محمد عصام
إنها لم تكن مجرد لافتة نشاز داخل فضاء ونشاط خاص لا يعني إلا أصحابه من القيمين عليه وضيوفهم؛ بل كانت رسالة في غاية الوضوح وبكل البينات التامات الكاملات؛ أن من يراهن على أفول رجل اسمه ابن كيران واهم؛ ومن يعتقد أنه يمكن أن يحفر أخاديد البعاد والضغينة بين العدالة والتنمية وابن كيران واهم؛ وأن من يحلم بشبيبة عدالية يُؤكل الثوم بفمها بلا وعي في اللعبة المقيتة إياها ” فرق تسد” واهم أيضا؛ والأكثر وهما من كل هؤلاء من لم يدرك أن ابن كيران والعدالة والتنمية قد وسعتهما قلوب المغاربة بكل طواعية وحب؛ وانهما فكرة قد تم زرعها بأعين الله؛ أصلها ثابت وفرعها في السماء؛ تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها؛ تلك إذن رسالة تلك اللافتة التي ارتفعت في مدرجات قاعة الامير مولاي عبد الله إبان الجلسة العامة للمؤتمر الوطني لشبيبة العدالة والتنمية؛ وهي تلخص اللحظة السياسية في كثافتها وتختصر مفرداتها في كلمات خفيفات على اللسان ثقيلات في الميزان.
لقد شكلت محطة المؤتمر الوطني للشبيبة استمرارا شرعيا لا شك فيه ولا مراء؛ للحظة المؤتمر الوطني الثامن لحزب العدالة والتنمية وما ترتب عنه من ترميم للذات في أفق استعادة المبادرة واحتواء ضربة ما بعد البلوكاج الشهير؛ فكثيرون ممن يبيعون الوهم ويراهنون على السراب؛ ستفجعهم هذه اللحظة بما أنبتت من بهيج المعاني؛ وبينات النضج؛ من كون شبيبة المصباح غصن من هذا الدوح المبارك؛ القائم على الركون المستبصر الى ركن الديمقراطية الرشيد؛ والانحياز التام والكامل واللامشروط إلى الفكرة الإصلاحية في كل ألقها وجذوتها؛ مع الوعي اللازم باستحقاقات اللحظة باكراهاتها ومطباتها ولكن أيضا تمسكا كاملا بتعهد أمل المغاربة في التغيير بكل تؤدة وتبصر.
لقد حرص ابن كيران وقبله الكاتب الوطني للشبية الذي أسلم المشعل لخلفه بإحسان في هذا المؤتمر الاستاذ خالد البوقرعي؛ على أن العدالة والتنمية جسم واحد مهما توهم البعض أو تمناه؛ وأن شبيبته تأبى أن لا تكون بلا لون ولا طعم ولا رائحة؛ وأن العدالة والتنمية ليست قوسا يمكن إغلاقه متى شاءت إرادة النكوصيين المرتدين على أعقابهم؛ بل هي حلم المغاربة ما استمر النهج ذاته واستمسك بالاصول؛ وأنها ليست حاشية على هامش السياسة في هذا البلد؛ بل هي مكون أساسي يتمتع باستقلالية تامة وكاملة للدفاع عن قراراته والانحياز الكامل لهذا الشعب الذي منه وإليه المنبت والمصير؛ وتلك أيضا كانت رسالة كلمة الامين العام ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني.
وليكتمل هذا البنيان ويستوي على عوده؛ كان لزاما في هذه الفرصة؛ من تحرير مناطات وظيفة العدالة والتنمية باعتباره أداة إصلاحية؛ تنطلق من التمسك بثوابت الوطن وعلى رأسها مرجعيته الدينية والقيمية الحضارية؛ ثم كسبه التاريخي ممثلا في الملكية وإمارة المؤمنين؛ لكن في إطار معادلة دقيقة؛ تضيف مُعامِل الانفتاح والوسطية والتجديد؛ و تمهر الولاء بواجب النصح؛ و الاستمساك بالثوابت بضرورة الحفاظ على الاستقلالية وحماية القرار الداخلي من كل مصادرة أو تبعية لأي جهة كانت؛ مع ضرورة الانحياز الكامل لهذا الشعب المغربي العظيم؛ الذي أبان في كل المحطات على أنه يمتلك من الوعي ما يكفيه لكي يتعرف على خصومه وأن يستبين أصدقاءه من أعدائه؛ وهو الأمر الذي استنفر وما يزال الآلة الرهيبة للاعلام في تشويه صورة طلائع الإصلاح في هذا للبلد وحفر الأخاديد بين الشعب والشرفاء من ممثليه؛ وبث الضبابية والتيئيس من العملية السياسية برمتها؛ حتى يخلو لهم المجال ليعيثوا كما ألفوا فساد وإفسادا في هذا البلد الأمين وثرواته.
ليس صدفة أن يتعمد ابن كيران الوقوف عند موقف ذي دلالة خاصة؛ في خطبته امام مؤتمري الشبيبة؛ ويتعلق الأمر بالمقاومة الشرسة التي أبداها رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني من موقعه؛ تجاه نزعات تتبيث الريع وحمايته؛ فيما يتعلق بمعاشات البرلمانيين؛ وفي تنويهه أيضا بفريق العدالة والتنمية حين تقديمه لمقترح قانون لالغاءتلك المعاشات؛ فليس بالهين ولا بالسهل؛ أن يتصدى رئيس الحكومة بكل الحزم لمحاولة تحويل المال العام إلى غنيمة تنعش صناديق غير عادلة تنتج الريع وتحميه تحت أي مبرر كان؛ وهو ما يكشف أن العدالة والتنمية كما كانت فإنها ستبقى؛ روحا وفكرة إصلاحية منحازة الى الشعب؛ تقاوم من داخل المؤسسات حماية للمال العام ونصرة لقضايا الوطن والمواطنين؛ ولهذا نفهم هذا السكوت غير المفهوم للآلة الاعلامية إياها وتحاشيها الحديث عن الموضوع وصومها عن الكلام فيه؛ وهي التي كانت تحصي الانفاس وتتعقب الشاذة والفاذة؛ وتنفث الاباطيل كلما تعلق الأمر بالمساس بالعدالة والتنمية ورجالاتها في كل المواقع وإن اقتضى الأمر الافتراء واختلاق الوقائع وإنشاءها إنشاء.
أليست هذه الرسائل لوحدها كافية ان تبوئ ابن كيران رتبة ” ابن كيران ديالالمغاربة كاملين” ؟ أليس المغاربة في حاجة الى من يبث فيهم هذا الأمل بكل هذا الوضوح؟ أليست العدالة والتنمية بابن كيران وبالعثماني وبالبوقرعي وامكراز وبكل رجالاتها أملا مستحقا -بطبيعة الحال مع كل الشرفاء والممانعين في هذا الوطن- يليق بـ”المغاربة كاملين”.