سيدي بوغالب دون قلالش: انتهى زمن المنازعة ..انتهى زمن القلالش !!!

محمد يتيم

السير قدما في مسار التطبيع الديمقراطي لم يعد قضية تكتيكية او خيارا نتعامل معه بمقدار، أو يخضع فقط للمزاج السياسي الاقليمي والدولي، بل إنه خيار دستوري واع آمن به المغاربة،  ويتطلعون أن يكون اختيارا لا رجعة فيه، اختيارا لا يطبعه التردد أو المراوحة في نفس المكان، أو أن نتقدم فيه خطوة إلى الأمام ونكوصا خطوتين إلى الوراء.

لقد كان الخيار الديمقراطي هو الجواب المغربي على الأسئلة التي طرحها الربيع الديمقراطي، كما كانت مواصلة هذا الخيار هو جوابه على الأسئلة التي طرحها الخريف العربي!!

كان هو خياره في الجواب على الأسئلة التي طرحها الحراك الشبابي والمجتمعي تفاعلا مع رياح الربيع العربي التي هبت على المنطقة حيث إنه لم تمر سوى ثلاثة أسابيع على انطلاق حركة 20 فبراير حتى جاء التجاوب الملكي مع مطالب الشارع من خلال خطاب 9 مارس 2011 الذي أعلن خارطة طريق تمثلت في صياغة دستور جديد بمقتضيات متقدمة وسعت مجال دمقرطة الدولة والمجتمع ، وتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها بوأت حزبنا الصدارة في المشهد السياسي، عين على إثرها جلالة الملك – تجسيدا لقراءة ديمقراطية للدستور – السيد عبد الإله بن كيران الامين العام لحزب العدالة والتنمية رئيسا للحكومة لتتشكل حكومته  الأولى، وهو ما فتح دينامية اصلاحية جديدة بدا معها الدفء يعود الى السياسة وهيأت  بلادنا للدخول في دورة إصلاحية جديدة مكنت من تعزيز استقراره السياسي وتأهيله للمضي قدما في اوراش التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبوأتها مكانة بارزة في المنطقة، في وقت عصفت الأزمات والانتكاسات بعدد من دول ومجتمعات المنطقة، وطوحت بها الى أتون النزاعات والحروب الأهلية، واهلتها كي تكون موضوع لتجريب نظرية “الفوضى الخلاقة “.

السير قدما في البناء الديمقراطي والإصلاح السياسي ينبغي ان يظل  خيارا استراتيجيا واعيا في بلد مثل المغرب لا يمتلك ثروات بترولية ولا ثروات نفطية ولا اموال سيادية فلكية، بل يمتلك قوة لحمته الوطنية وثروته البشرية ، وثقة أبنائه في أنفسهم وبلدهم ومستقبلهم. فالخيار الديمقراطي، بما هو مشروع للإصلاح والامل في مستقبل أفضل قائم على احترام الكرامة الانسانية وتكافؤ الفرص وضمان الحقوق وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، هو الخيار السالك، ودونه من الخيارات الاستئصالية أو النكوصية، السائر على دربها هالك، حيث إنه لا تنمية حقيقية ومستدامة الا بتنمية سياسية ومشاركة شعبية  .

لا تنمية اقتصادية مع الاستبداد ولا نجاعة اقتصادية مع التحكم، وكل التجارب التي بنيت على ادعاء إمكانية تنمية فوقية نازلة، او مبادرات ممركزة تتثبت انها فاشلة، ومؤهلة كي تنخرها البيروقراطية الادارية والفساد الملازم لها في غياب المراقبة والمشاركة الشعبية التي تُمارس عبر اليات الديمقراطية التمثيلية او الديمقراطية التشاركية .

وما لم يتحول الخيار الديمقراطي الى خيار استراتيجي مبني على القناعات والمعطيات السالفة ، فان اي تقدم ديمقراطي سرعان ما سيفسح المجال لعكسه ولا مكان للالتفاف عليه والانقلاب عليه وإفراغه من محتواه .

 وأي مسار مثل هذا طريق مسدود منتج للتوترات والانسدادات وموفر لشروط الانفجار وعدم الاستقرار ، تلك سنة جارية جربتها مجتمعات سبقتنا ، ومهما وقع الاتفاف والترقيع ، فانه لا مناص من ان ينتصر خيار سيادة الشعوب !!

التقدم في البناء الديمقراطي  هو ايضا ضرورة استراتيجية في تعزيز السيادة الوطنية ومواجهة التحديات التي تواجه الوحدة الترابية والوطنية. فالخيار الديمقراطي والوفاء بمقتضياته يعطي معنى للوطنية والمواطنة اي للافتخار بالوطن ويعزز شعور الانتماء اليه ، ويقود في النهاية  حتى الانفصاليين المشككين الى الإيمان بان العيش في رحاب وطن ديمقراطي أفضل من العيش في وهم الانفصال والتبعية لحكام الجزائر، وفاقد الشيء لا يعطيه ، ومن لم يسمح بتقرير مصير شعبه أنى له ان يدعى مساندة شعب اخر في ذلك !!

هو بهذا المعنى القوة الضاربة والصخرة التي تصطدم عليها كل المؤامرات التي تستهدف الوحدة الوطنية والسيادة المغربية على كافة أراضيه بما في ذلك قضيته الوطنية الاولى اي قضية الصحراء المغربية .

إنه جوهر قوة المغرب في وجه التحديات ومخططات التفتيت والتجزئة ونظريات الفوضى الخلاقة التي تتمسح كذبا بمفاهيم مضللة حول حقوق الانسان ، مفاهيم قائمة على التفكيك وإذكاء عناصر التوتر واستدامة بؤر النزاعات المنسية والمجمدة، وتحريك العوامل التي تنتج نموذج “الدولة الفاشلة “، وهو الذي يعطي للمبادرة المغربية حول الحكم الذاتي مصداقيتها اذ تلك المبادرة في جوهرها مبادرة ديمقراطية تعطي للسكان حرية تدبير شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية والتصرف في مقدرات جهتهم في نطاق السيادة المغربية، وأي نكوص في مجال البناء الديمقراطي، هو توهين لأحد عناصر القوة في طرحنا وتوهين للميزة التنافسية للمغرب على الصعيد العالمي وخدمة للأجندات التفكيكية التي تشتغل وفق منظومة انتقائية لمفاهيم حقوق الانسان والحقوق المدنية والسياسية وللحريات الفردية والجماعية .

معركة مواصلة البناء الديمقراطي هي معركة وجود، هي قضية استراتيجية اذن في قضية التنمية وتحقيق المؤشرات التي تمكن البلاد من الخروج من دائرة الدول الفاشلة بمقاييس التنمية البشرية الى مصاف الدول الصاعدة، وهي كذلك في معركة تعزيز الوحدة الترابية والسيادة الوطنية على الأقاليم الجنوبية !!

واليوم للأسف توجد إرادتان :

-إرادة المضي قدما في مسار البناء الديمقراطي وهي الإرادة التي ما فتئ يعبر عنها جلالة الملك انطلاقا من خطاب 9 مارس وورش الاصلاح الدستوري والسياسي وحرصه على ضمان نزاهة الاستحقاقات الانتخابية ل25 نونبر 2011 واحترام المنهجية الديمقراطية وروح الدستور باحترام إرادة الناخب من خلال تعيين الأمين العام للحزب المتصدر للانتخابات والمنتخب ديمقراطيا في مؤتمر حزبه، (تعيينه) رئيسا للحكومة، ورفضه الدخول في نزاع حزبي وتحويله لنزاع مؤسساتي والاصرار على مواصلة التجربة الحكومية المنبثقة في اصلها عن انتخابات 25 نونبر 2011 الى اخر مداها ، وتكليف رئيس الحكومة بالإشراف السياسي على الانتخابات ، والتأكيد على استثنائية النموذج المغربي سواء في التعاطي مع الربيع العربي او الخريف العربي .

وهي الإرادة التي تجسدها التجربة الحكومية الحالية التي تصر على مواصلة تنزيل الأوراش الاصلاحية الكبرى رغم كل المقاومات والعراقيل التي ووجهت بها سواء من داخل بعض مكونات الحكومة في صيغتها الاولى او من خارجها .

 

– إرادة النكوص وعرقلة الاصلاح التي سعت للعودة الى الساحة بعض أن فرت من الساحة واختبأت في جحورها واستعادة المبادرة واجتهدت من اجل اقفال القوس الذي فتح مع هبوب رياح الربيع الديمقراطي ، حيث صار البعض يلوح بالواضح والرموز ان ما أعطي باليمنى ينبغي ان يسترجع باليسرى .

 حدث  ذلك من خلال محاولة إيقاف التجربة الحكومية او على الأقل  ارباكها الى درجة ان البعض صار يتحدث عن حركة ” تمرد ” على الطريقةً المغربية ، ويعيد انتاج “خريف مغربي” على غرار الخريف العربي .

وحدث ذلك من خلال توظيف كل الأوراق الممكنة بدءا بالتأثير والتدخل في مؤتمرات حزبية والسعي لإرباك سير المؤسسة التشريعية وافتعال تأويلات فارغة المحتوى للنص الدستوري سرعان ما قالت فيه المحكمة الدستورية كلمتها  . وحدث ذلك عند افتعال ازمة حكومية ومحاولة بئيسة  لحشر المؤسسة الملكية في خلاف بين مكونات حزبية للأغلبية الحكومية، وحدث حين سعى البعض  للركوب على بعض المطالب الاجتماعية وسعى دون جدوى لتحريك الشارع النقابي ضد الحكومة، ناهيك عن تجييش قناة رسمية ووسائط إعلامية “مستقلة” لتبخيس العمل الحكومي والسعي للايقاع بين مكوناته ..

حدث ذلك من خلال السعي للانقلاب على مسار الدمقرطة المتواصلة للتشريع الانتخابي في اتجاه تطهير الحياة السياسية من مظاهر البلقنة التي تسهل عمليات العبث في المشهد السياسي وسرقة التوجه العام للتصويت الشعبي المباشر ، بما يؤدي الى عودة المعاقبين انتخابيا من النافذة بعد طردهم من الباب كما حصل في الانتخابات الجماعية في تحالفات تشكيل مجلس الجهات !!

 لحسن الحظ فان هناك تغيرا كبيرا حدث في المزاج الشعبي منذ 2011 وخلال الولاية الحكومية والتشريعية الحالية خاصة .  فعلى عكس ما كان يحلم به المتحكمون لم تتأثر شعبية الحكومة وخاصة شعبية الحزب الذي يقودها فجاءت الانتخابات الجماعية الرابع من شتنبر 2015 كي تصدم من كانوا يحلمون بتصدر المشهد السياسي الذين أطلقوا كذبة التصدر في انتخابات الغرف وأكذوبة التصويت العقابي : فقد قال الشعب المغربي كلمته وأوصل رسالة واضحة مفادها إنه مصر  على دعم المسار الاصلاحي الجديد الذي انطلق منذ 2011 ، ورافض للالتفاف الذي تم على ارادته ولم يستسغ ان تفرز انتخابات مكاتب الجهات نتائج مغايرة للتوجه العام لصوته الانتخابي.

من جهة اخرى تتأكد يوما عن يوم عزلة التحكم ومخاطره ويبدو ارتباكه في ارتجالية خطواته ، ويبدو جليا ان اي تقدم للحزب التحكمي انما تم وسيتم على حساب الأحزاب التي صدقت انه يمكن اقامة  تحالف سياسي شريف معه ، وانه ان كان قد توسع فانه سيتوسع من خلال الحصاد من حدائقها الخلفية ، ومن خلال المراهنة على الاستقطاب في أعيانها ، مما يتعين معه للأحزاب التي تهادنه او تعول عليه او تؤمل فيه خيرا ان تستيقظ من سباتها قبل فوات الاوان.

 كما صارت كل نتائج الاستطلاعات التي تجرى، تؤكد ان مؤشر الثقة في التجربة الحكومية الحالية من خلال الثقة في رئيسها والحزب الذي يقودها مؤشرات لا تقبل الجدل ، وتضع ” زعماء المعارضة ” في مراتب متأخرة ، وتبين على بعد بضعة شهور من الانتخابات التشريعية انه لا شيء سيؤدي الى تغيير تراجيدي في المزاج العام، الا اذا كان هناك توجه احمق قد قرر الرجوع بالمغرب الى الأجواء التي خيمت على المغرب ما بين 2009 و2011 اي صعود التحكم واستسياده، وهي الأجواء التي هيأت الشروط لخروج الشباب الى الشارع مما قاد بلادنا الى حراك شبابي ومقاربة استباقية بالمبادرة الى استئناف مسار البناء الديمقراطي ، مبادرة جعلت من بلادنا استثناء صمد امام “الفوضى غير الخلاقة” التي ميزت تعامل بعض القوى الدولية مع مخلفات الربيع العربي !! نقول ذلك ليس حرصا على تصدر العدالة والتنمية وانما حرصا على المصلحة العليا للبلاد، ومرحبًا بتناوب حقيقي مع احزاب حقيقية محمولة بإرادة الشعب وليس على أسنة التحكم !!

لا شيء يبرر السماح بعودة التحكم او اعادة إطلاق يده للعبث في المشهد السياسي . لا شيء يبرر ذلك ويشهد له . المزاج الشعبي لم يعد يقبل ذلك . والأنظار الراصدة بكل أمل للتجربة المغربية لا تسمح بذلك

ثم إن للمغرب ربا يحميه، وللملكية شعبا يحبها، وصلاحيات مقررة دستورا تجعلها قادرة على حماية  حقوق وحريات المواطنين، دون حاجة الى تحكم يسيء الى البلاد ويهدد العباد، ويرجع بِنا الى مرحلة ما قبل 20 فبراير ، ويساوم بدوره في مواجهة مخاطر مزعومة او موهومة ، بل يساوم بالتهجم على مؤسسات تابعة لإمارة المؤمنين ويدمغها بالمسؤولية على انتاج التطرّف، ويمارس الضغط على اجهزة وزارة الداخلية ويبتزها … ، لا حاجة للمغرب الى قلالش .. المغاربة يريدون سيدي بوغالب دون قلالش .. انتهى زمن المنازعة .. انتهى زمن التحكم باسم القيام بخدمات للدولة .. انتهى زمن الابتزاز .. للبلد رب يحميه ومؤسسات ساهرة وأمينة على حريات وحقوق المواطنين.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.