الوزيرة بنخلدون: نعد ورقة للارتقاء بالبحث العلمي

14.01.18

أجرت يومية التجديد في عدد الجمعة 17 يناير 2014 حوار مع الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، سمية بنخلدون، هذا نصه:  

تأخر المغرب في مجال البحث العلمي على المستوى العالمي والقاري، مثلا بعد أن كان يحتل الرتبة الثالثة في إفريقيا أصبح الآن في الرتبة السادسة، كيف تفسرون هذا الوضع؟ 

بداية أود أن أوضح أن تقييم البحث العلمي يرتكز على مؤشرين أساسيين اثنين، ويتعلق الأمر بعدد المنشورات في المجلات الدولية المُحَكَّمَة (Revues Internationales Indexées) للباحثين، ثم بعدد براءات الاختراع، في حين لا يحتسب عادة انعكاس نتائج البحث على الواقع الصناعي والاقتصادي بالبلد.

وبخصوص المنشورات العلمية في المجلات الدولية المحكمة، فإن الوزارة تتوفر على معطيات مستقاة من تقرير البرنامج الاستعجالي 2009-2012 الذي يعطي جردا شاملا لجميع المنشورات المنتجة من طرف المؤسسات الجامعية.

وهذه المعطيات تؤكد على أن الإنتاج العلمي عرف زيادة طفيفة في عدد المنشورات العلمية المفهرسة في المجلات الدولية، حيث انتقلت من 1991 منشورة سنة 2008 إلى 2019 منشورة سنة 2010. تمثل فيها المنشورات في مجال العلوم والتقنيات 99 بالمائة من العدد الإجمالي، في حين تم تسجيل انخفاض طفيف في عدد المنشورات العلمية المفهرسة المشتركة بين الجامعات المغربية ونظيراتها في الخارج من 1109 منشورة سنة 2008 إلى997 منشورة سنة 2010. وتمثل بذلك .549 بالمائة من العدد الإجمالي للمنشورات العلمية المفهرسة.

ورغم التطور في الإنتاج العلمي الوطني خلال السنوات الأخيرة فإنه يبقى نسبيا وبوتيرة أقل مقارنة مع دول أخرى، بحيث تراجع ترتيب المغرب على صعيد القارة الإفريقية من الرتبة الثالثة سنة 2003 إلى الرتبة السادسة خلال سنة 2011 بعد جنوب إفريقيا ومصر وتونس ونيجيريا والجزائر.

وتجدر الإشارة إلى أن تخصيص القطاع سابقا بكتابة دولة مكلفة بالبحث العلمي ثم وزارة منتدبة مكلفة بالبحث العلمي في حكومة السيد إدريس جطو أدى إلى تقدم ملموس في القطاع. وفيما يخص الحكومة الحالية، بذلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر خلال سنة 2012 و2013 مجهودات مهمة في المجال، ولاسيما على مستوى تعبئة الموارد المالية. ونسعى حاليا لتسطير برنامج عمل بغية تسريع وتيرة الإنجاز لـ 2014-2016.

كما أود أن أذكر بأن الدستور أعطى أهمية مقدرة للبحث العلمي لاسيما من خلال الفصل 26 الذي ينص على أن السلطات العمومية تدعم بالوسائل الملائمة تنمية الإبداع الثقافي والفني والبحث العلمي والتقني، كما نص الفصل 168 على إحداث مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي سيساهم في تقييم السياسات والبرامج العمومية في مجال البحث العلمي، كما ينتظر منه أن يقوم بدراسات وتقديم مقترحات لتطوير القطاع.

البحث العلمي في المغرب عشوائي ويظل حبيس الرفوف وفي الأرشيف. ألا ترون أن الدولة تتحمل المسؤولية الكبيرة في كون الأموال التي تصرف في البحث العلمي حاليا رغم هزالتها لا تذهب في إنتاجات علمية ذات آثار ميدانية تطبيقية كونها لا تتدخل في توجيه البحث العلمي؟

أعتقد أنه من الخطأ الحديث بلغة التعميم، فهناك أبحاث يتم استثمار نتائجها، لاسيما فيما يتعلق بالأبحاث المرتبطة بميدان الصحة والفلاحة والبيئة والطاقات البديلة وغيرها.

وأكيد أن من بين الأهداف الأساسية للبحث العلمي التوصل إلى نتائج تستثمر في مجال التصنيع ويتوصل من خلالها إلى منتجات محلية بكلفة أقل وجودة أحسن، وبالتالي يكون لها انعكاس على مستوى الدفع بعجلة الاقتصاد، مثلا مجال الطاقات المتجددة أو الطاقات البديلة يتطلب تحديد التكنولوجية الملائمة المبنية على نتائج بحث علمي دقيق يأخذ بعين الإعتبار مجموعة من العوامل منها مثلا المناخ الخاص بالمغرب، وفي غياب أو ضعف بحث علمي متخصص قد يتم استيراد حلول مبنية على معطيات لا تتلائم بالضرورة مع خاصيات المغرب، وكذلك الأمر في المجال الصحي فالعديد من العلاجات والأدوية نستوردها من الخارج بينما من الممكن تخفيض كلفتها لو توصلنا عن طريق البحث العلمي للتركيبة الكيماوية المناسبة، لذا فالتوجه اليوم هو الاقتصاد المبني على المعرفة.

لكل هذا، نحن مدركون ضرورة أن تتوفر الدولة على سياسة حكومية مندمجة في مجال البحث العلمي لما لهذا القطاع من أهمية بالغة في بناء اقتصاد المعرفة وفي الدفع بعجلة التنمية من خلال استثمار نتائج البحث في مختلف القطاعات، ولهذا الغرض نحضر لاجتماع اللجنة الوزارية الدائمة للبحث العلمي (التي يرأسها رئيس الحكومة وتضم في عضويتها وزراء من مختلف القطاعات المعنية)، بغية تحيين الإستراتجية الوطنية للبحث العلمي والتكنولوجي، في اتجاه مواكبة حاجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا كما ينص على ذلك البرنامج الحكومي.

هل في نظركم رفع ميزانية البحث العلمي كما حصل مؤخرا سيكون كافيا للنهوض بالبحث العلمي بالمغرب؟

النهوض بالبحث العلمي بالمغرب يتطلب إمكانيات مادية مهمة بالإضافة إلى ضرورة توفير الموارد البشرية المؤهلة والمحفزة، واعتماد مبادئ الحكامة الرشيدة في تدبير القطاع.

فيما يتعلق بالإمكانيات التي تخصصها الوزارة للبحث العلمي والابتكار، فالتمويل الإجمالي للبحث العلمي على الصعيد الوطني عرف زيادة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ 139061000 درهم سنة 2014 وانتقلت نسبة الناتج الداخلي الخام من 0.37  %سنة 1999 إل 0.8 % سنة 2013. بالإضافة إلى 300مليون درهم إضافية تمت تعبئتها من خلال الصندوق الوطني لدعم البحث العلمي.

هذه المعطيات توضح بأن البحث العلمي يعتبر أولوية من الأولويات الوطنية، حيث يحظى باهتمام كبير من طرف الحكومة التي تسعى لإعطائه المكانة اللائقة به كأداة فعالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ووفقا للبرنامج الذي سطرته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر خلال المدة الممتدة ما بين 2013 و 2016، فإن نسبة الناتج الداخلي الخام المخصصة للبحث العلمي ستصل إلى 1 بالمائة بحلول سنة 2016، علما أن الوزارة اتخذت الإجراءات الضرورية لتمكين الجامعات من جلب موارد مالية إضافية إلى جانب التمويل العمومي الذي خصصته الحكومة للبحث العلمي، وذلك من خلال ما ستقوم به من خدمات لمحيطها الاجتماعي والاقتصادي، ومن خلال استثمار وتسويق نتائج البحث العلمي. كما اتخذت الإجراءات اللازمة كذلك لتمكين الجامعات من استقطاب موارد أخرى عبر التعاون الدولي الذي يبلغ حاليا نسبة 2 بالمائة من مجموع التمويل المخصص للبحث العلمي على الصعيد الوطني.

والوزارة أعلنت مؤخرا عن طلب العروض لتمويل مشاريع البحث ذات الأولوية، قصد تعزيز وتقوية وتشجيع البحث العلمي وتطوير التكنولوجيا والتنمية البشرية والاجتماعية ودعم الحكامة الجيدة.

وتهدف الوزارة من خلال طلبات العروض هاته، إلى تمويل مشاريع البحوث بمبلغ قد يصل إلى 10 ملايين درهم (مليار سنتيم عن كل بحث) حسب درجة وطبيعة البحث المقدم، ويتوخى البرنامج تشجيع البحث العلمي في مجالات ذات الأولوية كالميكاترونيك والالكترونيات والصحة والتكنولوجيا الحيوية والتحسين الوراثي للنبات، والبيئة، والطاقة والفعالية الطاقية، والمواد النانوية، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والتنقل في المناطق الحضرية.

ما هو في نظركم دور الدولة في تعبئة القطاع الخاص لتمويل الأبحاث العلمية. وهل هناك إستراتيجية في هذا الصدد أو برنامج عمل أو خطوات قمتم بها في هذا الصدد؟

بخصوص مساهمة القطاع الخاص في تمويل مشاريع البحث العلمي، لابد من الإشارة إلى أن هذه الحلقة تشكو من الضعف، حيث إن مساهمة هذا القطاع في تمويل أنشطة البحث العلمي لا تزال دون المستوى المطلوب. فإلى 2010، لم تتجاوز نسبته 30 بالمائة من التمويل الإجمالي للبحث العلمي، بينما يوفر القطاع العمومي أزيد من 70 بالمائة ( 47 بالمائة توفرها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر و23 بالمائة باقي القطاعات).

بينما في الدول الصناعية على سبيل المثال، نجد أن القطاع الخاص يساهم بنسبة تتراوح ما بين 50 و75 بالمائة في تمويل البحث العلمي، بما يدل على الدور الكبير الذي يلعبه القطاع الخاص بهذه الدول في دعم البحث العلمي بميزانية تفوق ما يخصصه القطاع العام.

وبالنظر إلى ذلك، أعطت خطة عمل الوزارة للفترة ما بين 2013 و2016 أهمية كبرى لتطوير وتقوية الشراكة مع القطاع الخاص، بهدف تقوية التعاون والشراكة بين الجامعة والمقاولة، في أفق الرفع من عدد البحوث المنجزة بين الطرفين بالإضافة إلى استفادة المقاولة من الخبرة الجامعية. 

ومن بين ما تم إنجازه خلال سنة 2013، اعتماد برمجة ملتقيات وطنية للبحث العلمي القطاعي، بالشراكة مع الفاعلين المعنيين. وهكذا خصص الملتقي الأول للبحث العلمي في قطاع الفوسفاط بالشراكة مع المكتب الشريف للفوسفاط بحيث تم إحداث صندوق خاص لتمويل مشاريع البحث المتعلقة بهذا المجال، والثاني سيكون حول قطاع المعادن بالشراكة مع مجموعة مناجم MANAGEM، والثالث حول قطاع تكنولوجيا المعلومات بالشراكة مع الفاعلين في المجال…

لكن رغم كل المجهودات المبذولة التي انعكست إيجابيا على تطور المنظومة الوطنية للبحث والابتكار، إلى أنها لم ترق بعد إلى المستوى الذي نطمح إليه جميعا لتلعب دورها كرافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. إذ لا تزال تواجهه مجموعة من الإكراهات من بينها بعض الصعوبات المتعلقة بالتدبير المالي لأنشطة البحث العلمي. ولهذا الغرض، تمت مؤخرا مشاورات مكثفة مع وزارة الاقتصاد والمالية بغية تَيْسير التدبير المالي لأنشطة البحث العلمي وملاءمته مع خصوصيات هذه الأنشطة لاسيما عن طريق المراقبة المالية البعدية.

وفي نفس السياق، الوزارة منكبة على إعداد ورقة عمل مؤطرة للارتقاء بمنظومة البحث العلمي والابتكار 2014-2016 بشراكة مع مختلف الفاعلين.

ماهي الملامح الكبرى لهذه الورقة المؤطرة؟

تهدف الورقة إلى تحديد رؤية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر فيما يتعلق بتطوير منظومة البحث العلمي بالمغرب انطلاقا من المرجعيات والاعتبارات التي تؤطر البحث العلمي وكذا التوقف عند المنظومة القانونية المتعلقة بالمجال مع تقديم تشخيص لواقع البحث العلمي اعتمادا على مراجع تشخيصية مضبوطة، ورصد مستويات تدخل مختلف القطاعات الحكومية والغير الحكومية بغية تسطير إجراءات مناسبة لتطوير منظومة البحث العلمي بالمغرب، وفي هذا الإطار سيتم تحيين الأولويات الوطنية، مع تسطير تدابير تتعلق بتعبئة وتحفيز الموارد البشرية ووضع مخطط للرفع من الاعتمادات المالية المخصصة للبحث العلمي مع تنويع وتعبئة الموارد المالية وتفعيل الشركات الوطنية والتعاون الدولي،  بالإضافة إلى وضع تدابير تتعلق بحكامة التدبير.

ألا تلاحظون أن المغرب في بنائه شراكات مع الدول الأجنبية في مجال البحث العلمي يعطي الأولوية لدول الاتحاد الأوربي وفرنسا وإسبانيا على وجه الخصوص مقابل ضعف انفتاحه على باقي دول العالم، أليس هذا عائقا في وجه تطوير البحث العلمي بالمغرب وانفتاحه على باقي التجارب العالمية ؟

نظرا للأهمية القصوى التي يكتسيها التعاون الدولي في مجال التعليم العالي والبحث العلمي فقد اعتمدت الوزارة ضمن مخطط عملها 2013-2016 محورا خاصا بالتعاون الدولي يهدف إلى وضع إستراتجية متكاملة ترتكز على تدعيم وتنويع برامج التعاون الدولي وتوسيع قاعدته وتطوير شراكات واتفاقيات جديدة مع البلدان الصاعدة وكذا إبراز دور المغرب في إطار التعاون الثلاثي مع الدول الأوربية ودول الجنوب.

فالمغرب منخرط مع الشركاء الأوربيين في إطار البرامج الممولة من طرف الإتحاد الأوربي من خلال البرنامج المؤطر السابع للبحث والتنمية (le 7PCRD)) والتي تبلغ قيمتها حوالي 8 مليون أورو، كما يستعد المغرب حاليا للاستفادة من البرنامج الأوربي”أفق 2020″ ( horizon 2020).

ولتعزيز التعاون الأورومتوسطي في مجال البحث العلمي والابتكار فقد تم خلال شهر شتنبر 2013 عقد المؤتمر الأول للوزراء المسؤولين عن البحث العلمي في دول حوار 5 +5، أسفر عنه إعلان الرباط وإحداث لجنة خبراء لتبع تنفيذ التوصيات الهادفة لتطوير البحث العلمي في دول المنطقة.

كما تم إنشاء وحدة بحث مشتركة خاصة بعلوم المواد والطاقة المتجددة بالشراكة مع المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا ومعهد التكنولوجيا بجورجيا  بالولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى الصعيد العربي، يعتبر المغرب عضوا نشيطا في اتحاد مجالس البحث العلمي العربية، والذي سيحتضن المغرب دورته السادسة والثلاثون في دجنبر 2014.

وبالإضافة إلى الشركاء التقليديين، يسعى المغرب لتعزيز علاقات التعاون والشراكة في مجال البحث العلمي مع مجموعة من البلدان كاليابان والصين وكوريا وتركيا ودول الخليج وغيرها.

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.