التليدي يرصد مسار ظاهرة “الإرهاب”

اعتبر الكاتب بلال التليدي، أن العنف السياسي لم يكن حكرا على تجربة دون أخرى، وأن المعطيات التاريخية وقاعدة البيانات الغربية الخاصة بحوادث العنف السياسي منذ سنة 1970، تؤكد بأن هذه الظاهرة أشد ما تكون التصاقا بالتجربة الغربية، وبشكل خاص الأوربية.

وأضاف التليدي، في مقال له على “عربي 21″، أن مصطلح الإرهاب، عقب هجمات الحادي عشر من شتنبر، حل محل العنف السياسي بإيعاز وضغط من مراكز التفكير الأمريكية والغربية، ليتحدث عن الإرهاب كحالة ثقافية مصدرها العالم العربي والإسلامي، كما ظهر أن المدخل الأوحد لمكافحة الظاهرة هو التدخل لتأويل الإسلام وتنويره والاتجاه لضبط مجالين اثنين يتصرف فيها المضمون الديني: الحقل الديني، ومناهج وبرامج التعليم.

وتابع أنه مباشرة بعد البدء في تجريب هذه المداخل تحركت أدوات الاستطلاع العالمية لاستمزاج الرأي العام العربي والإسلامي عن سؤال الموقف من الإرهاب، وأنه بقدر ما كان الجواب صارما وأغلبيا بخصوص رفض تبرير الإرهاب دينيا، بقدر ما تنامى الدعم لتنظيم القاعدة في العالم العربي إلى حدود سنة 2006، وتبين من خلال مخرجات  السوسيولوجيا، أن توصيف الإرهاب كحالة ثقافية ليس إلا استعادة بئيسة لأطروحة كولونيالية استشراقية لا يمكن أن تأتي على حل للإشكال، هذا إن لم تزد في تعقيده.

وأشار التليدي، إلى أن انعطافة توصيف الإرهاب، من حالة ثقافية إلى حالة سياسية، اقتضى الدمقرطة في العالم العربي، بما يعني هذا المسار من توسيع هوامش المشاركة وإدماج النخب، والإقرار بالدور المحوري للأحزاب الإسلامية المعتدلة.

وفي السياق ذاته، أشار التليدي، إلى أنه مع أحداث الربيع العربي، برزت إشكالية عميقة، انتهت إلى ما يعرف منطقيا بالدور المستحيل، حيث إن “المصالح الأمريكية والأوربية، وفي مقدمتها الاستقرار ومكافحة الإرهاب، تقتضي دعم مسار الدمقرطة، والدمقرطة تؤدي إلى صعود الإسلاميين، وصعود الإسلاميين يهدد المصالح الأمريكية والأوربية! وانتهى التركيب الواقعي لهذه المعضلة بتعاون وتواطؤ من الأنظمة المستبدة في العالم العربي أو مع بقاياها إلى الاستدارة الكلية عن المدخل السياسي، لفائدة منطق براغماتي غير محسوب العواقب”.

وكشف الكاتب ذاته، أنه مع الربيع العربي سجلت مراكز الاستطلاع بين 2010 و2011 سنة هدوء غير مسبوق على مستوى الأحداث الإرهابية، ولم يكن هناك من تفسير لهذا الهدوء الاستثنائي سوى تأكيد فاعلية المقاربة السياسية والمدخل الديمقراطي، لكن، مع إرهاصات التخطيط لخريف الديمقراطية، وبالتحديد منتصف سنة 2012، عاد الفعل الإرهابي من جديد، وأخذ مع سياسة الفوضى الخلاقة بعدا آخر، إذ صار مرتبطا أكثر بالإرادات الدولية المتصارعة في كل من سوريا والعراق، يقول التليدي.

وخلص التليدي، إلى أن الدلالة الوحيدة التي ينبغي الإمساك بها بعد رصد كل هذه التحولات، أن الالتفاف على المدخل السياسي، بما يعني ذلك من عرقلة المسار الديمقراطي في العالم العربي، ووضع الخطوط الحمر على القوى الديمقراطية والوطنية، سيكون مآله مزيد من تعقيد الظاهرة الإرهابية، ومزيد من التحديات التي لا يمكن احتواؤها على المدى القريب والمتوسط.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.