العمراني : اتهامنا بالولاء للإخوان المسلمين تهمة رخيصة لا تصمد تاريخيا وواقعيا

13.10.03
أكد سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أن حزب العدالة والتنمية لم يتسلم شؤون الحكم بل تسلم قيادة التجربة الحكومية في ظل الدستور الجديد للمملكة، وعبر رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة، بحزب العدالة والتنمية، عن أسفه للذين لم يستطيعوا الصبر على إخراج معاوله ولم يمهلوا رئيس الحكومة المعين في 29 نونبر 2011 يوما واحدا، فانطلقوا، يقول العمراني في حوار مع أسبوعية “الوطن الآن” عدد الخميس 3 أكتوبر الجاري، ” في قصفهم السياسي والإعلامي للتجربة السياسية الجديدة التي عرفها المغرب بعد الاقتراع التاريخي ل 25 نونبر، ومن تلك التهم التي شكلت مادة لهذا القصف الاتهام الوارد في سؤالكم كون حزب العدالة والتنمية ناطقا رسميا للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين بالمغرب”، وهي تهمة نعتها العمراني بالرخيصة التي “لا تصمد تاريخيا وواقعيا”,
كما تحدث العمراني، عن اشكالية منهجية، ترتبط بطبيعة تصور حزب العدالة والتنمية، لحدود العلاقة بين العام والخاص، وبين الشانين الحكومي والحزبي، وبين الحرية والمسؤولية، محيلا على القاعدة الذهبية الرأي حر والقرار ملزم، التي لم يستوعبها جزء من النخبة بما يكفي.
وفيما يلي النص  الكامل للحوار :

1)  منذ تسلمكم شؤون الحكم بالمغرب وخصومكم يوجهون سهام الاتهام لحزبكم بكونه (أي الحزب) أصبح ناطقا باسم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بالمغرب. ما هو تعليقكم؟
دعني أولا أن أدقق جزءا من سؤالك، نحن لم نتسلم شؤون الحكم بل تسلمنا قيادة التجربة الحكومية في ظل الدستور الجديد للمملكة، وبالرجوع لسؤالك فإن بعض خصومنا لم يمهلونا كما تمهل الحكومات في الأنظمة الديمقراطية، بل انطلقوا في ذلك فور تعيين الحكومة الجديدة في 3 يناير 2012 وقبل التنصيب البرلماني لها، بل منهم من لم يستطع الصبر على إخراج معاوله ولم يمهل رئيس الحكومة المعين في 29 نونبر 2011 يوما واحدا، فانطلقوا في قصفهم السياسي والإعلامي للتجربة السياسية الجديدة التي عرفها المغرب بعد الاقتراع التاريخي ل 25 نونبر، ومن تلك التهم التي شكلت مادة لهذا القصف الاتهام الوارد في سؤالكم كون حزب العدالة والتنمية ناطقا رسميا للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين بالمغرب، وهي تهمة رخيصة لا تصمد تاريخيا وواقعيا.
فلم يكن قط أي فصيل للحركة الإسلامية المغربية امتدادا تنظيميا للتنظيم الدولي، وهو الاختيار الذي ينسجم مع اختيار المغاربة منذ قرون بإبقاء المغرب دوما مستقلا عن الدولة العثمانية وعن كل الدول الخارجية، وإن حكَمت علاقات المغرب مع تلك الدول علاقات التواصل والتعاون، وفيما يتعلق بحزب العدالة والتنمية فإن أمينه العام الأستاذ عبد الإله ابن كيرانقد بادر إلى التصريح بداية فبراير 2013 لممثلي بعض المنابر الإعلامية العربية “نحن من مدرستهم لكن ليست لنا علاقة تنظيمية معهم، عندنا تطورنا الخاص، وفكرنا الخاص، ومؤسساتنا الخاصة”.

لقد رسم العدالة والتنمية لنفسه نهجا سياسيا أصيلا، نابعا من مرجعيته الإسلامية ومن ثوابته واختياراته الوطنية لكن أيضا بتفاعل مع العطاء الإنساني الخلاق، ولا ضير لديه أن يلتمس “الحكمة”أنى وجدها لكنه نَحَت منهجه باستقلالية واجتهاد مما جعله – وبشهادة المنصفين من داخل الوطن ومن خارجه-  مدرسة سياسية ملهمة للعديد من التجارب وإن تقدمت علينا في الزمن، والناظر في منهج العدالة والتنمية الذي يدير به اليوم الشأن العام والشأن الحكومي خاصة سيجد أساسياته اختيارا ذاتيا لا تماهيا مع الغير..
إن نصرة الاختيار الديمقراطي والتنديد بنزعات النكوص عن إنجازات الربيع العربي هنا أو هناك لا يمكن أن يرفعا تهمةً في وجهنا ولا قنطرة للتشكيك في وطنيتنا ولا سبيلا لإقامة الدليل على أي ارتباط خارجي لنا، بل إن ذلك من صميم مقتضيات تموقعنا الديمقراطي الذي أملته علينا أطروحتنا السياسية، وقناعتنا أنه لم تعد للاصطفافات الإيديولوجية والمذهبية القدرة على الاستجابة لرهانات المرحلة السياسية التي تعيشها أوطاننا..

2)  لكن من النقط التي تثار دائما أن مركز القرار بالحكومة التي يسيرها عبد الإله ابن كيران لا يوجد في حزب العدالة والتنمية بل داخل حركة التوحيد والإصلاح، بالنظر إلى أن هذه الحركة هي التي توجه الحزب الحاكم وبالتالي توجه الحكومة؟
إن حركة التوحيد والإصلاح حركة مدنية تشغل بأدوات العمل المدني وتبدي رأيها في قضايا الشأن العام كما يخول لها ذلك ميثاقها، وحزب العدالة والتنمية حزب سياسي يشتغل بالأدوات السياسية وفق اختياراته التي نصت عليها وثائقه المرجعية، وبقدر ما يلتقي التنظيمان في الثوابت الوطنية الكبرى وفي الرؤية العامة للإصلاح ونهضة المجتمع، فإنهما يفترقان مؤسساتيا وتنظيميا وعمليا، لذلك لا يتصور من الحركة أن ”تحشر أنفها” في قضايا التدبير السياسي التي هي شأن السياسيين، كما أن الحزب لن يحيد عن الاشتغال بالشأن السياسي فيتحول إلى الدعوة والتربية، ويجب التأكيد هنا أن هذا الاختيار الواعي والإرادي هو أحد إبداعات هذه المدرسة الفكرية التي أنتجت الحزب والحركة والتي تحدثنا في جوابنا السابق عن بعض معالمها البارزة، لذلك ما فتئ العديد ينوه بهذا النموذج وكونه أحد العواصم( جمع عاصم) من القواصم التي وقعت فيها تجارب عديدة على امتداد الرقعة العربية..

وبالمناسبة حبذا لو انبرت جهة بحثية إلى دراسة هذا النموذج دراسة علمية متأنية، لإبراز وتسويق هذا النموذج لمن لم يطلع عليه بعد ولتعميم فائدته التي لا يقدرها من جهلها..
أما القول بكون مركز القرار الحكومي يوجد في الحركة، فهو من شر البلية التي تضحك، لأن القول بذلك يعد انتقاصا من حلفاء العدالة والتنمية في الحكومة واستخفافا بالبرنامج الحكومي الذي يعكس الإرادة المشتركة للأغلبية، وفضلا عن هذا وذاك فكيف يتصور  تأثير الحركة في الحكومة عبر الحزب والحال أن الحزب لا سلطة له على الحكومة ولا نفوذ للحركة عليه..
وعموما يمكن للأسف القول أن البعض يضيع وقته ووقتنا ووقت المغاربة في هذه القضايا التي ليس وراءها عمل بل هي من الملهيات التي أصبحت مادة لاستراتيجية إشغال واستدراج الحكومة والحزب بالتوافه من أجل الإنهاك..

3)   ارتباطا بذات السؤال، يستشهد خصومكم بكون الوزير عبد الله باها ما أن انتقد سلوك الإخوان المسلمين في مصر عقب عزل الرئيس مرسي حتى تراجع عن أقواله في اليوم نفسه بعد تأنيبه من طرف رئاسة حركة التوحيد والإصلاح. لماذا تدخل الحمداوي لرد باها إلى جادة الصواب؟
انتقاد الأستاذ عبد الله بها لسلوك الإخوان المسلمين ولمنهج مرسي نفسه في الحكم نابع بالتأكيد من قناعته الشخصية التي لا يملك أي أحد مصادرة حقه فيها، وليس الوحيد من بيننا الذي يقول بذلك، ولا أعلم تراجعه عن هذه الشهادة وأبرئ الأستاذ محمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد والإصلاح أن يتدخل في قناعات الغير، فهذا ليس من منهجنا الذي يقوم على القاعدة الذهبية” الرأي حر والقرار ملزم”، وهل أصبح ”الإخوان المسلمون” معصومين حتى لا ينتقدوا؟؟ وهل حالتْ عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم دون إبداء الصحابة لرأيهم له فيما يحتمل الرأي؟؟ ألم يخالف عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسول الله عليه السلام في عدة مواطن ذكرتها كتب السيرة وانتصر الوحي في النهاية لعمر؟؟


4)  حينما خرجت زوجة بنكيران للتظاهر تضامنا مع حركة الإخوان المسلمين في مصر، صدمت الطبقة السياسية لسلوك زوجة المسؤول الحكومي الأول بالبلاد بالنظر إلى أن تلك الخرجة اعتبرها ملاحظون رسالة من عبد الإلاه بنكيران من كونه هو المتظاهر وليس زوجته فقط. هل ناقشتم هذه التداعيات في حزبكم من جهة؟ ألا تشكل قيادة “البيجيدي” للمظاهرات ضد مصالح المغرب الجيوستراتيجية تشويشا من جهة ثانية؟
إذا كانت القضية المثارة في هذا السؤال، من جملة القضايا التي أثارها ويثيرها البعض للتشويش على الحزب وعلى الحكومة في هذه المرحلة، إلا أنها تثير في العمق إشكالية جوهرية تتصل بطبيعة تصورنا لحدود العلاقة بين العام والخاص وبين الشأن الحزبي والشأن الحكومي وبين الحرية والمسؤولية وغيرها من الثنائيات التي تتماهى فيما بينها عند بعض ممن فقدوا القدرة على الإبصار الجيد، لذلك لا بد من التوقف عندها مليا لمناقشة الأسس التي تستند عليها الأطروحة التي تعكسها الإشكالية المطروحة في السؤال..

–       يجب الإقرار ابتداء أن جزء من النخبة غير مستوعب بعد بما يكفي لمنهج حزب العدالة والتنمية في تدبير الرأي داخل صفوفه، وهو التدبير الذي يقوم على الاحتكام للقاعدة الذهبية المشار إليها سابقا وهي ”الرأي حر والقرار ملزم” والتي تكرست قانونيا في ثنايا نص النظام الأساسي للحزب منذ سنة 2012. إن من صميم ممارستنا الديمقراطية الداخلية أن تتداول الهيئات في القضايا أو الاختيارات أو الترشيحات وتتخذ القرارات النهائية بالتوافق أو بالتصويت وتصبح بعد ذلك تلك القرارات هي منتوج الإرادة الجماعية والتعبير الرسمي عن مواقف الحزب دون أن يصادَر حق المختلفين في استمرار إبدائهم الاعتراض على المواقف المتخذة وفق الضوابط المؤسساتية التي أقرها النظام الداخلي للحزب، بل إن تقدير الحزب للآراء المخالفة يكفل لأصحابها حق التعبير الشخصي عنها بكل حرية، بل وممارستها بشكل فردي عند الاقتضاء، ولعل الساحة التطبيقية لهذا النهج والمعبرة عنه أكثر هو الموقف من الخروج مع حركة 20 فبراير.. فقد اتخذت المؤسسة الحزبية المخولة موقفها من الموضوع غير أنها لم تتدخل في المواقف الشخصية المخالفة لبعض قيادييها وأعضائها، رغم تقدير صعوبة القضية وخصوصيتها ودقة السياق الذي أنتج تلك المبادرة..

–       إن الدلالة الواضحة لهذا النهج هو أن حزب العدالة والتنمية بمرجعتيه ومبادئه يؤمن إيمانا عميقا بالحرية كقيمة إنسانية عليا وكحق منحه الله تبارك وتعالى قبل ذلك للبشر أن يتصرفوا وفق ما يريدون حتى في أخطر القضايا المتصلة بوجودهم وهو الإيمان أو الكفر على أن يتحملوا مسؤولية اختياراتهم، وهي القاعدة الإلهية التي تجد لها تمظهرات في دساتير وقوانين الدول المعاصرة كما لا يخفى.. فإذا كان حزب العدالة والتنمية يصون حرية أعضائه ومسؤوليه في التعبير أو التصرف المخالف، وفق الضوابط المحددة، فكيف يمكنه أن يتدخل في حرية من ليسوا أعضاء أو مسؤولين فيه وإن ربطت بينهم وبين الأمين العام أو أي مسؤول آخر في الحزب علاقات عائلية؟..

–       إن إيماننا بالحرية وتكريسنا لها في علاقاتنا ومواقفنا هو ما يفسر كون أبناء أو بنات أو زوجات أو آباء أو أمهات بعض قيادات الحزب ليسوا أعضاء في الحزب، فما يمكن لتلك القيادات وما ينبغي لها أن تَحْمِل أقاربها على حمل قناعات أو تبني مواقف لم تنبع من قناعاتها الذاتية،من قبيل الانخراط قسرا في الحزب أو الخروج في حملاته الانتخابية أو حضور أنشطته السياسية أو الامتناع عن تلك التي يقاطعها ..

–       ودعني أقل لك، إن الأمر لا يتعلق فقط بحزب تبنى هذا النهج في تدبير حرية الاختلاف داخل صفوفه ومع محيط أعضائه ومسؤوليه، بل يتعلق أكثر بخصوصية مميزة تطبع النسيج الاجتماعي للمغاربة.. لقد تعودنا أن نرى داخل الأسرة المغربية الواحدة تعايشا لأنماط فكرية وسياسية وفكرية مختلفة بل متنافرة ومتناقضة أحيانا، فقد تجد فيها المتدينكما تجد المنحرف عن هدي الدين، وقد تجد السياسي والنافض يديه من السياسة، وقد تجد فيها المنخرطين في أحزاب مختلفة تحكم بينها الصراعات أو تتفرق بها سبل التموقعاتوالاصطفافات..

–       إن من قرءوا في خروج زوجة رئيس الحكومة أو نجله للمظاهرة المنددة بالانقلاب على الشرعية في مصر تلك القراءة أو صدموا منها كما ورد في سؤالكم قد حمَّلوا الموضوع ما لا يحتمل وإن كانوا في العمق من حيث وعووا أو لم يعوا قد وقعوا في المصادرة على المطلوب..

–       إن حزب العدالة والتنمية حزب مسؤول ولم يكن قط من منهجه توزيع أو تبادل الأدوار ولا تفويض البعض بتصريف مواقف غير رسمية، فهذه ممارسة فاسدة طبعت السلوك السياسي لجزء من نخبتنا السياسية، لذلك فمن يكتب أو يصرح أو يعلن مواقف غير مواقف الحزب الرسمية فإنما يَصْدُر في ذلك عن إرادته الشخصية وعن قناعاته الذاتية التي قد لا تصيب دائما أو قد لا تنضبط للقواعد المؤسساتية المقررة.. لذلك لا يُتَصور بأي حال من الأحوال أن يعهد رئيس الحكومة أو الأمين العام للحزب لقريب له أو ”مقرب منه” بتصريف موقف عجز هو عنه فليس هذا هو عبدالإله ابن كيران الذي نعرفه ويعرفه المغاربة..

–       إن ما أثير في هذا السؤال فرقعة إعلامية ولم تشكل لنا في الحزب قضية صحيحة حتى تستحق أي نقاش داخلي، فتعبير عضو في الحزب أو مشاركته في تظاهرة لا يمكن أن يمس المصالح الكبرى للمغرب، فلهذه المصالح مؤسسات دستورية ترعاها وشعب يقظ يحميها، ومن العبث القول أنها يمكن أن تتهدد بموقف هنا أو خرجة هناك أو تغريدة هنالك.. 

5) في كل مرة يخرج قادة الحركة والحزب في خرجات حادة تستهدف المؤسسة الملكية أو تستهدف ما تآلف عليه المغاربة خلال قرون دون أن يتبرأ الحزب أو حركة التوحيد والإصلاح من مخاصمة موروث المغاربة (نموذج أحمد الريسوني مثلا). لماذا هذا الصمت؟
غير صحيح. متى خرج قادة الحزب أو الحركة مستهدفين المؤسسة الملكية أو ما أجمع عليه المغاربة؟؟ إن مواقف الحزب ومواقف قيادته وأمينه العام خاصة من المؤسسة الملكية ومن الثوابت الكبرى للمغاربة، أشْهَرُ من نار فوق علم. لن يزايد علينا أحد، ولعبة السعي إلى الإيقاع بين المؤسسات لم ولن تجدي نفعا.. إن بعض التعبيرات لا تعدو أن تكون آراء شخصية في قضايا تحتمل الرأي والرأي الآخر وليست من جملة القطعيات الوطنية بالضرورة ، خصوصا إذا استندت إلى اعتبارات دستورية أو قانونية ..

6)   منذ مجيء عبد الإلاه بنكيران تحول المغرب إلى محرقة تأتي على الأخضر واليابس وتم اتهام موظفي الدولة بالتعجرف ومدراء المؤسسات العمومية بالفساد. وحدهم المنتمون لعائلة بنكيران سياسيا الذين لا يحملون لوثة ما. ما السر وراء غرور عبد الإلاه بنكيران الذي يوهم الآخرين بأن المغرب أصابته “قنبلة نووية” وجاء هو وحزبه لإعادة بناء البلاد؟
لقد جاءت إرادة المواطنين عقب الاقتراع التاريخي ل 25 نونبر بعبد الإله ابن كيران إلى رئاسة الحكومة، عقب الربيع العربي الذي أسقط أنظمة في بلدان أخرى وأخرج الناس إلى الشارع كما كان في بلدنا، وشهدت سنة 2011 حراكا شبابيا واحتجاجات ساءلت الأوضاع وبعض رموز الفساد والاستبداد، وقبل ذلك وحينهعانى المواطنون من تصاعد الإضرابات العبثية واحتلال الإدارات والمحاكم وتوقف الخدمات العمومية في العديد من المرافق الحيوية والاستقواء بالشارع من أجل التوظيفات المباشرة وغيرها من الممارسات التي لم تُمْحَ من ذاكرة المغاربة، وبعد مجيئ الحكومة الجديدة برز منطق جديد وجريء في تدبير الشأن العام أعاد الاعتبار للمرفق العام ولقاعدة دولة القانون والمؤسسات، فلم تَسْتَعِدْ مرافق الدولة وظيفتها وحيوتها فحسب ولكن أيضا عاد الهدوء للشارع واستقرت الأوضاع ونَعِم المغاربة بالاستقرار الذي في ظله تحقق الإصلاح الدستوري قبل سنتين، وفي ظله سيواصل المغرب إنجاز الإصلاحات الكبرى التي انطلق قطارها..
لذلك من يقول إنه منذ مجيء عبد الإله ابنكيران تحول المغرب إلى محرقة تأتي على الأخضر واليابس، عماذا يتحدثون؟؟ هل يتحدثون صراحة عن المغرب أم شُبِّه لهم؟؟ ثم إن انتقاد بعض المسلكيات الخاطئة في الإدارة العمومية والتصدي بحزم لتصحيح بعض الاختلالات المتراكمة وبعض المظاهر الريعية، كل ذلك كان من مطالبنا البرنامجية ومطلب عموم الشعب المغربي.

ثم إن وصف سلوك رئيس الحكومة بالعجرفة واتهامه مدراء المؤسسات العمومية بالفسادقول فيه كثير من التجني، ففي إداراتنا ومحاكمنا وهيئات المجتمع الكثير من الفضلاء والنزهاء ما تزال أركان المؤسسات قائمة بهم، كما أن هناك فاسدين بل ومجرمين يجب أن تطالهم يد العدالة وأن تُكْنَس الإدارة من لوثاتهم. إن الرأي العام يعلم المنهج الحكيم الذي أعلنه رئيس الحكومة في مقاربة قضايا الفساد وهي قولته المشهورة المستندة إلى الآية القرآنية” عفا الله عما سلف” وهي تترجم في العمق الاختيار الوسط الذي لا يتسامح مع الفساد الظاهر حتى لا يضيع الجهد في نبش التاريخ ولا يسلك مسلك مطاردة الساحرات..

أما عن مناضلي العدالة والتنمية ومسؤوليه ومنتخبيه فيشهد الرأي العام نظافة أيديهم ومن انتهك قيم الحزب ومواثيقه الأخلاقية وقواعده القانونية منهم فسنتصدى له بالقوة والحزم اللازمين وقد فعلنا ذلك وسنفعل..
إن تاريخ المغرب لم يبدأ من 25 نونبر 2011 ولن يتوقف في 2016 أو بعدها، بل مرحلتنا اليوم جزء من المسار الطويل الذي شقه المغاربة بحلوه ومره، غير أن الإنصاف يقتضي القول إن الحكومة الجديدة التي يقودها العدالة والتنمية اليوم بمعية شركائه فرصة للمغرب لتعزيز مكتسبات الماضي وتصحيح اختلالاته والانطلاق للتصدي لخصاص المرحلة الحالية بالاستفادة من أجواء التعبئة الوطنية حول الإصلاح ومن الدينامية التي انطلقت بعد الحراك المغربي في ربيع 2011..

7)  (مقاطعا)꞉ لكن كيف تفسر اتهام خصومكم لحزب “البيجيدي” من كونه يستغل مواقعه الحكومية لزرع أتباعه وأتباع حركة التوحيد والإصلاح في المناصب العليا الحساسة بالبلاد. مثلا تعيين مقربين منه على رأس كليات أصول الدين لمزاحمة المؤسسة الملكية في الحقل الديني وفي إدارة التعاون الوطني لاكتساح قلاع اجتماعية إضافية في صفوف الفئات الهشة أو الرغبة في تعيين رئيس ديوان وزير الاتصال القيادي في حركة التوحيد في منصب الكاتب العام لوزارة الاتصال إلخ…أي من أصل 350 منصب سامي يتم اختيار المواقع التي ستعطي قيمة مضافة للحزب.
إن هذ الطرح لا يصمد أمام الأرقام والمعطيات، فكم من عضو في العدالة والتنمية أو في حركة التوحيد والإصلاح استطاع الولوج للمناصب العليا؟ إن المنتمين للحزب من المعينين في هذه المناصب لا يتجاوزون رؤوس الأصابع، من أصل العدد الإجمالي الذي يربوعلى المئتين؟؟. وبهذه المناسبة لماذا لا تفكر وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة في إعلان تفاصيل التعيينات في المناصب العليا،بنشر لوائح أعضاء لجان الانتقاء ورئاساتها ولوائح المرشحين وتقارير الانتقاء ولوائح المعينين، حتى يعلم الرأي العام الخارطة “الحزبية” لهذه التعيينات وأي موقع للحزب فيها.
إن وزراء العدالة والتنميةلن يضيرهم أن يقدموا مرشحي حزبهم على غيرهم من المرشحين إذا كانوا الأكفأ مهما بلغ تربص المتربصين أو تهديدهم أو ترهيبهم، كما لن يُقْبَل أن يُقَدَّم مرشحوا الحزب على الأكفأ من غيرهم لأن في ذلك خيانة لله وللوطن ولقيم الحزب ومبادئه.فالقاعدة واجبة التطبيق ألا يقدم أو يؤخر أي مرشح بسبب انتمائه الحزبي أو اعتبار آخر لم ينص عليه القانون.
أما من يلمزنا بما ورد في السؤال فليتحملوا المسؤولية وليقدموا الحجج على دعاواهم، وإن كان على بعضهم أن يستحيوا وأن يكفوا عن القذف بالحجارة لأن الرأي العام يعلم من خَرَّب الإدارة المغربية ب”تحزيبها” وزرع الأتباع والموالين والقريبين في مفاصلها، أما إذا كان هناك مرشحون يعتبرون أنفسهم متضررين من أي تعيينات فما عليهم إلا اللجوء إلى القضاء لقول الكلمة الفصل،حتى يحي من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة..

8) طالبتم، في شخص النائب النماوي، بتشكيل لجنة تقصي في أحداث 16 ماي. لماذا تشككون دوما في محاربة الإرهاب علما أنه في عهدكم (والنيابة العامة تابعة للوزير الرميد) تم تفكيك أزيد من 12 خلية إرهابية؟
هذا موقف عبر عنه الأخ عبد الكريم النماوي في اجتماع للجنة المالية بمجلس النواب قبل أكثر من سنة بصفته برلمانيا، وهو موقف لا يجب تحميله أكثر مما يحتمل فضلا  عن كونه يعد من صميم اختصاصات البرلمان، فإذا كان الحزب قد شكك فيمن كان وراء الأحداث الإرهابية الأليمة ل 16 ماي وفي المقاربة التي حكمت التعاطي مع هذا الملف، فإنه لم يشكك قط لا اليوم ولا قبله في ضرورة مواجهة الإرهاب بما يلزم والتصدي للعنف بكل قوة ولعل آخر الشواهد موقف الحزب الواضح وغير الملتوي من الشريط المنسوب لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الذي نشره أحد المواقع الإلكترونية..
إلا أن الشيء بالشيء يذكر فالبعض يريد اليوم أن يعود بنا إلى أجواء 16 ماي حين يحيون الأسطوانة القديمة والمشروخة بحل حزب العدالة والتنمية كما لا يتورعون عن اتهامه مجددا بدعم الإرهاب، وهي مطالب واتهامات لا تستحق الرد خصوصا إذا صدرت من جهات لا يعجبها العجب ولا الصوم في رجب، وليعتبروا بمن نادى بحل الحزب أو اتهامه بالمسؤولية المعنوية عن أحداث 16 ماي، أين هم اليوم؟..
ولا بد من التأكيد مجددا أن المغرب رسم له مسارا جديدا بعد إقرار دستور 2011، أرسى قاعدة الاختيار الديمقراطي وقرن المسؤولية بالمحاسبة، والرهان اليوم أن يتداعى جميع الفاعلين كل من موقعه وبروح التوافق الوطني إلى الإسهام الجماعي البناء والخلاق لمنح الحياة للوثيقة الدستورية والتصدي للهدر وتخلف التنمية ومواجهة إكراهات الظرفية الاقتصادية الصعبة، مع ما يقتضيه ذلك من إعادة ترتيب الأولويات بالانشغال بالأهم عن المهم وعدم إضاعة الوقت واستنزاف الجهد في التوافه والملهيات التي ما تزال ترهن الخطاب السياسي لبعض الفاعلين السياسيين والإعلاميين..
حوار/ عبد الرحيم  أريري

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.