدخل تنموي ؟ هل هو مقاومة الفساد ؟ أم مدخل سياسي ؟
خلص الحزب من خلال حوار داخلي إلى أن مدخل الإصلاح السياسي – من خلال تعزيز الديمقراطية ومواجهة التحكم والاستبداد، وإصلاح المؤسسات وتعزيز مصداقيتها من خلال انتخابات حرة ونزيهة ومن خلال إصلاح وتطوير القوانين أي إصلاح النظام الانتخابي، بما يؤدي إلى جعلها انتخابات تعكس إرادة المواطنين – هو المدخل الأساس للإصلاح: حيث إنه لا تنمية، ولا هوية ولا مقاومة للفساد إلا من خلال الديمقراطية أي من خلال تعزيز مشاركة المواطنين ومواصلة بناء دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون، ودون مناهضة للتحكم والاستبداد، حيث إن الاستبداد والتحكم هو أصل كل شر وفساد، وهو ما تم التعبير عنه في أطروحة المؤتمر الوطني السادس التي رفعت عنوان :النضال الديمقراطي الذي ظل عنوانا لمرحلة استمرت لغاية انتخابات نونبر2011 خاض فيها الحزب معارك قوية ضد التحكم ومواجهته وهو في قمة عنفوانه !!
وعلى بعد شهور فقط من انتقال الحزب من المعارضة إلى التدبير وقيادة الحكومة كان على موعد مع مؤتمره السابع . جاء ذلك مباشرة بعد أن احتل المرتبة الاولى في الانتخابات التشريعية لشهر نونبر 2011. مما جعله يتحول إلى موقع المسؤولية في البناء الديمقراطي وتنزيل مقتضيات وأحكام الدستور الجديد، مع شركائه في التحالف الحكومي بل من منطق الشراكة الوطنية وتأمين الحد الأدنى من التوافقات التي تمكن من مواصلة البناء الديمقراطي، لذلك تبنى المؤتمر الوطني عنوانا للمرحلة هو ”الشراكة من أجل البناء الديمقراطي”(شراكة فعالة في البناء الديمقراطي من أجل الكرامة والعدالة والتنمية الاجتماعية، منطق الشراكة أو التعاون كما عبرت عن ذلك أطروحة المؤتمر السابع خط منهجي سياسي يحكم تصوره لعملية الإصلاح وعلاقته مع كل المكونات السياسية والمجتمعية: شراكة وتعاون مع المؤسسة الملكية، شراكة مع المكونات السياسية سواء داخل الأغلبية الحكومية أو مع أحزاب المعارضة، شراكة وتعاون مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين ، ثم شراكة مع المجتمع المدني استحضارا لبعد الديمقراطية التشاركية باعتبارها تتكامل مع الديمقراطية التمثيلية، وليست بديلا عنها أي أن الشراكة والتشاركية وفضيلتها لا ينبغي أن تكون بديلا عن المسؤولية السياسية على السياسات العمومية وتعطيل الاصلاحات، وهي مسؤولية تتحملها الحكومة وأغلبيتها .
ومجال هذه الشراكة والتشاركية هو بالأساس تدبير التحولات الكبرى وخاصة ما يتعلق بالقوانين وقواعد العملية الانتخابية .
إن هذا التأسيس ضروري وأساسي لمواكبة وفهم النقاش الدائر حول المشاورات السياسية الخاصة بالتحضير القانوني للانتخابات التشريعية القادمة والنقاش الدائر حولها خاصة ما يتعلق بالعتبة.
موقف حزب العدالة والتنمية سواء عندما كان في المعارضة أم في الأغلبية كان دوما هو الدعوة إلى إصلاحات قانونية وإجراءات تدبيريةً تنطلق من هاجسين أساسين :
–الهاجس الأول : إفراز خريطة سياسية معقلنة تقطع مع البلقنة وتفرز مؤسسات منتخبة ذات مصداقية ومستقرة من خلال أغلبيات قوية ومنسجمة ومعارضة قوية وفعالة مما يمكن من الانتقال إلى تداول بين برامج وأحزاب، وهو الذي جعل الحزب يدعو في مذكراته الى رفع العتبة الى 8%
– الهاجس الثاني : قطع الطريق على الممارسات المفسدة للعمليات الانتخابية والحد من تأثير الرشاوى الانتخابية من خلال الدفاع عن اعتماد التصويت بنمط الاقتراع باللائحة مع اعتماد أكبر المعدلات، وهو التوجه الذي عبرت عنه الأمانة العامة في بلاغها الصادر عن اجتماعها ليوم 27 فبراير 2016 حيث أكدت أن التوجه العام للحزب فيما يتعلق بالإطار القانوني المنظم للانتخابات ينبغي أن يكون هو التعزيز المتواصل للطابع الديمقراطي للانتخابات التشريعية وعقلنة المشهد السياسي والقطيعة مع البلقنة التي قد تكون أداة للتحكم وإضعاف فعالية العمل الحكومي .
وكانت الامانةً العامة قد فوضت الأمين العام والأستاذ مصطفى الرميد بالعمل على تنزيل هذا التوجه في العلاقة مع مكونات الأغلبية وفي عمليات التشاور مع كل الأطراف الاخرى .
وحيث إن البناء الديمقراطي عملية مركبة ومعقدة، وأنه حين يتعلق بالقواعد الضابطة لتدبير قواعد التنافس الانتخابي فإن الأمر يحتاج إلى إرادة جماعية بما فيها إرادة الأحزاب السياسية التي يتعين ان تستحضر
المصلحة الوطنية العليا ولو كان ذلك على حساب مصلحتها الضيقة.
وحيث ان مقتضى الشراكة الذي يعتبره الحزب أساسيا في تدبير أي إصلاح خاصة في وضع مرحلة انتقال ديمقراطي لم تستقر قواعده بصفة نهائية بل لم تستقر ثقافته أيضا، فإن حزب العدالة والتنمية سيظل حريصا على خط النضال من أجل استكمال البناء الديمقراطي من خلال مواجهة التحكم والتصدي له وكشف مناوراته وإسقاط أوهامه وترهيبه، ملتزما بمواصلة إصلاح الأنظمة الانتخابية والرقي بها حتى تحقيق الانتقال الديمقراطي والتطبيع الكامل مع
المنهجية الديمقراطية، وهو يأمل أن يتحول ذلك الى ثابت وقاسم مشترك بين كافة الأحزاب السياسية ، بعض النظر عن الموقع وحسابات الربح والخسارة .
وبالنظر الى السياق العام الذي تعرفه المنطقة باعتبارها مناخا تراجعيا، وأن هناك من يسعى الى إغلاق قوس الإصلاح الذي فتح خلال الربيع الديمقراطي المغربي الذي أخذ نفسا جديدا منذ خطاب 9 مارس 2011، ووجود أطراف تسعى إلى التجييش ضد العدالة والتنمية وعزله والتخويف منه واستخدام أساطير مختلفة في ذلك من قبيل رغبته في الهيمنة والاستحواذ، وهي ليست إلا تضليلا وافتراء ما فتئ الحزب يواجههما منذ تحمله لمسؤولية التدبير،
فضلا عن عشرات الضربات التي توالت في الآونة الأخيرة وستتوالى وستستعر كلما اقترب موعد الاستحقاقات التشريعية !!مما يقتضي تعزيز منطق الشراكة والتعاون مع كل القوى السياسية والاجتماعية الديمقراطية لإنجاز مهام الإصلاح والتصدي لتحدياته وعزل التحكم ورموزه، وفضح مناوراته .
بالنظر لذلك كله فقد أخذ الحزب بعين الاعتبار أن قضية التدبير الانتخابي -خاصة حين يتعلق الأمر بحزب هو في ضفة تدبير الشأن العام ويقود أغلبية حكومية، فانه إن كان من اللازم أن يواصل سعيه وإصراه على إصلاح النظام الانتخابي وعقلنته مما يقتضى مواصلة النضال في هذا الاتجاه باعتباره وجها من أوجه البناء الديمقراطي، فإنه في نفس الوقت وجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن تدبير الانتقال إلى وضع التطبيع الديمقراطي تطبيعا نهائيا ينبغي أن يكون تدبيرا يقوم على التشاور والشراكة مع مكونات الأغلبية بل مع باقي الأطراف الأخرى ما كان ذلك ممكنا .
وهو المنطق الذي قررته أطروحة المؤتمر الوطني السابع: شراكة فعالة من أجل النضال الديمقراطي. وهو منطق يمليه أيضا إيمان الحزب أن تموقعه في الخريطة الانتخابية وتعزيز مكانته فيها، ينبغي أن ينبي على كسبه أي على
نضاله الميداني، وقربه من المواطنين، وعلى انضباط مناضليه ورصيد المصداقية التي له في قلوب المواطنين وليس على “صدقات ” النظام الانتخابي