محمد يتيم
الدولة الأخرى بتعبير ابن كيران، دولة الظل حسب البعض الاخر، الدولة الموازية بتعبير حسن أوريد، القوة الثالثة بتعبير عابد الجابري، محاولة تحزيب الملكية، أسماء وتعبيرات مختلفة لمسمى واحد هو التحكم كما صار شائعا في المصطلح السياسي الذي جرى على لسان بن كيران وقياديي العدالة والتنمية، وانتقل أيضا الى خطاب عدد من الاحزاب الاخرى منها التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال، الأمر لا يتعلق إذن بخطاب صادر من حزب العدالة والتنمية، خطاب يهدد ويتوعد كما تقول تحاليل أقلام وصحف ذيل بغلة التحكم والتسلط !!، بل هو تحليل سياسي عميق يضع اليد بجرأة على المخاطر التي تتهدد مسار التحول الديمقراطي في المغرب، التي خرجت في هجمة مضادة وفي خطاب استعدائي فاشل، يحاول الترويج لخطاب مفاده أن العدالة والتنمية يشكك في المؤسسات، ويهدد قائلا: أنا أو الدمار !!
والواقع الذي لا غبار عليه أن هناك اليوم تهديد حقيقي للمسار الديمقراطي تكشف عنه مجموعة من المعطيات المتواترة التي تتقاطع في عودة لغة التهديد بالواضح والمرموز، لغة الابتزاز والتخويف لعدد من رجال الاعمال، لغة السطو على أعيان الاحزاب الاخرى وإضعاف الاحزاب الوطنية، لغة واقع الاختراق لبعض المستويات في الادارة الترابية والادارات الحكومية وبعض المؤسسات العمومية والمنابر الصحفية وتوظيفها في تبرير التحكم وتبييض وجهه، هي مؤشرات تدل على أن الأمر يتجاوز “قدرات خارقة” لدى زعيم هذا الحزب النكرة في الاصل.
ينبغي تبعا لذلك أن نطرح سؤالا كبيرا عن مصدر كل ذلك النفوذ عند هذا الرجل ومن اين يستمد قوته “الخارقة “؟ ينبغي أن نتساءل عن سر إمبراطوريته المالية والإعلامية التي تراكمت بكيفية غير طبيعية دون ان يتساءل أحد من اين لك هذا؟ ولم أصبح كثيرون من السياسيين ورجال الاعمال والمؤسسات الاعلامية يتوجسون خيفة ويضعون أيديهم على قلوبهم من مجرد افتراض احتمال وصوله الى السلطة الحكومية، والأمر أنه يتحكم ويستخدم النفوذ حتى وهو خارج السلطة التنفيذية !! ينبغي أن نتساءل عن سر جرأته الزائدة لحد التشكيك في مؤسسات تابعة لإمارة المؤمنين واتهامها بإنتاج التطرّف وتشكيكه في واقع اسلامية الدولة وتشكيكه في سياسة الدولة فيما يتعلق بقضية الصحراء ومقترح الحكم الذاتي، واستقدام حزبه لمفكر علماني تهجم على نظام البيعة، في حين أن عشر معشار تصريح للدكتور الريسوني في وقت سابق قد دفع للضغط من أجل تقديم استقالته والتهديد بحل حركته، بينما كان الرجل هو الذي صاغ بلاغ إعلان حركة التوحيد والاصلاح تأييد البيعة التي تمت للملك محمد السادس سنة 1999 ومن العلماء الذين ألقوا درسا حسنيا بين يديه بعد ذلك !!
ما زلنا نتساءل عن تلك المكانة الخارقة التي جعلته ينال حظوة السفر الى بكين دون غيره من رؤساء الجهات، واستقطابه بعد ذلك لمشاريع استثمارية كانت جهات اخرى مرشحة لها كما هو الشان بالنسبة لمركز استشفائي جامعي سبق لوزير ان بشر به جهة اخرى ؟؟ الامر يدفع للافتراض ان الامر يتجاوز قوة خارقة لهذا الرجل وحزبه ويرجح فعلا وجود دولة اخرى او دولة موازية ، وان حزب الاصالة والمعاصرة ليس الا الواجهة الظاهرة المدفوعة من قبل تلك الدولة .
لكن من المفيد ان نتساءل ثانيا: اي مصلحة تجنيها بلادنا من هذه العودة ، فقد صدق السيد حسن طارق حين ختم مقاله الاخير ” الدولة الاخرى ” قائلا: “لقد تجاوز المغرب لحظة الصراع حول المشروعية، وسؤال من مع الملك ومن ضد الملك؟ لم يعد سؤالا مهيكلا للحقل السياسي، كما أن دستور 2011 يمكن أن يقرأ كذلك على إعادة التوافق على ضوء فكرة السمو الوظيفي والمؤسسي للملكية ،لكن ذلك لا يعني بالضرورة عدم إستمرار البعض في مغامرة” تحزيب الملكية “، وهي مغامرة ظلت مرتبطة بمن كان يسميها عابد الجابري “القوة الثالثة “والتي -دفاعا عن مصالحها – كان رهانها دائما هو عزل الملكية عن الحركة الوطنية والديمقراطية ولاشك أن هذه المغامرة التي تأخذ العديد من الأشكال قد تبدأ بما تحدث عنه بيان حزب الإستقلال بالاختراقات، وقد تصل إلى ما أسماه بنكيران ” دولة أخرى “تعيش على هامش المؤسسات”.
أصبح من اللازم ان نتساءل عن الجهة التي تسعى اليوم لتكريس عزلة الملكية عن الحركة الوطنية والأحزاب الوطنية الخارجة من رحم الشعب ؟ من يريد تكريس الحاجة لوجود حزب لملك او الحاجة لحزب يكون بمثابة صمام امام وضامن التوازن ويحول دون وجود حزب مهيمن ؟
من حقنا ان نتساءل باستغراب : ما المشكل اذن في وجود حزب مهيمن لو افترضنا جدلا افراز الانتخابات لحزب من هذا القبيل ؟ من قال بان ذلك مضرا بالملك والملكية ؟ من قال بان قوة الملكية انما تتحقق من خلال احزاب ضعيفة وخريطة مبلقنة ؟ من مصلحته اقحام الملكية في الصراع الحزبي والانتخابي ؟ من الذي يريد ان يراوح المغرب مكانه بل بريد ان يرجع بِنَا الى اجواء ما قبل دستور 2011 وفترة بروز التحكم بقوة اي الفترة الفاصلة بين سنة 2009 و2011 ؟
هل للامر علاقة بمحيط الملك او بوسطاء لا ينظرون بارتياح لتطبيع العلاقة بين الملكية وأحزاب الحركة الوطنية، من من مصلحته الحفاظ دوما على قدر من التوجس والريبة بين الطرفين ؟ ما علاقة محيط الملك بعودة الاصالة والمعاصرة من جديد الى الساحة وبنهجهه التحكمي بعد ان كان هناك تفكير في التخلص من تركته او على الأقل ان يترك لسانه وحاله ؟
هي أسئلة تطرح نفسها بحدة، وايا كان الجواب، وسواء كان العماري مجرد مروج للوهم، وانه ليس الا رجلا يبتز الدولة مستخدما في ذلك أوراقا لا نعلمها، ام انه لا يعدو ان يكون ورقة من الأوراق المحترقة عاجلا ام آجلا، وأنه يضطلع بمهمة وظيفية في سيناريوهات تطبخ في مستويات عليا من القرار، فإنه آن الأوان للحزب التحكمي أن ينأى بنفسه عن توظيف ورقة القرب، وان للمحيط الملكي أن ينأى بنفسه عن اللعبة التي يلعبها هذا الحزب اذا صحت نظرية الطرف الثالث الذي يتضرر من توافق الملكية وأحزاب الحركة الوطنية والأحزاب المنبثقة من رحم الشعب وثانيا اذا صح ما نقلته أوراق وكيليكس بصدد ظروف نشأة هذا الحزب “؟؟؟
اليوم نحن من جديد الى لحظة تكون في رمزيتها وقوتها أشبه بلحظة 9 مارس 2011 ولو في سياق لا توجد فيه حركة ظاهرة للشارع شبيهة بحركته سنة 2011 لكننا نعتقد انها حركة كاملة نلاحظ ذلك في اليقظة الشديدة تجاه الفاعلين في الشأن العام وتجاوزاتهم الواقعة او المفترضة، فالملكية وقوتها في كونها ظلت على نفس المسافة من الاحزاب السياسية، والمحيطون منها هم أكثر المعنيين بواجب التحفظ والنأي بأنفسهم عن الصراح الحزبي.