أفتاتي لـ “الأيام”: ‎ابن كيران ليس وحده.. وراءه حزب متراص منسجم ومعبأ

14.01.10
‎أجرت أسبوعية “الأيام” في عدد الخميس 9 يناير 2014 حوارا مع البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي، حاوره الصحفي يوسف بجاجا،  وفي ما يلي نص الحوار:
 
 نبدأ هذا الاستجواب بما جرى في آخر اجتماع للجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، والتي قررت رفع دعوى قضائية ضد رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، بشأن الاتهامات المبطنة لقيادات بحزب الاستقلال بتهريب الأموال خارج المغرب، فما هو موقفكم من هذا القرار الذي يؤشر على علاقة جديدة بين حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية؟
في البدء أود الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية يشترك مع حزب الاستقلال في الكثير من الثوابت، غير أن كائنات في هذا الحزب العريق تسعى إلى دفن ماضيه، وتجويفه من جوهره التعادلي، وتحويله إلى أداة تخدم أجندة الدولة الموازية.
ومن حق اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال أن تتخذ القرار الذي تراه مناسبا في أي قضية ، لكنني لا أخفيكم شعوري بالاستغراب من المسار الذي اتخذته القيادة الحالية في شأن مرتبط  بنزاهة جزء من الطبقة السياسية، وهو شأن عام ولم يعد خاصا، يهم الرأي العام، والهيئات المهتمة بحماية المال العام ومكافحة الفساد، وأعتبره تهربا من المواجهة السياسية، وإزاحة للنقاش نحو زاوية القضاء.
 
 لماذا؟
لأن قرار رفع دعوى قضائية لا ينسجم مع سياق السجال السياسي الذي تجدد مع اعتماد المساهمة الإبرائية في القانون المالي لسنة 2014 كمقاربة تصالحية، ستتبع بتطبيق القانون في شأن أموال للمغاربة  _ أقصد المقيمين بالمغرب كأشخاص ذاتيين أو معنويين _ موجودة في الخارج والتي أنشئت جزئيا أو كليا بطريقة مخالفة للنصوص المنظمة للصرف ولمدونة الضرائب.
وإشارة الأستاذ عبد الإله بنكيران تخص قضية رائجة في ما يبدو أمام المحاكم أو على الأقل هذا الذي يفهم من المادة الإعلامية المتواترة، وتدور رحاها بين وزيرة الصحة السابقة وهيئة من هيئات حماية المال العام.
ولذلك كنت أنتظر أن ترد قيادة حزب الاستقلال بأي أسلوب آخر، باستثناء اللجوء إلى القضاء الذي لا أرى أنه الفضاء الأنسب لمثل هذه القضايا.
 
عفوا على المقاطعة، لأن ما صدر عن بنكيران ليس بأفكار أو تصورات، ولكنه اتهام صريح لقياديين في حزب معين حتى وإن لم يشر إليه بالاسم فإن الذين تابعوا جلسة البرلمان الأخيرة فهموا أن المقصود هو حزب الاستقلال؟
يبدو أن هذا ما فهمه الكثير ممن  تابعوا جلسة المساءلة الشهرية الأخيرة، لكن لا أحد سيختلف معي حول كون موضوع تهريب الأموال خارج المغرب ليس بالأمر الجديد، وقد أثير في أكثر من مناسبة، وخاصة في الآونة الأخيرة  من قبل أكادميين وباحثين وهيئات ومؤسسات وطنية ودولية، بل وقدمت تقديرات حول حجم هذه الأموال التي ناهزت أربعين مليار درهم على امتداد عقود.
 
 لكن رد بنكيران بتلك الطريقة المتوترة تضمنت اتهاما لقادة من حزب الاستقلال. صحيح أنه لم يشر إلى أي منهم بالاسم، لكن لا يمكن لعاقل أن يخطئ أن رئيس الحكومة كان يقصد بكلامه حول تهريب الأموال قياديين بحزب الاستقلال، خاصة أنه جاء في سياق حديثه عن الذين يملكون شققا بباريس.
في العمق الأستاذ بنكيران أحال على إشكال سياسي بامتياز يتعلق في نظري بنزاهة الذمة المالية لجزء من الطبقة السياسية، لذلك  فإن الذي تسعفه المصداقية يغنيه البلاغ، أو البيان، أو الاحتجاج.
لكن يبدو أن البعض يتحسس موقعه في ما سيأتي من نقاشات عمومية وسياسية في هذا المضمار.
 
 لكن، السيد أفتاتي، رد الفعل يجب أن يتناسب مع الفعل كما تقول القاعدة الذهبية، واللجوء إلى القضاء للفصل في ما جاء على لسان بنكيران من اتهام ليس صريحا ولكنه مفهوم يمكن أن يكون رد الفعل المناسب لاتهام يمس كرامة ونزاهة الأشخاص، مثل ما حدث في قضية الشقق الباريسية التي يظهر من كلام بنكيران أنها اقتنيت بدون قانون، أليس كذلك؟
هذه قضية رائجة ضمن المادة الإعلامية المرتبطة بمكافحة الفساد وكذا أمام المحاكم في ما يبدو، كما أشرت إلى ذلك سابقا

كنت أنتظر من قيادة حزب الاستقلال التوجه إلى عمق الإشكال المرتبط بكيفية محاربة تهريب الأموال خارج المغرب، والتي  قد يكون جزء من الطبقة السياسية متورطا فيها، خاصة أن الكل يعلم بأن كائنات سياسية اغتنت من خلال تدبيرها للشأن العام سواء كان محليا أو وطنيا بالتلاعب في الصفقات وعقار الدولة ومختلف أنواع الارتشاء، هذا هو عمق المشكل الذي نحن الآن بصدده، وهو أعم من هذه الشقة أو تلك فقط، إنه تأسيس لخيار الشفافية في التدبير للقطع مع الفساد وإحلال النزاهة.
إن القيادة المتنفذة لحزب الاستقلال، ومن خلال القرار الذي اتخذته بمقاضاة رئيس الحكومة، وضعت نفسها موضوعيا ضمن جيوب مناهضة الإصلاح، وعرقلة استعادة المال المنهوب.
 
 بمعنى؟
إنهم محرجون من الإجراءات الإصلاحية الجريئة، ولذلك لجأ زعيمهم إلى الهروب إلى الأمام بالترويج لخزعبلات النكوص القادم من الشرق الشهيرة في نهاية السنة الماضية بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
باختصار، إن ما يقوم به شباط ليس إلا محاولة للهروب من عمق السؤال: من مع الانتقال الديمقراطي ومن هو ضده، وما يقوم به يؤكد أنه ضلع من أضلاع مثلث يتم تشكيله حاليا لإعطاب الانتقال الديمقراطي.
 
ومن تكون بقية أعضاء المثلث؟
إنهم معروفون، وهم الذين أسماهم الأستاذ الراحل المهدي بنبركة في الاختيار الثوري بالقوة الثالثة، والتي لعبت أدوارا في نسف الانتقال الديمقراطي في مناسبات عديدة، مثل ما حدث مع تجربة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، الشخصية الوطنية والمحترمة دائما، وقبله ما جرى مع تجربة الأستاذ المرحوم عبد الله إبراهيم، مثل ما حدث في محاولة أخرى لم تكتمل مع الأستاذ امحمد بوستة، وهذا بالطبع ما يحدث اليوم مع تجربة عبد الإله بنكيران، طبعا مع الفارق بين كل هاته الشخصيات المحترمة، لكننا نقول لهؤلاء ومن خلفهم، من مهندسي مثلث إعطاب الانتقال الديمقراطي: إن عبد الإله بنكيران ليس وحده، ولكن وراءه حزب متراص منسجم معبأ.
 
ألا تعتقدون أن ما جرى في مجلس النواب تسبب فيه عبد الإله بنكيران حينما رد على مداخلة كنزة الغالي بتلك الطريقة المتشنجة؟ ألم يكن بإمكانه أن يرد بكل هدوء دون الانسياق وراء ردود الفعل الفارغة؟ ألا تعتقدون أن شخصية عبد الإله بنكيران وأسلوبه في التواصل يشكل، في حالات معينة، عرقلة بدل أن يكون محفزا؟
لا تنسوا أن القوة الثالثة التي أشرت إليها قبل قليل تقوم بكل ما من شأنه أن يعرقل أوراش الإصلاح، وبالتالي حتى لو كنا أمام بنكيران الهادئ والرزين والمتزن، فلن تظل تلك القوة مكتوفة الأيدي.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.