محمد يتيم
ينعقد نهاية الأسبوع الجاري مجلس وطني لحزب العدالة والتنمية في جلستين، الاولى مساء الجمعة والثانية يوم الأحد وبينهما ينعقد يوم السبت مؤتمر استثنائي لحزب.
النقطة الفريدة المطروحة على المؤتمر الاستثنائي هي تأجيل الموتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية سنة كاملة، ومن المفترض ان يصادق المجلس الوطني الاستثنائي يوم الجمعة على مشروع ورقة تحدد مسطرة مصادقة الموتمر على القرار المذكور، كما يصادق المجلس الوطني في جلسته الثانية على مسطرة اختيار مرشحيه للانتخابات التشريعية.
المصادقة على القرارالمذكور معناه تمديد ولاية الهيئات المنبثقة عن المؤتمر الوطني السابق، وهي الأمانة العامة والمجلس الوطني والكتابات الجهوية والإقليمية والمحلية من خلال اعلى هيئة تقريرية في الحزب الا وهي المؤتمر في صيغته الاستثنائية التي ينص النظامان الأساسي والداخلي للحزب على انه يحل محل المؤتمر العادي ويقوم مقامه عند الحاجة، وقد أعطى النظامان المذكوران للامانة العامة حق الدعوة لمؤتمر استثنائي ينعقد بنفس مكونات الموتمر الوطني العادي اي من المؤتمرين بالصفة والمندوبين المنتخبين للموتمر العادي ما لم تسقط عضويتهم الحزبية لسبب من الإسباب.
دواعي الدعوة لعقد موتمر استثنائي واضحة وبديهية، اذ يتبين انه من غير المناسب في سنة انتخابية خرج فيها الحزب قبل بضعة شهور من معركة انتخابية اي محطة الانتخابات الجماعية بجميع مراحلها وتداعياتها ومخلفاتها ، وهي نفس السنة التي سيقبل فيها الحزب على معركة انتخابية حاسمة بالنسبة لمسار التحول الديمقراطي ، وتعزيز مكاسب التجربة الحكومية الحالية ومواصلة اوراش الاصلاح المفتوحة .
تبين اذن أنه من غير المناسب الاعداد للمؤتمر العادي للحزب في سنة انتخابية بامتياز مع ما يترتب على ذلك من استحقاقات داخلية تتعلق بعقد الموتمرات الانتدابية التي تسبق الموتمر ثم مؤتمرات اعادة هيكلة الحزب على جميع المستويات مركزيا وجهويا واقليميا ، خاصة في ظرفية يشتد فيها استهداف التجربة ويسعى التحكم بجميع الوسائل للعودة بالمغرب الى ما قبل سنة 2011 والالتفاف على كل المكتسبات التي تحققت منذ ذلك اليوم الى يومنا هذا .
هي مرحلة تقتضي تركيز جهود الحزب وتوجيهها نحو وجهة واحدة وهدف واحد هو تأكيد النتائج التي حققها الحزب في الانتخابات التشريعية لنونبر من سنة 2011 والانتخابات الجماعية لشتنبر 2015 والتي اكدت بما لا يدع مجالا للشك ان الناخبين قد أكدوا ثقتهم في التجربة الحكومية الحالية ويدعمون استمرارها .
وهي مرحلة تقتضي من الحزب من منطلق موقعه في الاغلبية التركيز على مواصلة دعم التجربة الحكومية وتحفيزها من اجل مواصلة وتسريع إيقاع إنجاز الاصلاحات المبرمجة خلال ما تبقى من الولاية التشريعية والولاية الحكومة.
تلك هي الاعتبارات الاساسية التي حكمت التفكير في تأجيل الموتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية اولا واخيرا ، وكان لا بد ان يتم ذلك من خلال احترام الاليات والتقاليد الديمقراطية للحزب ، حيث إن تمديد الولاية التنظيمية الحالية هو شأن خاص بالمؤتمر نفسه الذي هو سيد نفسه ، ولا يخضع لمزاج الفريق الميسر ولا لحسابات التموقع او التسابق نحو موقع المسؤولية ، ولا الى وضع العربة امام الحصان والدخول في سيناريوهات افتراضية، والاجابة على أسئلة غير حالة ، سيرا على نهج الامام مالك : لا أحب الكلام الا فيما تحته عمل، والقول المأثور في الفقه الاسلامي حين كان بعض المستفتين يطرحون أسئلة افتراضية: دعها حتى تقع.
ودون شك فان المؤتمر يبقى سيد نفسه، حيث سيقرر بطريقة ديمقراطية بعد التداول الحر والصريح في المقترح المرفوع اليه من الامانة العامة بعد مصادقة المجلس الوطني . ودون شك فان قرارا من قبل لهذا – رغم طابعه التنظيمي المحض لا يخلو من حمولة وآثار سياسية -، فحزب العدالة والتنمية باعتباره يقود الحكومة الحالية هو جزء من الدولة ، وقرارته لم تعد شأنا خاصا او شأنا داخليا بل قد اصبح شأنا عاما .
ولقد عبر الحزب من خلال مؤتمره السابع عن هذا الوعي، وهو المؤتمر الذي انعقد مباشرة بعد بضعة أشهر من تعيين الاستاذ عبد الإله بن كيران رئيسا للحكومة وتشكيل الاغلبية الحكومية وتنصيب الحكومة ثم المصادقة على مشروع قانون المالية، اي ان المؤتمر كان عليه ان ينتخب امينه العام وقيادته واجهزته المركزية من جديد ، علما ان الاستاذ عبد الاله بن كيران قد عين رئيسا للحكومة في تأويل ديمقراطي للدستور بصفته امينا عاما للحزب الذي تصدر الانتخابات .
ولا زلت اتذكر حينها وخلال عودتنا من مؤتمر حركة النهضة بتونس الذي سبق انعقاد الموتمر السابع لحزب العدالة والتنمية بيومين، أن أحد ضيوف الموتمر المميزين قد سألني سوْالا ينم عن تخوف من الاثار السلبية المُحتملة التي قد تنجم عن انتخاب شخص اخر غير الامين العام للحزب ، الذي هو في نفس الوقت رئيس الحكومة ، وعما اذا كنّا قد رتبنا الأمور في الحزب حتى لا تقع مفاجاة اي حتى يعاد انتخاب بن كيران !!
لقد كانت إجابتي واضحة وحاسمة: اننا في حزب العدالة والتنمية لا نرتب ! اننا على ثقة كاملة في الذكاء الجماعي لمناضلي الحزب ومؤتمريه الذين يستحضرون ان مؤتمرهم انذاك قد أصبحت رهاناته لا تهمهم فحسب ، بل ان له تأثيرات تتجاوزه الى مجمل الوضع السياسي في البلاد.
ونفس الشيء اليوم بالنسبة لمؤتمرهم الاستثنائي اذ من المتوقع ان المؤتمرين سيصوّتون بكثافة وبطريقة ديمقراطية وشفافة على مقترح تأجيل موتمر الحزب سنك كاملة، الى ما بعد الانتخابات التشريعية واستقرار الخريطة السياسية ، مدركين حاجة الاولوية للاستحقاق الانتخابي التشريعي ، ومدركين ايضا حاجة الحزب للتفرغ لإعداد جاد ومسؤول لمؤتمر يليق بسمعة الحزب ورصيدة النضالي.
الموتمر الاستثنائي ليس استثنائيا من حيث طبيعته التنظيمية ولكنه هو استثنائي لانه يكرس الاستثناء الديمقراطي الذي تجسده ممارسة حزب العدالة والتنمية في المشهد السياسي احتراما لانظمته واستحقاقاته الداخلية وشرعية هيئاته ومؤسساته والمتمثل في احترام انتظام انعقاد مؤتمراته وانه حين تكون هناك اكراهات قد تقتضي ذلك التأخير فان ذلك يرجع للمؤتمر نفسه لا الى غيره ، .. المؤتمر الاستثنائي هو تكريس الاستثناء الديمقراطي الداخلي الذي كرسه حزب العدالة والتنمية، كما سيكرس مجلسه الوطني بالمصادقة على مسطرة اختيار مرشحيه نفس الاستثناء الديمقراطي حيث الكلمة للتداول والتصويت الحر والاصطفاء الديمقراطي لمرشحيه في الانتخابات التشريعية.