إسماعيل العلوي يقارب ورش الحوار حول المجتمع المدني

13.12.26
نشرت جريدة العاصمة بوست في عدد الاثنين والأربعاء 23 و25 دجنبر الجاري حوارا مع إسماعيل العلوي، رئيس اللجنة الوطنية للحوار حول المجتمع المدني، وقيادي في حزب التقدم والاشتراكية، وهو الحوار الذي أجراه الصحفي يوسف لخضر، نورد منه الجزء المتعلق بالمجتمع المدني هذا نصه:
 
ما هي أهداف هذا الحوار الذي أطلقته الوزارة حول المجتمع المدني، وما سياقه؟
فيما يخص سياق هذا الحوار فهو كالتالي: كان بإمكان الحكومة، حسب تصوري، أن تستغني عن مناداة المجتمع المدني للحوار حول القوانين المطلوب منها صياغتها، لأنه كما هو في علم الجميع سيبقى الدستور الحالي مبتوراً ما دامت الحكومة والهيئات المعنية الأخرى، أي البرلمان، لم تصغ القوانين التنظيمية التي يراوح عددها العشرين.
إذاً كان يمكن للحكومة، ربحاً للوقت، أن تنادي على خبراء، أجانب ومغاربة وتطلب منهم صياغة القوانين تنظيمية التي ترغب فيها، وفيما يخص الحوار حول المجتمع المدني كان حول قانونين، يتعلق الأول: بالعريضة الشعبية، والثاني: بالمبادرة التشريعية الشعبية. لقد ارتأت الحكومة لكي تكون منسجمة مع روح الدستور ومع المفهوم الذي نسعى له جميعاً، أن تسلم هذا الأمر لفاعلين في المجتمع المدني، بغض النظر عن انتماءاتهم، فنادت على البعض، وهناك من استجاب وهناك من لم يستجب وهذا شيء طبيعي، فلكل واحد رأيه وهو حر في تصرفاته.
الآن تتكون هذه اللجنة من ما يربو عن ستين عضواً، وأخدت تنكب على العمل في ثلاث واجهات: الواجهة الأولى: وهي التي أشرت إليها والمتعلقة بصياغة قوانين تنظيمية تهم استكمال الدستور، أما الواجهة الثانية وهي: الحياة الجمعوية بشكل عام، وفيها المعيقات التي تعترض سبيل الجمعيات منها الإدارية والقانونية والمالية، والتكوينية، وتقديم المقترحات من أجل تجاوز هذه المعيقات. والواجهة الثالثة تهدف صياغة ميثاق أو مدونة تهم العمل الجمعوي، علماً أن لجمعيات المجتمع المدني علاقات واتصال بالدولة بجميع مكوناتها، وأعني الدولة بالسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والمنتخبون. إضافة لهذه الجمعيات هناك اتصال مع كل من يريد أن يدعم العمل الجمعوي، أي المحسنون، ليس بالمفهوم التقليدي الأخلاقي بل بمفهوم المقاولات المواطنة، والتي ترغب في أن تساهم في تغير الأوضاع العامة للبلاد نحو استجابة لحاجيات المجتمع بشكل متميز. هذه هي الواجهات الثلاث التي نشتغل عليها، ونحن الآن قد اقتربنا من نهاية مهمة اللجنة، إذ تمتد هذه المهمة على طول سنة كاملة من يوم 13 مارس 2013 إلى 13 مارس 2014، في النهاية سنضع كل ما سنخرج به بين يد الحكومة، ويبقى على هذه الحكومة أن تنظر في صياغة هذه القوانين مع الأمانة العامة للحكومة طبعاً، ثم ستنتقل إلى المناقشة في المجلس الوزاري برئاسة صاحب الجلالة، ثم تعرض هذه المشاريع على البرلمان الذي تبقى له كلمة الفصل، إذ يمكن أن يعدل، ويمكنه أن يغير، كما يمكنه أن يلغي من ما سيقدم له. هذه هي المسطرة العادية، وعلى المجتمع المدني أن يعتبر أن نضاله لم يتوقف، فعليه أن يستمر في المطالبة حتى نزيد في تعميق دمقرطة الحياة الوطنية، وحتى نستمر في الاستجابة لاحتياجات المجتمع المدني التي هي في تزايد، وهذا شيء طبيعي، فإذا أخدنا الأمثلة التي نراها في عدد من الشعوب والبلدان، فنرى أن هذه باب مستمرة الامتداد، إذ ليس للديمقراطية حدود، غير أن هناك أحياناً محطات تمر منها الشعوب حسب التطور العام لثقافتها وأوضاعها وآلياتها الإنتاجية، إلى غير ذلك من المعطيات.
 
ما رأيكم في الحوار الموازي الذي أطلق مؤخراً وحضره عدد كبير من الجمعيات وعقدت مناظرة وطنية في بوزنيقة؟
أنا أصفق لهذه المسألة، وقلت ذلك منذ البداية. فالحوار هو حوار مفتوح يهم الجميع وغير مقيد، ولا يمكن أن يحتكره أي طرف. لا الحكومة ولا هذه اللجنة التي أتشرف برئاستها، ولا كذلك الإخوة الذين بادروا لتنظيم هذا الحوار الموازي. فلا أحد منا له حق احتكار تمثيل المجتمع المدني. والحوار من شأنه أن يغني الخلاصات التي سنخرج بها، ويبقى بالنسبة لنا كذلك نبراساً للمزيد من تعميق المكتسبات التي يحظى بها شعبنا أولاً وأخيراً.
 
هذا يعني أن التوصيات التي سيخرج بها الحوار الموازي ستأخذونها بعين الاعتبار؟
من دون شك، لأن لدينا علاقات مع مجموعة من الإخوة الذين يشتغلون في هذا الإطار، وعلاقات طيبة وشخصية، وأكيد أن الأفكار والتوصيات التي سيخرجون بها لن يحتكروها. عليهم أن يطلعوا عنها المجتمع سواء المجتمع المدني أو المجتمع العام، وطبعاً سنستفيد منها، ومن الممكن إدراج مجموعة من الأشياء التي قد نكون أغفلناها في عملنا نحن في هذه اللجنة.
 
ما رأيكم في انسحاب أسماء كبرى في العمل الجمعوي، مثل ساعف والطوزي وكمال الحبيب، وهم أسماء معروفون باشتغالهم في المجال منذ حقبة طويلة، وانسحبوا منذ البداية من الحوار؟
هذا السؤال يمكن أن توجهه لهم، فأنا ليس لدي معطيات لأحكم في هذا الأمر. لكن كل ما يمكن أن أقول هو أن الوزارة عندما أرادت أن تؤسس هذه اللجنة كانت في حيرة من أمرها. نعلم أنه هناك ما يقارب تسعين ألف جمعية. كيف يمكن لها أن تختار بين هذه الجمعية وتلك، دون أن تخضع هي إلى نوع من الانتقاد من قبل الآلاف من الجمعيات، نتيجة ذلك حصل الاتصال بأشخاص مرموقين يشتغلون في المجتمع المدني، ومنهم الأستاذ الطوزي والأستاذ عبد الله ساعف، منهم أستاذات وأساتذة آخرون، كانوا على استعداد للعمل في هذه اللجنة حتى عشية إعطاء الانطلاقة لهذا الحوار. فجأة أصدروا البلاغ الذي اطلعنا عليه جميعاً، والذي عبروا فيه عن عدم مشاركتهم، وقعوا عليه كجمعيات، في حين أن الدعوة لم توجه إلى جمعيات بعينها، بل وجهت إلى شخصيات، لكن كما يقول المثال المغربي “لي فراس الجمل فراس الجمالة”، نعلم جميعاً أن فلاناً مثلاً له قبعة خبير في ميدان معين، ولكن له أيضاً قبعة مناضل جمعوي فذ، وله أيضاً قبعة أستاذ أو قبعات مختلفة، وهذا لا يمنع من أن يكون مساهماً في هذا الميدان أو ذلك. فالجميع يعرفه بجميع صفاته، يجب أن تكون المساهمة في الحوار حول المجتمع المدني متجاوزاً للأشخاص، ويتجاوز حتى الحزازات التي يمكن أن تحصل بين هيئة وأخرى، ويتجاوز هذا النوع من التوتر والتشنج الذي يمكن أن يحصل في حياتنا داخل المجتمع. أنا أظن أن هذا العمل يمثل خدمة لشعبنا وخدمة لوطننا، وطبعاً هذه الخدمة لن تكون مثالية أبداً، إذ تبقى دائماً فيها ثغرات ونقائص وعلينا أن نشتغل باستمرار من أجل طمر هذه الثغرات وتجاوز كل النقائص التي يمكن أن تحصل في عملنا.
 
ألا ترون أن الحوار يجب أن يكون “مدني-مدني” ولا يجب أن يكون “حكومي-مدني”، وهذه من بين النقط التي يطرحها الحوار الموازي، هل هذا الطرح صحيح في نظركم؟
هذا أمر يدل على نوع من الانفصام في الشخصية، ما هي الحكومة ومن أين انبثقت وماذا تشكل؟ هي تمثل جزءً من شعبنا، أردنا أم كرهنا، وتساهم فيها أحزاب، وهي هيئات تشتغل داخل المجتمع وتكون طرفاً من المجتمع المدني، وحتى إن تقرر تركها جانباً عند إعطاء الانطلاق لهذا الحوار لأننا أردنا أن يسير العمل بشكل جيد، لأن الهيئات السياسية لديها تنظيمات خاصة بها، وقوانين خاصة بها، لذا من الأفضل عدم إشراكها بشكل مباشر في هذا العمل، لكن نعلم أن عدداً من أعضاء هذه اللجنة هم مناضلون في هيئات سياسية معينة، ويعبرون عن تصورات وأهداف هذه الهيآت. وبالتالي ما معنى المطالبة بأن يكون الحوار مدنيا -مدنيا مقابل حكوميا؟
المهم أن يكون هناك حوار يؤدي إلى تقوية مضامين الدستور. هذا كل شيء والباقي مجرد كلام فارغ.
 
يقول البعض إن الحوار الذي أطلقته الوزارة جعل من المجتمع المدني تابعاً لها، في الوقت الذي يجب أن يكون فيه المجتمع المدني قوة مضادة وليس تابعاً؟
طبعاً، المجتمع المدني بحكم الدستور الحالي هو سلطة مضادة وليس فقط قوة مضادة، فهو سلطة تختلف عن السلط الأخرى، والآن أصبح معترفاً له بذلك، وبالتالي لا أرى أن طلب الحكومة من المجتمع المدني تقديم هذه المقترحات سيقلل من طابعه كونه سلطة مضادة أو سلطة معاكسة أو سلطة تكميلية، أبداً بل بالعكس لا تحط من قيمته وطبيعته. لذلك أشرت قبل قليل إلى نوع من الانفصام في هذا التصور. إني أرى نوعاً من السكزوفرينيا في رفع مثل هذه الشعارات من قبيل الحوار المدني-المدني.
 
تعرف الساحة المغربية، إذا صح التعبير، إغراقاً بالجمعيات ذات الطابع الديني، هل هذه الجمعيات تدخل في إطار المجتمع المدني؟
نعم، أردنا أم كرهنا فالمجتمع المدني هو مجتمع مكون من هيئات مختلفة ومكونات مختلفة، فحتى هذه الجمعيات التي أشرتم إليها لها مكانتها كجمعيات المجتمع المدني، ولها رأي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في النقاش الذي يجب أن يكون ديمقراطياً مفتوحاً في وجه الجميع. فلا أرى سبباً لكي يحصل هذا الإقصاء لاسيما أن مجتمعنا، أردنا أم كرهنا، ما زال مطبوعاً وما زال موسوماً بالطابع التديني، والمغربي إذا تعثر في مشيته مثلاً فإنه يقول “الله!”، قبل أن يتساءل عن سبب تعثره وهو يمشي، علينا أن نتأمل في هذه الأشياء، وسنرى أن هذا المعطى جاري به العمل في مجموعة من المجتمعات. فالمعطى الديني موجود أردنا أم كرهنا، حتى في المجتمعات التي تدعى أنها تجاوزت هذا المستوى. لنأخذ مثلاً أمريكا وإنجلترا وعدداً من دول أوروبا الغربية. فرنسا مثلاً التي تقول إنها لائكية بالمفهوم الراديكالي للكلمة، نرى رؤساءها يذهبون إلى الكنيسة ويقومون بجميع طقوسها في مناسبات كثيرة (تحرير باريز سنة 1944، أو وفاة بومبيدو منتصف السبعينات)، دائماً وبالرجوع إلى فرنسا هناك جمعيات من المجتمع المدني فاعلة لها مرجعية دينية واضحة، تقوم بعمل مهم سواء على المستوى الاجتماعي أو الفكري أو الصحفي، إن هذه الهيآت تساهم كلها في المجتمع المدني ولا أحد يرفضها.
 
من بين النقط المشار إليها في الحوار الموازي أن أي حوار يجب أن يكون فيه إجماع، وأشاروا إلى أن مقرر هذا الحوار فيه نقاش على المستوى القضائي، وهو من حزب العدالة والتنمية الذي يشرف على الحوار، ألا يشكل هذا نقطة نفور؟
لماذا سيكون نقطة نفور؟ فرئيس هذه اللجنة من حزب التقدم والاشتراكية والعديد من أعضائها ينتمون إلى أحزاب مختلفة.
 
أنا أتحدث عن المقرر..
لنفترض أن رئيس هذه اللجنة من العدالة والتنمية والمقرر من التقدم والاشتراكية أو من هيئة أخرى هل سيقبلون بذلك؟ هذه مبررات صبيانية…
 
هناك من أشار إلى أن المقرر فيه نقاش على المستوى القضائي ويعود إلى ملف قديم، وهذا ما شكل نقطة نفور؟
ذاك شأنهم، فهم أحرار في موقفهم هذا، لكن أود أن أورد بعض التدقيقات والتي يعرفها الكثير، إن الأمر يعود إلى نزاع طلابي حصل قبل 20 سنة، وقالت فيه المحاكم كلمتها ووصفت هيئة الإنصاف والمصالحة القرار الذي اتخذته المحاكم في حينه بالقرار الجائر وغير المنصف، أعتبر أن الأمر لاغ ولا أظن أن من له معرفة بالواقع سيبقى متشبثاً بالرأي الذي تشيرون إليه، اللهم إذا كانت هناك غاية في نفس يعقوب.
مهما كان، وبعيداً عن هذا الموضوع، أعتبر أنه لو قبل بعض الأخوات والإخوة التواجد في اللجنة لتقوت هذه الأخيرة بخبرتهم  وآرائهم، لكن “الله غالب”.
 
يلاحظ أن هذه الاجتماعات واللقاءات الجهوية يطغى عليها حضور النسيج الجمعوي التابع للعدالة والتنمية؟
لا.. لا، هذا غير صحيح كلياً، يحضر المجتمع المدني بكل اختلافاته.
 
هذه من بين النقط التي ينتقدها أصحاب الرأي الآخر؟
هم يقولون ذلك، لكن هل لأحد حجة دامغة على ذلك؟ هل لديه إحصائيات حتى يدعي أن هناك نسبة معينة من مثلي هذا التوجه أو ذاك؟ ولنفترض أن هذا موجود، وماذا بعد؟ وما هو المانع؟ هل سندخل في سياسة الإقصاء ونقصي هؤلاء الناس لأن اسمهم “العدالة والتنمية”؟ ليكن المرء منطقياً قليلاً مع نفسه، فنحن نرفض جميع أنواع الإقصاء، وبالتالي لا يمكن أن أستعمل هذا النوع من التبرير لأمرر موقفي، لا أبداً.
 
أحد المتدخلين في إحدى الندوات حول موضوع العرائض الشعبية، وهو الأستاذ أحمد مفيد قال بأن حتى الثوابت الوطنية ممكن أن تكون موضوع عرائض لكن دون إلغائها، ومتدخل آخر قال إن العرائض ممكن أن تقدم إلى الديوان الملكي، هل ترون أن هذا الأمر ممكن؟
نعم، لأن هذا الأمر ليس بالشيء الجديد، كانت بالديوان الملكي وحتى السنوات الأخيرة، وقبل أن ينشأ منصب الوسيط، هيئة خاصة اسمها هيئة الشكايات، وكان لمدة طويلة من الزمن على رأسها شخصية مرموقة، وهي مولاي هاشم العلوي الذي كان يتسلم الشكايات. وهي عبارة عن عرائض يتقدم بها شخص أو مجموعة من الأشخاص للتظلم والمطالبة بالإنصاف، وفي القوانين الوضعية في الدول الحديثة يعطون هذه الصفة لهذا النوع من الشكايات إذ، يمكن لشخص فريد، أي مواطن من أيها الناس أن يتقدم بعريضة إلى مجلس النواب أو مجلس الشيوخ أو إلى الحكومة أو إلى البرلمان بغرفتيه. وبالتالي ليست بالشيء الجديد في ممارستنا في مجتمعنا، لم يعد لها الطابع التقليدي للشكايات، الآن حصل تقدم.. إذ هناك تميز بين التقدم بشكاية في موضوع معين أمام هيئة الوسيط، ورفع العرائض لكل من له سلطة أو قدرة على حل المعضلة التي يتقدم بها مواطنون جماعة أو يتقدم بها المواطن الفرد.
 
هل يعني قانونياً ممكن مستقبلاً أن توجه الشكايات والعرائض إلى الديوان الملكي؟
ممكن، لا يمكنني تقديم المضمون الذي سيصدر عن اللجنة وهي لا تزال تشتغل ولم تنته بعد، لكن لمَ لا، فهذا ليس بالشيء الخارق للعادة.
عن العاصمة بوست/ بتصرف

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.