[ After Header ] [ Desktop ]

[ After Header ] [ Desktop ]

[ after header ] [ Mobile ]

[ after header ] [ Mobile ]

الرابحون والخاسرون في معركة الأساتذة المتدربين؟

محمد عصام

بعد توصل الحكومة والتنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين بمساهمة المبادرة المدنية لحل ملف أساتذة الغد والنقابات الى اتفاق، سيتم من خلاله طي صفحة احتقان دام أزيد من خمسة أشهر، وكلّف الجميع فاتورة ثقيلة من الأعباء والكلفة الشاقة، فإنه من واجب الواجبات أن نهنئ أنفسنا جميعا حكومة، وأساتذة متدربين، وهيئات داعمة ووسيطة، وعموم الشعب المغربي بهذا الانجاز الذي يؤكد مرة أخرى إمكان التعايش تحت سقف المواطنة الحريصة على المصلحة العامة، والمنصتة بروح التوافق، والمنحازة دوما وبالإصرار الأكيد على  التجميع والتطاوع، بما يعني تفويت الفرصة على المقامرين المتاجرين بالمآسي والملفات الحارقة من أجل الحسابات الضيقة، والطافحة بالأنانية الفجة.

لقد ربح الأساتذة المتدربون معركتهم في تأمين التوظيف دفعة واحدة لكل أعضاء الفوج في يناير المقبل برسم قانون مالية 2017، بينما ضمنت الحكومة استمرار مفعول المرسومين موضوع الاحتجاج، وبالتالي نجحت في إنفاذ سياستها العمومية وأحد محاور رؤيتها لإصلاح التعليم والمدرسة العمومية، عبر فصل التكوين عن التوظيف، وربح الوطن جولة أخرى من جولات إثبات الخصوصية في تدبير الاختلاف والانتصار للغة العقل وبذل الوسع في نسج التوافق وبناء آليات الاستيعاب وتحصين المكتسبات، فمهما كانت عدالة المطالب التي ترفعها جهة ما مشروعة، فإن تحقيقها والسعي الى انتزاعها لا يمكن أن يكون على حساب المكاسب الجامعة للوحدة الوطنية ونفاذ القانون وتوازن المجتمع واستدامة السلم فيه.

لكن الخاسر الأكبر في كل هذه الحكاية هم أولئك الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الاحتجاج، وصوروا أنفسهم ماسكين بزمام الشارع يتحكمون فيه ذات اليمين وذات الشمال، لهم النهي والأمر واليهم ترجع الأمور، أولئك الذين لم يكن يعنيهم في شيء أن يصل الفرقاء المعنيون بهذا الملف إلى بر الاتفاق، بل كان همهم الأوحد استدامة الاحتقان الى ما لا نهاية، تارة لإضعاف خصم سياسي وإنهاكه قبل الموعد الانتخابي المرتقب شهر اكتوبر، وتارة طمعا في قبس يشعل حرائق تنضج عليها “قومة ” موهومة تصاغ في الأحلام والرؤى وتدغدغ أماني الأتباع وتشبع جموحهم ليوم لم ولن يأتي، وتارة تحقيقا لمشاريع “عرقلة ما يمكن عرقلته في أفق العرقلة الشاملة” وهلم أحلاما وعرقلة.

أخطأ الأساتذة المتدربون مرتين حين رفعوا سقفا عاليا لنضالهم، هم أول من عليه أن يدرك عدم تناسبه مع قدرتهم كفوج يريد تأمين التوظيف لكل عناصره، وبالتالي أشرعوا الأبواب بوعي أو بدونه لممتهني الركوب السياسي، بل قدموا له عناصر للحياة والانتشار وإنعاش أطروحات سياسية أثبت الواقع الجاري كُساحها وانتماءها بالأصالة وليس بالتبع لليوتوبا ولأحلام اليقظة، حين لم يفصلوا بين مطلب التوظيف وإسقاط المرسومين، فلئن كان الأول يتيح إمكان النقاش وإنتاج بدائل توافقية، فإن الثاني يتخطى سقف الاحتجاج المتاح والمنتج، لكونه يعني سياسة عمومية موكولة لسلطة الحكومة المتبوعة بالرقابة البرلمانية والحساب الشعبي. كما أن قبولهم التوظيف دفعة واحدة في يناير برسم السنة المالية المقبلة، بعد أن رفضوا عرضا للحكومة بالتوظيف على دفعتين ابتداء من هذه السنة المالية، لا يمكن أن يفهم إلا في سياق بحث بعض القيادات لتأمين التوظيف لأنفسهم واتخاذ الباقين أدرعا من أجل ما يتوجسون من أوهام الانتقام منهم.

أما الحكومة فإن تقديرها لم يكن ملائما مرتين، أولا حين لم تبادر لطرح مقترحها إلا بعد مرور كثير من الوقت مما أتاح الفرصة للوالغين في جراح هذا الوطن لكي يحصنوا مواقعهم داخل هذا الحراك، ويندسوا في صفوفه رافعين شعارات أكبر من طاقة أهل الحراك وتتخطى عتبة مطالبهم، وثانيا حين تجاوزت مقاربتها الأمنية أحيانا بعض الضوابط القانونية والحقوقية مما أربك أو أخر التسويات الممكنة وعقَّد عملية التحاور وكاد يعصف بها، وساهم ذلك في خلق جبهة تعاطف كبيرة مع المحتجين بغض النظر عن مضمون المطالب ولا حقيقة الجهات التي تستثمر فيه من وراء حجاب.

اليوم مهما كان فالانتصار مستحق للجميع، والخيبة كل الخيبة لمن بنى الأوهام على هذا الحراك واستحل مشروعية المطالب ليصنع لنفسه بطولة بلا مجد، ولكن في خضم كل هذا وجب التنبيه الى فئة ثالثة ظلت صامتة طيلة حراك هذا الملف، ويتعلق الأمر بأولئك الذين صمدوا أمام “ديكتاتورية النضال” ورابطوا في أقسامهم رغم المعاناة الشديدة التي تكبدوها من طرف زملائهم، فهؤلاء حق لهم على الحكومة أن تنصفهم خارج الاتفاقات المبرمة، وأن تحيط حالتهم الخاصة بكل التدابير الاستثنائية الكفيلة بإنصافهم، فدولة الحق والقانون تبنى أساسا على الإنصاف ولا شيء غير الإنصاف !

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.