بلال التليدي
ثمة أكثر من خيار لقراءة نتائج انتخابات 7 أكتوبر، منها الخيار المقارن باستحقاقات 2011 و2015، والذي يرسخ تجذر وامتداد شعبية العدالة والتنمية في المدن الكبرى والمتوسطة والصغرى، ويؤشر على اختراق مهم في العالم القروي وأيضا تحول العدالة والتنمية إلى رقم صعب في المعادلة الحزبية والسياسية في الصحراء، ونجاح قياداته كلها ليس فقط في الفوز والحفاظ على المقعد الانتخابي ولكن في الحفاظ على ثقلهم الانتخابي وإضافة رصيد آخر إليه.
لكن، مع أهمية هذا الخيار، أو زاوية قراءة نتائج الاقتراع من منظور رقمي مقارن، فإن البعد الأكثر أهمية في قراءة هذا الاستحقاق هو البعد السياسي.
البعد الرقمي أحيانا يكون مضللا، لأن عطبه ما رأيناه من تحول في الخطاب التحريري لعدد من وسائل الإعلام التي حاولت أن تضم حزب الأصالة والمعاصرة إلى لائحة الفائزين في هذا الاقتراع، ونسبة الهزيمة إلى الأحزاب الوطنية التي تراجعت بعشر مقاعد أو أكثر أو أقل، والحديث عن تقدم للبام بالقياس إلى ما حققه في الانتخابات السابقة وذلك من 46 مقعدا إلى 102.
عطب هذه القراءة الرقمية أنها تختزل حقيقة الصراع السياسي الذي اندلع منذ الإعلان عن نتائج انتخابات 2007 وبروز إرهاصات المشروع السلطوي في المغرب، كما أن عطبه الجوهري هو التغطية على حقيقة المعركة الانتخابية التي تمت على أرض الواقع، إذ لم يكن اقتراع 7 أكتوبر في حقيقته معركة انتخابية بين العدالة والتنمية وبين البام، ولكنه كان في الجوهر معركة بين المشروع الإصلاحي وبين مشروع سلطوي جيش كل مكوناته ونزل بها بكل ثقله من أجل إغلاق القوس الديمقراطي وإنهاء حكومة العدالة والتنمية والنكوص إلى ما قبل دستور فاتح يوليوز 2011.
لقد برزت معالم هذه المعركة من خلال رفع شعار “إنقاذ الوطن” قبل تغييره بعنوان “التغيير الآن”، وبدأت مغازلة الشعب بخطاب التراجع عن الإصلاحات الهيكلية التي قامت بها حكومة بنكيران (إعادة النظر في إصلاح التقاعد، وإدماج معطلي محضر 20 يوليوز…..)، ثم نزل المشروع السلطوي بكل قواه لتجييش الحراكات والاحتجاجات في الوقت المحظور ضد حكومة بنكيران، وتجييش الإعلام، واستثمار الحياة الخاصة للأفراد من أجل خوض معركة غير نظيفة مع العدالة والتنمية، بالإضافة إلى تجييش النقابات والضغط على رجال الأعمال والباطرونا لإبراز اصطفافها المعلن مع المشروع السلطوي، والضغط على رجال السلطة وأعوانها لدعم هذا المشروع في كل الدوائر، ومحاولة اصطناع ثنائية مفبركة الغرض منها استراق أصوات الأحزاب الأخرى لفائدة البام، حتى وصل الأمر إلى درجة محاصرة خطاب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بمحاولة عزله مكانيا، والمنع الناعم لوسائل النقل من تمكين أنصاره ومتعاطفيه للوصول إلى مكان مهرجاناته، وإقحام شركات التدبير المفوض في المعركة الانتخابية من خلال اتخاذ قرار قطع تزويد الماء لمواطني تطوان في عز الحملة الانتخابية واياما قبل الاقتراع خارج الإطار القانوني.
البعد السياسي في الصراع يظهر أن المعركة في حقيقتها لم تكن مع البام الذي يمثل الواجهة السياسية للمشروع السلطوي التحكمي، وإنما كانت مع هذا المشروع بكل مكوناته وآلياته التي استنفذها وعبأ كل إمكاناته في معركة حسمها الوعي الشعبي بإرادته، من دون أن يحتاج حزب العدالة والتنمية إلى ممارسة ما كانت تقوم به بعض الأحزاب من قلب الطاولة أو التهديد بالطعن السياسي، أو حتى إثارة مسيرات احتجاجية في عز الحملة الانتخابية ضد تورط جزء مهم من رجال السلطة وأعوانها في خرق تعهدات الدولة بالتزام حياد الإدارة وضمان سلامة ونزاهة العملية الانتخابية.
من هذه الزاوية السياسية ينبغي قراءة نتائج الاقتراع، وهي الزاوية نفسها التي تدفع كثيرا من الفاعلين إلى ضرورة الانتباه إلى معادلة الربح والخسارة من جراء الاصطفاف مع المشروع السلطوي أو خدمة بعض مواقعه أو الوثوق ببعض وعوده أو عدم الالتفات إلى خطورة بعض تكتيكاته الانتخابية التي أضرت بالأحزاب الأخرى.
والنتيجة أن البام تقدمت أرقامه ليس على حساب حزب العدالة والتنمية الذي حافظ على رصيده ,أضاف إليه ثقلا انتخابيا جديدا، وإنما على حساب حزب الاستقلال الذي فقد 14 مقعدا، وحزب التجمع الوطني للأحرار الذي فقد هو الآخر ما يقرب من هذا الرقم وكان الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات هو حليف البام الاتحاد الاشتراكي بحوالي عشرين مقعدا.
الأرقام ترسم نتيجة الاصطفاف مع المشروع السلطوي ولو لمرحلة كما هو الشأن في حزب الاستقلال، وتؤكد مخاطر وضع البيض كله في سلته كما حصل مع الاتحاد الاشتراكي، وتكشف أن الاطمئنان إلى بعض تكتيكاته الانتخابية كان التجمع الوطني للأحرار هو ضحيته الأولى.
الرسالة واضحة، لقد كان عنوان المشروع السلطوي هو إقناع هذه الأحزاب بهزيمة البيجيدي، والذي حصل أن البيجيدي فاز ولم يهزم، وأن الذي هزم هو الأحزاب الحليفة للمشروع السلطوي، وأن المشروع السلطوي أكل من حلفائه، وضيع بالتالي مكونات من جبهته السلطوية وقتل الثقة في إمكان استمرار اصطفاف حلفائه إلى جانبه.
نعم تراجع بشكل نسبي حزب التقدم والاشتراكية حليف العدالة والتنمية بسبب آثار القطبية المصطنعة التي روج لها المشروع السلطوي، لكنه عوض هذا التراجع الانتخابي بكسب سياسي مهم، ليس على مستوى استمرار حضوره في الحكومة، ولا على مستوى حجم المقاعد التي سيحصل عليها في حالة تشكيل الحكومة، ولكن على مستوى صورته كحزب ظل صامدا وحاميا لاستقلالية قراره السياسي، رغم تعرضه لضربات قوية، مسجلا في تاريخه السياسي أنه ظل يقاوم المشروع السلطوي بكل قوة من موقعه في الحكومة، ومن موقعه الانتخابي أيضا.