محمد عصام
إنه فعلا درس تركيا المبين
درس أبدع فيه الشعب التركي العظيم، ولقن العالم أجمع أن حضن الديموقراطية لا انفطام عنه لمن حسم موقفه مع المستقبل، وأحرق كل سفن العودة الى ظلام التحكم والاستبداد، لقد أبدع الشعب التركي العظيم أروع صورة للدفاع عن الديمقراطية ليس فقط كاختيار إرادي تم حسمه وتأكيد حسمه عبر استحقاقات انتخابية متتالية بوأت وجددت الثقة لحزب العدالة والتنمية وزعيمه طيب رجب اردوغان، ولكن كقٓدٓرٍلا انفكاك عنه ولا بديل عنه لتوقيع لحظة الانطلاق نحو التنمية والعدالة الاجتماعية، فالشعب التركي بنزوله للشارع ومواجهته للدبابات بشجاعة خارقة وفداء باذخ إنما يؤكد أن الرأسمال الحقيقي للشعوب هو ديمقراطيتها، وأن حمايتها ليست اختيارا ترهنه صروف السياسة وسياقات الوقائع، بل هي مسألة وجودية، بها نكون أو لا نكون، فحاضر ومستقبل الشعوب رهين بحمايتها والذود عنها وأي تفريط فيها هو تفريط في مستقبل الاجيال المقبلة وارتداد مشين نحو التخلف وظلام الاستبداد الذي لا يضمن تنمية ولا يخلق عدالة اجتماعية
إنه درس فعلا في الوفاء المتبادل
لقد عبرت القيادة التركية الشرعية والوحيدة فيى تركيا ممثلة في طيب رجب اردوغان، عن انتماء حقيقي للديمقراطية، وعن استعداد كبير لحمايتها وفدائها بالارواح والمهج، فلم يختف الرئيس التركي في جحر يترقب مجريات الامور ولم يستكن لقدر العابثين بمستقبل تركيا، الوالغين في جرحها والراقصين على ألمها، بل أبان عن معدن نفيس وجوهر ديمقراطي أصيل، منحاز بسبق الوعي وعميق الاصرار الى المباديء التي شكلت اساس انطلاقة تركيا الجديدة نحو آفاق التميز ومكاسب التقدم المبهرة في كل المجالات، لقد كان لكلمات اردوغان الاولى بعد الطلائع الاولى لأسنة الغدر الماكرة وتحديدا لرسالته للشعب التركي عبر تقنية face time لقناة الخبر التركية، وقع كبير على شعب تركيا العظيم الذي لبى نداء الخروج بكل طواعية لحماية وجوده التي تمثله الديمقراطية بكل معانيها وآفاقها، لم يتخل اردوغان عن الشعب ويبحث لنفسه أو لقبيلته السياسية عن طوق للنجاة بعد تأكده من أن مخالب الخيانة والغدر قد امتدت الى الحلم الجماعي لكل تركيا العظيمة، حلمها الذي صنعته لبنة لبنة في كدحها الديمقراطي والذي امتد لعقود وعقود وذاقت من أجله انكسارات وهزائم صنعت من خلالها جسرا آمنا نحو ديمقراطية وارفة أصلها تابث وفرعها في السماء
إنه فعلا درس ديمقراطي فريد: فلا ديمقراطية بدون ديمقراطيين حقيقيين
لقد كان الاصطفاف واضحا واي تلكؤ او تردد في ابراز الموقف وامتطاء الموجة لا يعني إلا الخيانة، وفعلا أبان المشهد السياسي التركي وطبقته السياسية بمختلف ألوانها ومواقعها، أن الديمقراطية مشترك جماعي، وأن التفريط فيها جحيم للكل، وان الديمقراطية بلا ديمقراطيين وهم كبير وخدعة اكبر، سيجل التاريخ ان احزاب تركيا وقواها السياسية برهنت على ان انتماءٓها للحظة الديمقراطية اصيل ولا رجوع عنه، وان حسابات المواقع لا تعلو بحال من الاحوال عن البر للديمقراطية وخيارات الشعب كيفما كانت وفي اي اتجاه سارت، لقد لقن الاتراك باحزابهم وهيئاتهم دروسا للجميع وللمحيط الاقليمي على الخصوص، بأن طوق النجاة الاوحد في حال التنازع وتلبد سماء الاوطان بغيوم التردد واحتمالات الارتداد إنما يكون بالوقوف المبدئي الواضح الباذخ بلا مقايضة اوابتزاز في صف الشعب والانحياز له بشكل مطلق، إنه الدرس الابلغ لمن يستبق مثل هذه اللحظات العسيرة في تاريخ الشعوب لنفث خبث التشفي من الخصوم وحسم معارك التدافع بخسة ودناءة والولوغ من إناء الخيانة والارتماء في احضان الشيطان بوعي او دونه، وما الندم المتأخر لبعض ادعياء الديمقراطية في ارض الكنانة بعد استفاقتهم على الوجه القبيح للانقلاب عنا ببعيد .
إنه فعلا درس تركيا المجيد
اذ أن الذي وقع يعلمنا بالبينات والوقائع أن شر الارتداد قابع في جنبات التحول مهما طال حلقاته واشتد عوده، وان ساكني الجحور المتربصين بمستقبل الشعوب لا يملون ولا يكلون، وأن حماية التحول نحو الديمقراطية تقتضي يقضة دائمة ومعارك مستمرة لتقليم أظافر الردة والنكوص للجم غوايتها، وان اي استكانة في اي محطة من محطات التحول قد يعيد عقارب الزمن الى الوراء ويتيح للمتربصين المتخفين وراء الاحجبة الكثيفة، والمتآمرين مع جهات الله وحده يعلم من هي وماهي حساباتها وما حجم كيدها ومداه، فمن كان يتوقع بعد سنوات الاستقرار والنماء التي عاشته تركيا خصوصا في العقد الاخير، ان يلجأ البعض لحسم معركته في التدافع الى اساليب الانقلاب البائدة التي تجرعت تركيا مرارتها حتى الثمالة طيلة قرن او يزيد من الزمن، ولم تجن من خلالها إلا دمارا في العمران وخرابا في الأقوات والثمرات ويبابا في المكاسب والمنجزات
فالدرس على هذا المستوى لكل من يتلمس طريقه نحو الديمقراطية من صنونا، ان لا مصالحة مع التحكم والفساد كيفما كان نوعه وتجلياته، وأن اي مهادنة معهما او استكانة لهما او تهوين لمكرهما وغدرهما، قد يوقعنا في الجحيم الذي يتربص بنا الدوائر، ومن المفيد ان نجدد الدعوة للتفرس في الوجوه جيدا وبإمعان حتى لا تنطلي علينا دخائن التحكم وألاعيبه ولا مكره وتدليسه، فالانقلابات انواع وطرائق قددا، والكيس من حافظ على استقلاليته ونأى بجنبه عن التحكم ومن والاه.
إنها تركيا تعري زيف الغرب وانتقائيته وهو الدرس التركي الابلغ
لقد كان مشينا حد القرف ذلك الصمت المريب الذي لزمه الغرب في الساعات الاولى للانقلاب في انتظار اتضاح الصورة و في اي اتجاه تسير الامور، فقد أبان الغرب عن وجه قبيح موغل في الانتهازية، وأن شعارات الديقراطية التي يلوكها هذ الغرب ليست إلا قناعا يداري به حقيقته الامبريالية واطماعه الجشعة العابرة للحدود التي لن تتحقق الا باستدامة تخلفنا وتشرذمنا وتفككنا واندحارنا في برك الاستبداد الآسنة، لأن ضمان استمرار مصالح هذا الغرب يمر بالضرورة عبر تغييب ارادة الشعب والتمكين لصنائعه في التدبير.
لقد انتظر هذا الغرب حتى اتضح الخيط الابيض من الاسود وآبان الشعب التركي وقيادته عن بطولة منقطعة النظير، ليعود قذف مسامعنا في الوقت بدل الضائع وبعد ان حسمت المعركة لصالح الشعب، بدفاعه عن المؤسسات وخيارات الشعب، في حين كان المطلوب منه وهو الذي عودنا على المسارعة في احداث شبيهة او اقل على استباق الوقائع وتدبيج المواقف، مما يجعلنا نطرح سؤالا مشروعا عن ماذا كان سيكون موقف هذا الغرب لو قدر الله نجحت هذه المحاولة الانقلابية؟
لكن الدرس الاخير والمهم على الدوام فهوهمسة في أذن من يحتاج لذلك : إنه لا ديمقراطية بدون ديمقراطييين حقيقيين