يعد العنف المدرسي اتجاه الأساتذة ظاهرة حديثة العهد في مؤسساتنا التعليمية، وقد ظهر في الآونة الاخيرة، فهو مجموع السلوكيات، والتصرفات الصادرة من الأفراد ،التي تتنافى والقيم النبيلة، والأخلاق الفاضلة، وتكون في غالبها عدوانية، وبالتالي فالعنف سلوك غير مقبول اجتماعيا.
فماهي الأسباب الكامنة وراء تفشي ظاهرة العنف المدرسي؟ وماهي الحلول التي يمكنها الحد من هذه الظاهرة؟
إفلاس قيم المجتمع
عبد الإله دحمان، الكاتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، قال إن “العنف بشكل عام هو ظاهرة مجتمعية وليس منتوجا مدرسيا، أي أن حالة الإفلاس العام في القيم وفي الأخلاق التي تسود الآن عملية تحول المجتمعات في ظل العولمة والتحولات الكبرى على مستوى العمران البشري، عجزت مؤسسات التنشئة الاجتماعية عن مواكبتها سواء على مستوى الإعلام أو المدرسة أو الأسرة أو غيرها من المؤسسات المجتمعية الأخرى”.
وأضاف دحمان في حوار أجرته معه يومية المساء، ليوم الخميس 09 نونبر الجاري، أن “ما يقع داخل مؤسساتنا هو رجع الصدى لما يسود داخل المجتمع، ويعكس الفجوة بين المؤسسة التعليمية ومحيطها، ويختزل أزمة وظيفة المدرسة بشكل عام في المدرسة أو المؤسسة التعليمية في بيئة شاملة تحتوي على فئات مختلفة من الأجناس، وهي النموذج المصغر للمجتمع الذي يحتضنها، وبالتالي انعدام التأثير المتبادل بين المجتمع و المدرسة يفاقم تعبيرات العنف المختلفة”.
دور الدولة ثم المجتمع في تبخيس صورة المعلم
بدوره، قال رشيد الجرموني، الخبير في علوم التربية، إن ظاهرة العنف المدرسي تعود لعدة عوامل أساسية، أولها مرتبط أساسا بسياق سيوسيو تاريخي، مشيرا إلى أنه في سنوات السبعينات والثمانينات، عندما كان الصراع على أشده حول السلطة بين التوجهات اليسارية وتوجه الدولة ، كان التعليم هو العنصر الأساسي في تحريك هذا الصراع.
وأضاف الجرموني في تصريح ل pjd.ma، أن “الدولة كانت تنظر إلى التعليم باعتباره قطاعا غير منتج ومشوش، ومارست عليه عنفا متعدد الأبعاد، ففي البداية كان هناك الوصم، وبعد ذلك بدأت سلسلة العنف المادي المرتبط أساسا بتبخيس قيمة التعليم، من خلال إجراءات مادية ملموسة كتجميد الأجور وتوقيف الترقيات، وغيرها من الإشكالات التي عانى منها رجال التعليم”.
وتابع المتحدث ذاته، أن “المرحلة الثانية عرفت انتقال هذا الخطاب وهذا السياق إلى المجتمع، الذي بدأ ينظر إلى التعليم باحتقار وازدراء، وصار مادة فنية للعديد من المسارح التي جعلت من المعلم مسخرة وأضحوكة”.
وأضاف، أنه قد “وصلنا اليوم إلى المرحلة الخطيرة جدا، حيث انهارت صورة رجل التعليم ، والتصقت هذه الصورة بأنه لم تعد هناك أهمية لرجل التعليم الذي فقد سلطته المعرفية، وبدأ الطفل ينظر إليه على أنه مسكين، وصار يعبر عن ذلك من خلال ممارسة عنف مادي.
انحدار قيمي يهدد المجتمع
دحمان بدوره، يرى أن “التبرير لم يعد مجديا، والتواطؤ بالصمت لم يعد مقبولا، لذا يجب في إطار المسؤولية الجماعية لكل مكونات القطاع والمجتمع والدولة أن تتحرك لأن مايقع مؤشر خطير على انحدار قيمي يهدد المجتمع بشكل عام وليس الأسرة التعليمية التي تعتبر ضحية اليوم”.
سيكولوجية الرعب نتاج للعنف
وعن الحل الكفيل بمعالجة هذه الظاهرة، أكد الجرموني، أنه يجب تأمين المؤسسات التعليمية، إذ “لا يعقل أن تُدرِس وأنت خائف، فالحالات التي تقع، تؤسس ل”سيكولوجية الرعب”، بحيث لا تصبح المؤسسات التعليمية آمنة”. مضيفا أنه يجب إعادة الاعتبار للمدرسة للمدرسة والمدرسين، عن طريق المصالحة معهم ماديا ورمزيا، ويجب أن تكون لدى الحكومة الجرأة للقيام بإجراءات عملية لتحسين صورة المدرسين وإعادة الاعتبار لهم.
وتابع المتحدث ذاته، أنه “يجب إطلاق سلسلة من الدراسات لإعادة الإعتبار لمنظومة القيم داخل المدرسة المغربية” ، مشيرا إلى أنه من الضروري “معالجة التلاميذ الذين يعانون من مشاكل نفسية واجتماعية، وهذا دور المساعدين الاجتماعيين والنفسيين”.
وفي هذا السياق، طالب الجرموني بعزل التلاميذ العنيفين، في أقسام خاصة، ومعالجتهم وفق برنامج تربوي خاص، حتى يستطيعوا الإندماج مع بقية التلاميذ العاديين.