[ After Header ] [ Desktop ]

[ After Header ] [ Desktop ]

[ after header ] [ Mobile ]

[ after header ] [ Mobile ]

ملاحظات وتساؤلات حول المذكرة الثلاثية لبنك المغرب واتحاد مقاولات المغرب والمجموعة المهنية للبنوك

محمد يتيم

تطرح المذكرة المشتركة الموقعة بين كل من والي بنك المغرب والسيدة رئيسة اتحاد مقاولات المغرب والسيد رئيس المجموعة المهنية للبنوك والموجهة للسيد رئيس الحكومة سواء من حيث الشكل أو من حيث المناسبة والسياق أو من حيث المضمون عدة تساؤلات وإشكالات .

من الناحية المبدئية الصرفة، وبصرف النظر أيضا عن التوظيف والاستغلال السياسي والاعلامي لاستهداف الحزب الذي يقود الحكومة وتحميله المسؤولية عما سمي باطلا الوضعية الاقتصادية “الكارثية” للبلاد،  يمكن القول إن المذكرة ستمكن من فتح نقاش عمومي من جهة حول الواقع الاقتصادي المغربي وحصيلة الحكومة إيجابا وسلبا، وستمكن الحكومة من جهة ثانية من فرصة أخرى للتواصل مع الرأي العام ومع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.

غير أنه لا يمكن لنا باعتبارنا فاعلين سياسيين إلا أن نطرح عدة تساؤلات وملاحظات تتعلق بالمبادرة والموقعين عليها ومضمونها وتوقيتها وبالحقيقة الفعلية للأداء الإيجابي للحكومة في المجال الاقتصادي عكس ما يتم تداوله أو الإيحاء به  .

الملاحظة الأولى تتعلق بنوعية المشاركين في هذه المبادرة واختلاف مواقعهم المؤسساتية  ومسؤولياتهم في تدبير الشأن المالي والاقتصادي، وأيضا حول  طبيعتها  ومناسبتها .

فإذا كان من الطبيعي بالنسبة لبعض الاطراف الموقعة على المذكرة مثل اتحاد مقاولات المغرب أن يكون له تصور وموقف، حيث إنه فاعل جمعوي ومهني يمثل فئة من المواطنين والحالة هذه أرباب المقاولات والفاعلين الاقتصاديين الذين لهم مصالح يدافعون عنها، ومن ثم فان أُسلوب المذكرات ذات  الطبيعة المطلبية يتناسب مع طبيعته وموقعه،  فإنه يطرح أكثر من سؤال ما الذي يجعل من مؤسسة عمومية مسؤولة عن السياسة المالية والنقدية في البلاد، وهي فاعل في هذه السياسة وفاعل في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومسؤول بقدر معين عن نجاحاتها وإخفاقاتها، ما الذي يجعله يقف على نفس المستوى الى جانب فاعل جمعوي، وأيضا إلى  جانب مؤسسة مالية بنكية أي الى جانب فاعل يشتغل في القطاع الخاص، ويسعى كما هو الشأن بالنسبة للخواص للربح؟؟ فالخيط الناظم بين هذه المكونات الثلاثة مفقود، إلا أن تكون هناك مصلحة مشتركة أو دوافع مشتركة لهذا الخروج في هذا التوقيت بالذات لا نستطيع المجازفة بالجزم بوجودها.!!

الملاحظة الثانية: تتعلق بمناسبة مشاركة البنك المركزي في صياغة والتوقيع على هذه المذكرة والأمر أن البنك له آلياته الخاصة المتمثّلة في التقرير السنوي الذي يقدمه بين يدي جلالة الملك ومن المستغرب حقا أنه لم يسجل العناصر والملاحظات الواردة  في “المذكرة الثلاثية” في أخر تقرير من تقاريره، وأيضا في البلاغات التي ما فتئ يصدرها بمناسبة اجتماعاته الدورية، لم تكن هناك اية  إشارة لمؤشرات تخص هذه الوضعية الاقتصادية الكارثية، بل إن تقرير بنك المغرب لسنة 2015 قد اورد معطيات إيجابية حول الوضع الاقتصادي وفي المالية العمومية !! مما يدفع الى التساؤل حقا عما اذا كانت الوضعية الاقتصادية للمغرب قد انقلبت رأسا على عقب خلال سنة  !! وما الذي تغير اذا لم تكن تلك الوضعية قد تغيرت ؟؟  

الملاحظة الثالثة : تتعلق باتحاد مقاولات المغرب والدوافع التي جعلته في حاجة لإسماع صوته للحكومة من خلال الاستقواء والاستناد الى مؤسستين ماليتين كبيرتين الأولى عمومية والثانية خاصة، والأمر أن له قنوات مفتوحة مع الحكومة يمكن أن يوصل من خلالها ملاحظاته ومطالبه،  خاصة وانه قد سبق له  ان وقع مع الحكومة منذ سنة 2012 مذكرة للشراكة تنص على خلق لجان موضوعاتية مشتركة حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية ، وهي المجال المناسب لاقتراحات الاتحاد ومناقشتها ؟؟

من المستغرب ان يشتكي  اتحاد مقاولات المغرب من تراجع القروض . والامر ان المقاولات قد استفادت من 7 مليارات درهم من متأخرات الضريبة على القيمة المُضافة مما مكنها من سيولة اغنتها عن الاقتراض ، وكان الاولى به – والحالة هذه – ان يشكر الحكومة بدل ان ينتقدها ويشنع عليها !

من المتفهم أن تشتكي مؤسسة مالية مثل المجموعة المهنية للبنوك باسم البنوك، وتمكين الحكومة للمقاولات من تلك المبالغ حقق لديها سيولة اغنتها عن اللجوء الى القروض البنكية التي كانت تمول عمليات سهلة مضمونة الأرباح ، عمليات في عمقها ريعية مرتبطة بنظام المقاصة ودعم المحروقات استيرادا وتخزينها بدل ان تتجه الى تمويل الاقتصاد المنتج ،!!  

الملاحظة الرابعة : تتعلق بالانطباع الذي من شأن كذا مذكرة أن تعطيه حول الأوضاع الاقتصادية بالمغرب للداخل والخارج وللاستثمار الوطني والدولي ، وقد بدت بوادره  في استنتاجات متحاملة وغير بريئة كما فعل حيث اوحى بعضهم وكان المغرب على حافة هاوية اقتصادية مع تحميل الحزب الذي يقود الحكومة المسؤولية عن ذلك علما ان وزارات استراتيجية في المجال الاقتصادي هي خارج تدبير وزراء حزب العدالة والتنمية كما هو الشأن بالنسبة للفلاحة والصيد البحري والمالية والاقتصاد . فهل يمكن ان لا نتساءل كسياسيين عن الحمولة السياسية او النتائج والمضمرات السياسية كانت مقصودة او لم تكن ولكنها دون شك متحققة وموجودة!!

الملاحظة الخامسة تتعلق بحقيقة الحصيلة الحكومية في المجال الاقتصادي كما تؤكدها المعطيات الرقمية وتشهد بها المؤسسات المالية، حيث إن المعطيات الرقمية الغير قابلة للطمس او الإنكار تؤكد أن الحكومة الحالية تحملت المسؤولية في ظل اوضاع كارثية حيث كانت نسبة عجز الميزانية  تبلغ 7% سنة 2012 لتصل إلى -5,2% سنة 2013، ، كما تمكنت من التحكم التدريجي في عجز الميزانية ليبقى سنة 2014 في حدود -4,9% ثم ينخفض سنة 2015 لأقل من –4,3%مما أدى لوقف نزيف المالية العمومية، ليصل حاليا توقع عجز الميزانية سنة 2016 لأقل من 3,5%- حسب ما هو مقرر في البرنامج الحكومي.

كما تمكنت من إيقاف  نزيف مالي  كان يستهلك أزيد من ربع الموارد العمومية، ويتعلق الامر بنفقات صندوق المقاصة  والذي فاق سنة 2013 مبلغ 56 مليار درهم، بما يمثل أزيد من ربع ميزانية الدولة

وعلى عكس المقاربة السوداوية التي يسعى البعض الى إشاعتها تبرز صورة اخرى من خلال عدد من التقارير الدولية حيث حقق المغرب حسب تقرير صندوق النقد مثلا أحسن معدل نمو سنة 2015وصل إلى 4.5% مقارنة مع متوسط دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا الذي يبلغ 2.3%، بالإضافة إلى محافظته على استقرار الأسعار مع نسبة التضخم في حدود 1.6 وتعتبر هي الأصغر مقارنة مع دول الجوار (بلغ معدل التضخم في المغرب العربي 4.2) وهي أقل بكثير من متوسط نسبة تضخم دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا الذي يبلغ 5.9

كما أكد البنك الدولي السنوي حول ممارسة الاعمال ( doing business)من تقدم للمغرب على هذا المستوى يسير في هذا الاتجاه ، حيث احتل في التقرير الأخير المنشور يوم 27 أكتوبر 2015 المرتبة 75 من اصل 189 دولة متقدما ب22 مرتبة بين سنتي 2012 و 2016 ومحتلا المرتبة السادسة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا .

وقد دفع  تحسن وتحكم المغرب في غالبية المؤشرات المالية،  ب “وكالة ستاندرد أند بورز” الامريكية للتصنيف الائ​تماني  بالمحافظة على تصنيف الاقتصاد المغربي في درجة “bbb-/A33” ومنحته نظرة مستقبلية مستقرة؛ وهو التنقيط الذي تنصح به الوكالة كبار المستثمرين العالميين لتوجيه استثماراتهم إلى المغرب. وهكذا يتضح انه من الموضوعية الاعتراف بان ما تحقق خلال الولاية الحكومية الحالية من اصلاحات اقتصادية وإصلاحات للمالية العمومية امر لا ينكره الا جاحد، وانه على العكس مما يقال فقد ت​مكنت الحكومة من انقاد الاقتصاد الوطني من الافلاس وربما الدخول في تجربة جديدة للتقويم الهيكلي .

صحيح ان الاقتصاد الوطني لم يدخل بعد الى مرحلة المعافاة التامة ولا الى الاقتصادات الصاعدة ، وما يزال بناء نموذج تنموي وتدشين مسار تصاعدي في النمو على جدول الاعمال ، وهو ما يحتاج الى مواصلة الاصلاحات البنيوية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.