نورالدين قربال
تتصف الهجرة بكونها داخلية أو خارجية، اختيارية أو إجبارية، دائمة أو مؤقتة، شرعية أو غير شرعية…ودوافعها متعددة، البطالة، التضخم السكاني، السعي لتحسين الأوضاع المادية، دوافع سياسية، السعي لاكتساب خبرات علمية وعملية…ومن إيجابياتها التواصل، الحصول على الشهادات، اكتساب الخبرات ، التنوع…إذن الهجرة حاجة ويبقى الاندماج إشكالا. وهو عالمي. أكثر مما هو إقليمي. لأنه كلما تطورت الحياة تطورت إشكالات الهجرة: من الهجرة الفردية والمؤقتة إلى الهجرة العائلية والدائمة. من هجرة اليد العاملة إلى هجرة الكفاءات، والهجرة الشرعية كمكمل للهجرة القانونية، إضافة إلى ارتفاع نسبة النساء المهاجرات، ونسبة الزواج المختلط، ونسبة التجنس، وارتفاع عدد الأطفال الأجانب في المؤسسات التعليمية. ومن أجل تبسيط آليات الاندماج لا بد من التركيز على التعليم والتكوين والتربية والاهتمام بالمؤهلات والقضاء على المحسوبية وتحقيق مبدأي العدل والإنصاف وتوفير العمل وتشجيع الاستثمار والتحفيز على المشاركة السياسية….
وحسب تقارير الأمم المتحدة فإن أكثر من مئتي وخمسين مليون نسمة تهاجر في العالم. 65 في المئة يهاجرون اضطرارا، و25 مليون لاجئون أو طالبون اللجوء. و50 في المائة من المهاجرين أفارقة. وقد وضعت الأمم المتحدة خطة للتنمية المستدامة إلى غاية 2030 تصب في هذا المجال. ومن تم فلا مناص من مقاربة شمولية يساهم فيها العالم كله. لان الهجرة لم تبق ظاهرة اجتماعية بل هي إشكال عمومي يحتاج إلى سياسة عمومية عالمية. حفاظا على التوازن العالمي. خاصة إذا أضفنا القلاقل السياسية والحروب وتأثيرها على مسارات الهجرة.
أمام هذه الإشكالات نطرح الأسئلة التالية:
-هل نطور التنمية بما فيها التنمية البشرية؟
-هل نحضر برامج للتنمية لمواجهة إشكالات الهجرة؟
-هل ندمج حلول للهجرة أثناء تحضير مخططاتنا التنموية؟
-هل أوجدنا بنيات مؤسساتية خاصة بالهجرة والتنمية؟
-كيف ننسق تنسيقا مؤسساتيا من اجل النظر وحل إشكالات الإدماج؟
-هل وفرنا آليات للتشاور والتتبع والتقويم لموضوع الهجرة؟
-ما نسبة البحوث حول موضوع الهجرة وطنيا ودوليا والاجتهاد في التطبيق والممارسة؟
وحسب الإحصاءات الرسمية فإن المهاجرين القادمين من إفريقيا يمثلون حوالي 25 دولة. 16في المئة من نيجريا من العدد الإجمالي. و13 في المئة السينغال. والكوت ديفوار 9 في المئة. وغينيا والكامرون 7 في المئة. والذكور 79.07 في المئة. والإناث 20.03 في المئة.
وقد عرف المغرب تدفقا كبيرا للمهاجرين خاصة الأفارقة. مما يجعله أمام اختيارات صعبة. تساهم فيها العلاقة الجيدة مع إخوانه الأفارقة، ومصادقته على مجموعة من الاتفاقيات الداعية إلى احترام حقوق الإنسان بالإضافة إلى موقعه الجغرافي الذي حباه الله إياه مما يجعل منه موقعا استراتيجيا بمنطق العلاقات الجيوسياسية. بالمقابل موارده متواضعة من أجل استيعاب كل المهاجرين. وبذلك نجد جدلية متواصلة بين دول الأصل والعبور والاستقبال. ونداء القيم المغربية يدفع المغرب إلى البحث عن الحلول مهما كثرت. لذلك اصبح رائدا في هذا الباب خاصة على المستوى الإفريقي.
وقد اعتبرت الهجرة إشكالا عالميا، ومن تم قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع تنظيم المؤتمر الدولي الحكومي للهجرة يومي 10و11 دجنبر 2018 بالمغرب.رافعين شعار: الهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة. ومن خلال هذا الشعار نستنبط أن المنتظم الدولي ليس ضد الهجرة وإما أضفى عليها صفات الأمن والنظام والانتظام.
وللإشارة فقد أطلق جلالة الملك مشروعا سياسيا لأنسنة الهجرة ابتداء من سنة 2013 ومازال يعطي ثماره إلى يومنا هذا.
وبعد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في يناير 2017 طرح جلالة الملك رؤية موحدة وخلاقة رافعا المغرب شعار صياغة خطة عمل افريقية بشأن الهجرة. معتبرا جلالته أن الهجرة غير الشرعية بإفريقيا لا تشكل إلا 20 بالمائة. من الحجم الإجمالي. داعيا إلى التعامل مع الهجرة كمصدر قوة ايجابية وليس كإكراه أو تهديد. وكون مستقبل إفريقيا مرتبط بالشباب فلابد من وضع سياسة إرادية موجهة نحو الشباب مركزين الطاقات على التنمية. العمل سويا لما فيه مصلحة أجيالنا الصاعدة وإفريقيا الجديدة. مستحضرين التربية والتعليم العالي والتكوين المهني. وفي شهر دجنبر من سنة 2017 تم الاتفاق بين المغرب والنيجر على المساهمة في حل هذه الإشكالية بناء على مقاربة شمولية تتجلى في التنمية المشتركة واستحضار الرهان المشترك، وفتح الحوار الصريح والصادق بين دول الاصل والعبور والاستقبال. والتعاون المشترك، وتقوية الشراكات الثنائية والمتعددة.
وقد سبق القول بأن جلالة الملك أعطى الانطلاقة لإستراتيجية إنسانية وشاملة ومسؤولة لمواجهة تحديات الهجرة. تسعى لتسهيل اندماج المهاجريين ومحاربة الاتجار في البشر، وإحداث إطار مؤسساتي خاص بالهجرة، وتسهيل إدماج المهاجرين بالمغرب في النظام التعليمي والتكوين المهني والثقافية المغربية. وضمان الحصول على العلاج، وتحقيق الحق في السكن، والمساعدات القانونية، والحصول على العمل، ونتج عن هذه الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء لجنة وزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة.
وأكد المفوض السامي المساعد للحماية بالمفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين “فولكر تورك” أن المغرب أضحى نموذجا يحتذى في المنطقة في مجال تدبير قضايا الهجرة واللاجئين. لكن كيف ندعم المغرب من اجل الاستمرارية في حل مشاكل الهجرة.؟ وقد عبر الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة السيد عبد الكريم بنعتيق على أن التجربة المغربية في هذا المجال تجربة جريئة ونموذجية.
وأخيرا وليس آخرا نؤكد على حل إشكالية الهجرة مرتبط بتعزيز التعاون الدولي المتعدد الأطراف. خاصة على المستوى الحقوقي والتنموي مع إحداث التفاعل الدائم بين الهجرة والتنمية.واعتبار المجتمع المدني شريكا استراتيجيا في حل المشاكل ووضع السياسات العمومية وتتبعها وتقويمها. وهذا ما يتطلب وضع آليات تنسيقية بين المؤسسات. مع التركيز على حاجيات وتطلعات الشباب.