الوعي بحقيقة حملة استهداف العدالة والتنمية وبعض رموزه
خالد رحموني
• آلية تحوير الاهتمامات وتحويل التركيز عن التناقض الاساسي
يمكن لكل مراقب حصيف أو فاعل منصف -وهو يرصد التطورات المتسارعة التي يحبل بها مشهدنا السياسي في الفترة الأخيرة – يمكن له أن يسجل ملاحظة مثيرة للتساؤل، وبلا تردد، تتصل بإرادة بعض الاطراف -ظاهرة وخفية – تحويل أنظار الرأي العام وتوجيه اهتمامات النخب وتحوير تطلعات الجمهور والفاعلين عن تركيز النظر على القضايا المصيرية للوطن، والمرتبطة أساسا بمآل معركة الاصلاح والاهتمام بسيرورة التغيير ودينامية التنمية والتقدم الديمقراطي في البلد.
ان ذلك التحوير والتحويل يتم لصالح قضايا هامشية –يتم بثها ولفت النظر صوبها-وتناقضات أيدولوجية -مفتعلة يتم النفخ فيها- بغاية تزييف الوعي الجماعي للناس والنخبة معا، قصد خلق الانطباع لدى الناس-وبغير سابق انذار- أن هنالك استهدافا لنموذجهم المجتمعي ونمط العيش الرتيب لديهم، وتزداد شراسة تلك الاثارة من خلال عديد من الوقائع المتزامنة. وليس غريبا هذا التناسب والتزامن والسياق وحتى أطراف المعادلة الظاهرين على الاقل، وكأن هنالك أطرافا سياسية وغيرها من داخل الدولة والمجتمع تريد أن تحور أولويات الناس وتريد أن تشغل المجتمع بجزئيات القضايا، وأن تورط أطرافا بينها في معارك هامشية وفي تجاذبات ثانوية معزولة عن نبض الناس وأولويات المرحلة وأجندة الاصلاح.
• في الوعي بالسياق السياسي العام لانبعاث خطاب التهييج والتحريض
وقد تصاعد هذا التهييج وتواترت آليات انعاشه بالتحديد، بعد تمكن المغرب من الخروج من النفق المسدود الذي آلت اليه التجربة الحكومية الاولى، وتزامن تصعيد ذلك المنطق في الاثارة بالتزامن مع الولادة العسيرة لحكومة السيد عبد الالاه بنكيران الثانية، بما تعنيه هذه الولادة من دلالات احباط كل محاولات النسف والتعطيل والتعويق والافشال التي يمكن تسجيلها، والتي اشتغلت عليها أطراف عديدة من خارج التجربة ومن داخلها، من الذين لا يكنون لها ولا لقيادتها ودا ولا رغبة في الانجاح.
وبغير كثير جهد أو مزيد عناء أو ذكاء، فإننا لا زلنا نعاين ونرقب التصاعد الاهوج في لهجة وخطابات التهييج والاثارة والتخويف والوعيد التي غدت تتناسل من قوى عديدة حزبية ومدنية تمعن في ادمان لغة الاثارة والتحريف، بشكل يجعلنا نتساءل –بجدية وبعمق-عن حقيقة الاهداف الثاوية وراء هذه الهجمات المحكمة التنسيق والترتيب، بل ونشكك في الهوية الديمقراطية لمنتجي ومروجي تلك الخطابات وبثها في العموم، والتي ترعاها جهات لها قربى وصلة فكرية وسياسية وقوى اعادة انتاج السلطوية في البلد، وهي تعي تمام الوعي دورها من خلال التنسيق الجيد والمحكم لحركاتها، بل هي غدت خبيرة باليات الاستدراج وتحوير النقاش العمومي عن أهداف الاصلاح الحقيقية المستجيبة لتطلعات الشعب المغربي لإنجاح مسار الاصلاح والانخراط فيه.
إن ارادة انعاش دعوات التهديد وبث الكراهية والترهيب والتواطؤ على انتاج العنف الرمزي كمقدمة للممارسة العنفية الفعلية والمادية وخلق فوبيا جديدة اسمها –نجاح الاصلاح-واعادة أسطوانة التخويف من الاسلاميين-وبالضبط الذين يصارعون من أجل انجاح معادلة الاصلاح في اطار الاستقرار-، واعادة انتاج خطاب المسؤولية المعنوية وان العنف السياسي مشكلته منسوب الحقنة الدينية في التعليم والتدبير العمومي، والتحرش باستهداف رموز من قوى الوسطية والاعتدال الفكري والسياسي شخوصا وقيادات وحركات، لتنتقل محاولة الاثارة والتجييش هاته الى مستوى تصعيدي خطير يتجه صوب استهداف شخصيات عمومية-مهما كان رأيها السياسي وانتماؤها العقدي وتقديرها السياسي- تلك الارادة والوصفة سبق أن جربت في عديد من الدول والنماذج القريبة منا، وفشلت بل ورثت المجتمعات التي احتضنتها الخراب والبوار والفشل، وجعلت العزلة والهامشية مآل القوى التي صنعتها وركبت منطقها.
• شخصنة الصراع : تعدد التجليات، والمنبع واحد، الحملة على أبو زيد كنموذج
إنني أعتقد أن تلك الدعوات والخطابات والتي تمعن في التسخين كلها تنبع من معين واحد وتمتح من مشكاة واحدة، بل وتصب في هدف واحد، هو تشديد الطلب على الاستبداد من خلال اثارة المخاوف، وهي بذلك تراهن على اللعب بالنار، والمناورة بملف الامن السياسي والمجتمعي للبلد، فكلها دعوات أصبحت تترى، وتتناسل بالضبط في الآونة الاخيرة، وغدت تضرب في كل اتجاه.
وقد طالت الحملة الممنهجة استهداف رمز فكري من رموز وقيادات تيار الوسطية والاعتدال في المغرب المعاصر الاستاذ المقرئ الادريسي أبو زيد و امتدت لإرعاب أسرته الكريمة واتهامه بالعنصرية بل وتهديده في سلامته الجسدية وأمنه الشخصي، وقد كان من أهداف تلك الحملة الممنهجة الشرسة القفز الى مستوى شخصنة الصراع من خلال شمول الحملة مجمل التيار الفكري والاصلاحي الذي يؤسس له أبو زيد ويرمز لآفاقه ويرفده، وقد طالت الحزب السياسي والكيان الحركي الذي ينتسب اليه، كان ذلك اذن فصل آخر من فصول تلك الحملة الشرسة التي تقودها عناصر وأطراف لها قربى وصلة بالقوى المضادة للاصلاح أثناء تسعير وتشديد حربها على الاصلاح ورموزه وقواه-ولن تكون هذه الجولة الاخيرة بالقطع-، تشن تلك الحملة وهي تقصد بالضبط استدراج تيار الاصلاح لمعارك هامشية ولصراعات جانبية، بعدما فشلوا في لفت انتباه قادة المرحلة عن أهدافهم الاصلية في انجاح الانتقال الديمقراطي، قبل ذلك أثيرت قضية استعمال الدارجة في لغة التعليم، والمعركة التي انهزم فيها حلف القوى المضادة للإصلاح، وبعده، انجلى خطاب التطرف اللاديني للانتعاش والبروز والحضور مكشرا عن أنيابه،
فقد انبرى زعيم حزب سياسي وطني معارض لإثارة قضية حساسة تحظى بالإجماع الوطني ولها أبعاد شرعية ذات صلة بالنص الديني، واستعملها في سياق خطاب سياسي سجالي، بغية تحريك الصراع على قاعدة الايديولوجيا، وقد كانت قوى الاصلاح الديمقراطي في الموعد حيث لم تستجب لإرادة ورغبة الاستدراج لأتون الصراع الهوياتي، لنجد أنفسنا أمام موجة تحريض ودعوات تكفير مدانة مبرمجة ومروج لها على نطاق واسع-الملفت هو التعاطي التحريضي والتهييجي من قبل قناة تلفزية من خلال برامج وربورطاجات مخدومة وتلك بعض من وظائفها غير المهنية المؤدلجة والتي تدفع من أموال دافعي الضرائب-
وهنا لا يجب أن يغيب عن ذاكرتنا الجماعية وأذهاننها الحملة التي استهدفت التجربة برمتها منذ ولادتها، من قبل بعض الزعماء الحزبيين بأفعال الامر الذين تصدروا المشهد بشعبويتهم المقرفة، والذين كانوا يتعاقبون على وضع المعوقات تلو المعوقات وأدمنوا التهجمات المنظمة وبلغة رديئة وواطئة وصلت الى حد الاستئصال السياسي من خلال المطالبة بحل حزب العدالة والتنمية، وذلك باستغلال فج لما تبدى لهم من موجة ردة ديمقراطية طالت الربيع العربي، وقذ انتهز أولئك تلك الريح الكريهة وذلك السياق المائج لركوب موجة الردة الديمقراطية والعمل على إعادة انتاج خطابات الانقلاب القادمة من مشرق العالم العربي والعمل على ما فشلوا فيه في السياسة والتنافس الحر بترقب تدخل أيدي سلطوية للإجهاز على التجربة، لكن والحمد لله خاب ظنهم وبئست ترهاتهم ومراميهم.
• من أهداف الحملة التحريضية : الالهاء عن الاصلاح العميق وتمويه حقيقة الصراع
إنني أشم ريحا كريهة تنبعث في سمفونية منظمة وتتراءى لنا من جملة التسخينات الجارية، ريح تحركها ارادة واعية تخدم أجندة الردة الديمقراطية، تريد أن تعبث بالأمن العام، وغايتها بث الشقاق والفراق، وتعميق الصراع والكراهية بين خصوم وفرقاء سياسيين وفكريين، جوقة لها أجندات وجداول أعمال تبرمج الزيف من المعارك والخطابات، وتعزف على أنغام غير ودية مع الاصلاح والمجتمع والدولة، تريد لنا ركوب المجهول والمتاهة، كلها أجندات تخدم الاستبداد وسيناريو الفوضى، تريد أن تقول لنا، بالصريح والمرموز، أن الصراع الحقيقي ليس مع الفساد والاستبداد دحرا له وتفكيكا لبناه الظاهرة والعميقة، تريد أن تقول لنا أن الجبهة الحقيقية ليست هي تمكين البلاد من استكمال انتقالها الديمقراطي بشعارات الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية ، بل إن الجبهة الحالية والتحالف الجديد -وفق ملهمي ومروجي دعوات التحريض والكراهية والحقد الاسود- وجب أن تنتظم على أساس ايديولوجي سلطوي حدي: من معنا ومن ضدنا،
بما يعنيه ذلك من تهييج وتفجير بؤر الصراع الهوياتي والاستدعاء المفرط للسلاح الايديولوجي لممارسة الصراع به مع الخصوم الذين عجزوا عن مبارزتهم بالآلية التنافس الديمقراطي السلس الحر،
هم يريدون بذلك تعميق التناقضات الثانوية والاثارة الفجة للاشكاليات الجانبية، لإلهاء الناس وفي طليعتهم قوى الاصلاح عن استحقاقات الاصلاح والدمقرطة والتنمية والعدالة والكرامة،
• ختاما: واجبنا الوعي والحذر بأبعاد المعركة، وتحصين الاصلاح
وجب الحذر الشديد وتحميل المسؤولية لمن يجب، ووجب التحصن بروح اليقظة والانتباه وتفويت الفرص على خصوم الاصلاح والاعتصام بالحكمة في القول والعمل فهو الحبل المتين، نقول إن المرحلة تتطلب جاهزية أكبر لإنجاح التجربة الانتقالية في المغرب، بكل ما تتطلبه من وفاق وطني عريض وسلم اجتماعي ومدني، وارتقاء في ترتيب الاولويات والاهتمامات، ووفاء لمنطق الاصلاح العميق المفضي الى تعميق الاستقرار الحقيقي، ومع تنديدي وشجبي لتلك الدعوات التحريضية على العنف الرمزي واللفظي -باعتباره مقدمة للعنف المادي والسياسي، فإنني أدعو للتحلي باليقظة ورباطة الجأش والوعي الحاد باستحقاقات النجاح في معركة الانتقال الديمقراطي وكذا الادراك العميق لمناورات خصوم الاصلاح قصد اجهاضها، واجبنا الجماعي الانتباه والوعي بأبعاد تلك الحملة ومراميها،فلا نامت أعين الجبناء، الحديث موصول، وله بقية ،تحية طيبة لجميع الاحبة،