الخليفة: وصول شباط إلى قيادة الحزب عمل غير بريئ

13.12.26
أجرت يومية المساء في عدد الخميس 26 دجنبر 2013 حوارا مع امحمد الخليفة العضو البارز في تيار بلا هوادة المناهض لتيار شباط بحزب الاستقلال، وكشف الخليفة من خلال هذا الحوار الذي أجراه الصحفي محمد أحداد تفاصيل أخرى في ما يعتبره المناهضون لشباط بالانقلاب عن مبادئ الاستقلاليين الأوّل، وفيما يلي نص الحوار:

أصدر عبد الحميد شباط مؤخرا قرارا يقضي بطرد 31 عضوا من جمعية بلا “هوادة” بمسوغ عدم الحضور إلى الاجتماعات الحزبية، كيف تنظرون إلى القرار؟
أعتقد أن القرار كان منتظرا لكنه لم يكن يتوقعه أحد بهذه السرعة، ويبدو أن الذين يسيّرون الحزب عن بعد استعجلوا اتخاذ مثل هذا القرار العبثي والشعبوي والظالم واللاقانوني. بالنسبة لي والأعضاء الذين صدر في حقهم قرار الطرد، لن يغير شيئا من قناعاتهم الاستقلالية والوطنية التي لم يكتسبوها من وجودهم داخل المجلس الوطني للحزب لكن اكتسبوها بنضالهم وبثباتهم على مبادئهم في الحركة الاستقلالية والوطنية.

تحدثت عن أياد خفية اتخذت القرار، نريد أن نعرف طبيعة هذه الأيادي التي تسير الحزب عن بعد بمنأى ع لغة التعميم والإشارة؟
هل تعتقد أن وصول شخص مثل شباط إلى قيادة الحزب عمل بريء في تاريخ حزب الاستقلال؟ هل تظن أن الاستقلاليين ضحوا بدمائهم من أجل أن يصل هذا الشخص إلى الأمانة العامة؟ ثم كيف يمكن أن يصل أشخاص بعناوين مجهولة على صهوة الاستوزار  ليتقلدوا مناصب مهمة في الأمانة العام للحزب؟ وهل من المنطقي والمعقول أن يحدث ما حدث في المؤتمر الأخير لحزب يحمل وراءه تاريخا نضاليا طويلا؟. ولعل هذه الأسئلة وحدها تسعف في فهم ما حدث في المؤتمر الأخير، فقد استخدم اسم جلالة الملك بأسلوب غير لائق إطلاقا، وللأسف فعل ذلك الأمين العام للحزب وقيادي سابق في حزبنا. إن هذه المواقف تجعل الاستقلاليين يفهمون أنه كانت ثمة تحركات غير محمودة أفضت إلى الوضع الحالي.

ما تزال تتحدث بنفس الغموض وبنفس خطاب التلميح الذي لن يفيد في شيء سوى في تعقيد الأزمة، بوضوح: من تدخل لفائدة شباط في المؤتمر؟
إن الاستقلاليين جميعهم يعرفون من أقصد. أقصد بالذات الذين يريدون ترك الفراغ في الساحة السياسية ويريدون محو الفكر الاستقلالي من الوجود ويريدون كذلك محو حزب الاستقلال من الوجود وطمس تاريخه و”تفويته” لأشخاص وتيارات لا علاقة لها بالحزب. وعندما يحين الوقت ليتكلم الذين يسيرون شباط من الخلف سيتكلم كل الاستقلاليين ولست أنا وحدي، وسيواجهون كل من له مصلحة في إنهاء تاريخ هذا الحزب النضالي. وتاريخ الاستقلال ليس للحزب فقط بل تاريخ للحركة الوطنية المغربية في نشأتها وحتى تحرير المغرب. إنهم، يريدون تقويض تاريخ المغرب الحديث. ذلك أقصى ما يريدون فعله.

نفهم من كلامك أن هناك من يسعى بكل الوسائل إلى الإجهاز على حزب الاستقلال، من هي هذه الجهات التي تروم القضاء عليكم وعلى تاريخكم؟
الإجهاز على حزب الاستقلال ليس معطى جديدا، إذ حاولوا في تواريخ كثيرة، حيث حاول الاستعمار الفرنسي أن يقوم بذلك لما طلب من الملك المغفور له محمد الخامس أن يتبرأ من حزب الاستقلال واعتبروه استقلاليا، لكن الملك رد عليهم بجواب رائع مؤداه أن أمير المؤمنين لا يتبرأ من جماعات المسلمين. نفس محاولات الإجهاز تكررت بعد الاستقلال حين تم تقسيم الحزب سنة 1959، وهي معركة مستمرة والذي لا يريد للمغرب أن تبنى فيه ديمقراطية حقيقية رغم كفاح المغاربة من أجلها من يناير إلى 1944 إلى الآن، هو من له المصلحة في الإجهاز على حزب الاستقلال.

ما قلته يوحي بأن حزب الاستقلال انتهى…
حزب الاستقلال كأفكار ومبادئ لم ولن ينتهي، لأنه في وجدان الشعب المغربي بشرعيته التاريخية ونضالاته المشهود بها ووطنيته الصادقة وفكره المبدع الخلاق. إن الغمامة السوداء التي تتلبد في سماء الحزب اليوم هي محنة سيؤدي ثمنها كل الاستقلاليين الشرفاء وسيبددونها وتكشف أسرارها في زمن أقل مما يتصوره الكثيرون.
نعود إلى الوراء قليلا، بالضبط إلى محطة المؤتمر، ما حدث بالفعل كان دراماتيكيا، في تقديرك كيف غيرت شخصيات بارزة في الحزب موقفها الرافض لشباط خاصة وأن الفاسي تحدث عن نفس الأيادي مما أشرت إليه سلفا؟
التدخل في شؤون حزب الاستقلال، لم يبدأ اليوم أو في المؤتمر الأخير، ولكن لابد أن نعود إلى السنوات الأخيرة. أرى أن الخطأ الكبير الذي ارتكبناه- وأتحدث بصيغة الجمع رغم أن التاريخ يعرف مسؤولية من فعل ذلك- يتمثل في استوزار أسماء لا علاقة لها بالحزب في حكومة إدريس جطو رغم أن اللجنة التنفيذية والمركزية والمجلس الوطني توجد فيها كفاءات استقلالية بارزة. أما الخطيئة الثانية فتكمن أننا نغير قوانين الحزب لتلائم أشخاص غرباء عن الحزب. وعلى سبيل المثال فالقانون كان ينص على أن الترشح للجنة التنفيذية ينبغي أن يكون مقترنا بشغل  عضوية المجلس الوطني لما يقل عن أربعة دورات. مع الأسف تغيرت الأمور، ويأتي أشخاص من خارج الحزب ويشغلون مناصب في اللجنة التنفيذية حتى قبل أن”يسخنوا” مقاعدهم في خلايا الحزب. وفيما يتعلق بالخطيئة الثالثة، فقد غير الأمين العام لحزب الاستقلال السابق قوانين الحزب لشخصه لينال ولاية ثالثة. بناء على ذلك، ماذا يمكن أن ننتظر بعد كل ذلك؟ بطبيعة الحال، المؤتمر الأخير يجسد نتيجة واضحة لهذه السيرورة، إذ كان التهييء له سيئا ورديئا، وبدأت انتخابات أعضاء المجلس الوطني قبل الاتفاق على المسطرة من خلال الإتيان بكل من هب ودب وإقصاء الكثير من كفاءات الحزب الحقيقية…

 تريد أن تقول إن الانتخابات حسمت خارج هياكل حزب الاستقلال؟
الذين كانوا يسيطرون على مفاصل الحزب هم أنصار حميد شباط، ومع ذلك، فإنه حسب الأصداء التي وصلتني يوم 22 شتنبر كان عبد الواحد الفاسي متقدما بفارق كبير على منافسه، وأخبرت في ليلة 23 شتنبر، أي في ليلة الانتخابات، أن حظوظ عبد الواحد الفاسي تقلصت وأن هناك اتصالات أولا بالوافدين على الحزب من الأعيان، واللذين شكلوا قوة لها وزنها داخل المجلس الوطني وثانيا كل الذين يُأتمرون، تلقوا تعليمات بالتصويت على شباط.

-نقاطعه- من هم الذين أعطوا التعليمات لهؤلاء من أجل التصويت على مرشح دون غيره؟
تحديدا، هم الذين لا يريدون أن يكون على رأس حزب الاستقلال شخصية وطنية لها تاريخها ومعرفتها وكفاءتها وجديتها، وأعتقد أن عبد الواحد الفاسي لم يكن رجل المرحلة في نظر اللذين أمروا بالتصويت على شباط، وقد أخبرني هو نفسه بهذا الأمر بعد الانتخابات، وقال لي إنه ترشح من أجل شيء واحد هو أن صوته كان لنفسه ولم يكن غيره، وكان يعلم مسبقا أنه حسمت النتيجة لصالح منافسه ليلة 23 شتنبر بمعنى أنه ذهب إلى الانتخابات وهو على علم بخسارته.

ألا ترى أن الاستقلاليين أنفسهم هم الذين صنعوا شباط، إذ تركوه يواجه البام ثم الاتحاد الاشتراكي ولما أصبح قويا شرعوا في مهاجمته؟
أعود قليلا إلى المؤتمر، أعتقد أن انعقاد المؤتمر على دورتين يحدث لأول مرة في تاريخ الحزب، أنا لا أريد الحديث عما جرى لأنني قاطعت المؤتمر من أساسه بسبب احترامي للمؤسسة الملكية، وأحترمها احتراما يكاد يصل إلى القداسة، أما وأن اسم جلالة الملك أصبح مشاعا داخل مؤتمر الحزب وباتت تطرح أسئلة من قبيل: هل تدخل في شؤون الحزب أم لم يتدخل أم هو مع فلان وضد فلان وله مرشح، ثم يأتي الأمين العام ويقول إن ما قيل في جزئه الأخير غير صحيح. كنت أتمنى حقا أن يتوقف المؤتمر. أما الحملة التي جرت بين شباط والفاسي فقد استعملت فيها كل وسائل الفساد والإفساد والأساليب التي لا عهد للاستقلال بها. بالفعل تحولنا إلى أضحوكة في أفواه الآخرين بعدما كنا نموذجا للمبادئ والأفكار، وموقفي في الكتيب الذي عنونته بـ”لنضع مصلحة الحزب فوق كل اعتبار” وعقدت من أجله ندوة صحافية يوم فاتح شتنبر 2012 يوضح بما لا عليه من مزيد كل الارتكاسات والسلبيات والتراجعات التي حولت الحزب إلى ما هو عليه اليوم، ولو ساد صوت العقل، أنذاك، بدل قرع الطبول نحو “باب العزيزية”…، وإنهاء اسم الفاسي من الحزب ولو فهمت الجهة الأخرى أن واقع المغرب السياسي ليس لصالحها فإن حزبنا كان سيتفادى وضعه الحالي.
 
قلت سلفا إن تلاعبا كبيرا حصل في توزيع المناصب الحكومية إبان تشكيل حكومة ابن كيران الأولى، هل كان الأمر يتعلق بإملاءات كذلك؟
الذي جرى، بكل أسف، أن الأحزاب والعمل الحزبي أصبحا أسيرين للمواسم الانتخابية، وأرى أن التحالف بين حزبي العدالة والتنمية والاستقلال تحالف طبيعي، وهناك من يغار من شيء أساس يكمن في استيلاء حزب العدالة والتنمية على خاصية تميز بها حزب الاستقلال على الدوام وهي المرجعية الإسلامية. وأكرر من جديد، فحليفنا الطبيعي هو حزب العدالة والتنمية الذي يتبنى فكرة الإسلام الوسطي المعتدل. بيد أن المشكلة الرئيسة التي كانت قائمة آنذاك هي استوزار أسماء بولاءات عائلية والمحظوظون والمرضي عليهم الشيء الذي أدى إلى نقاش عميق داخل اللجنة التنفيذية، وهي أعنف محاكمة لأمين عام لحزب مر من هذه البلاد. وكان الحزب، وقتئذ، على وشك الانفجار وكان من الممكن أن يصل الأمر إلى إقالة الأمين العام من المجلس الوطني ولكن تشابك التدخلات مرة أخرى حال دون ذلك وجعل البعض يقدمون ورقة تدعو إلى التهدئة والعبور إلى مؤتمر سابق لآوانه من أجل أن يرحل عباس الفاسي. لقد ظهرت أسماء لم تكن واردة أبدا في نقاشاتنا.
عن جريدة المساء/ بتصرف

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.