الزايدي لصحيفة الناس: القيادة الجديدة للاتحاد الاشتراكي شوهت خريطة الاتحاد

14.01.27
أجرت جريدة “صحيفة الناس” في عدد السبت 25 يناير 2014 حوارا مع أحمد الزايدي، زعيم تيار “الانفتاح والديمقراطية” داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وأجرى الحوار الصحفي خالد بوبكري، هذا نصه:
 
تحضرون اليوم دورة اللجنة الإدارية بعدما راجت أنباء عن مقاطعة التيار الذي تقودونه لها، فما هي الأجواء التي ستجرى في ظلها هذا اللقاء بنظركم؟
نعم سنحضر. لأننا لا يمكن أن نتهرب من مسؤولياتنا داخل الحزب خاصة في الظروف الحالية. إضافة إلى كوننا داخل الحزب وليس خارجه، وهذا يفرض علينا التزامات سياسية وأخلاقية. أما عن الأجواء التي تجري فيها الدورة، فهذا هو جوهر السؤال؟ هناك أولا ما يشهده المغرب من تفاعلات هل ستحمل الدورة إجابات حقيقية عنها أم ستعيد نفس الخطابات المتآكلة؟.
المغرب اليوم في محطة دقيقة في زمنه السياسي، المغرب كجزء في المنظومة الإقليمية والعربية والإسلامية والإفريقية لا يمكن أن يبقى في المتخيل الاستثنائي كما يحلم به البعض. فالتراجعات التي يعيشها المحيط ونموذجها مصر وتونس ودولا أخرى، وخاصة في مجالات الحقوق والحريات وفي مجال المؤسسات، والتي كان الجميع يعتقد أنها ممارسات انتهت إلى غير رجعة، ها هي تعود اليوم لتهدد جزءا من هذا المحيط الذي نعيش فيه.
نعم إن لنا خصوصياتنا ودعامات تعتز بها بلادنا، وهي الدعامات التي قدم من أجلها الاتحاد أكبر التضحيات، لكن ذلك لا يعفينا كاتحاد من مسؤولياتنا، ولا ينبغي أن نتحول في لحظة ما إلى رقم ثانوي في معادلة تعصف بالعديد من القيم التي ناضلنا من أجلها، لذلك فمسؤولية الاتحاد لا ينبغي اختزالها في لقاءات أو مبادرات معزولة عن جذورها.
 
هل تقصد الصراع السياسي بين الحكومة والأغلبية من جهة والمعارضة من جهة أخرى؟
القصد أعمق من ذلك، إنني أقصد دور الاتحاد وريادته وقراراته في اللحظة الحاسمة، أما التدبير البئيس للزمن السياسي فنحن نقوم به بما له وما عليه، وما أقصده بوضوح تام أنه بدون عودة الاتحاد إلى وعيه السياسي والتاريخي وتحقيق المصالحة الحقيقية غير المغشوشة مع أبنائه ومع المجتمع ومع جزء هام من اليسار الديمقراطي وعموم الديمقراطيين سنظل نجتر حركة التردي السياسي بكل ما لها من تبعات.
 
سنعود إلى هذا الموضوع في لقاء آخر، لكن ماذا عن أجواء اللجنة الإدارية المقبلة بعد سنة على بروز قيادة جديدة؟
دون التبخيص من بعض المبادرات، ودون أن أدخل في جدل عقيم حول مجموعة من المحطات سواء ما يتعلق منها بالترميم أو التنسيق أو التجميع فإن إيجابية كل هذه الحركات ستبقى منقوصة مادامت لا تقف على أرضية صلبة.
والأرضية الصلبة هي إصلاح البيت الاتحادي من الداخل وهو ما لم نتوفق فيه لحد الآن.. وللأسف الشديد فإن هذا الركن الأساسي في الإصلاح ليس فقط لم يتحقق، بل أخشى ما أخشاه وأكثر من أي وقت مضى أننا نسير في الابتعاد عن الإصلاح، فما وقع في بعض الجهات بمناسبة إعادة هيكلة الأجهزة الحزبية يجهز على ما تبقى من الاتحاد من خلال عمليات الإقصاءات الممنهجة والتنكيل بالأطر الحزبية التي لا تبني نفس توجهات جانب من القيادة وخلق كيانات جديدة لا علاقة لها بالاتحاد.
 
دعني وسط هذا أن ألاحظ أنكم في تيار الديمقراطية والانفتاح، لم نعد نسمع عنكم الشيء الكثير خلافا للانطلاقة الحماسية، هل غيرتم خطتكم؟ هل تراجعتم؟ هل أصابكم اليأس أم ماذا؟
ليس هناك أي تراجع أو يأس أو غيره، وليس هناك أي تغيير في موقفنا الذي عبرنا عنه غداة نتائج المؤتمر التاسع للاتحاد. إذ قلنا ونؤكد أنه أنتج وضعا لا يعكس حقيقة الاتحاد الاشتراكي. وضع شوه خريطة الاتحاد بما شابه من خروقات وإقصاء لعدد كبير من خيرة مناضلي ومناضلات الحزب. وفتح الباب على المجهول. وهذا ضع لا يمكنه إلا أن يؤدي بالحزب إلى الكارثة لا قدر الله.
ولمواجهة هذا الوضع قمنا بحملة احتجاجية قوية تحسيسية وتفسيرية وتحذيرية، حددنا من خلالها توجهاتنا في مجموعة مقاصد يمكن تلخيصها في هدفين:
 
الهدف الأول: يقوم على ما هو مبدئي. أي تحليل ما وقع بانعكاساته وتبعاته السلبية على مستقبل حزبنا، والتعبئة من أجل صيانة تراث الحزب وتوجهاته العامة، كما أقرتها مؤتمراته الوطنية وآخرها المؤتمر التاسع، والحفاظ على وحدة الحزب ضد كل انزلاق واسترجاع استقلالية قراره السيادي، والتصدي لكل تشكيك في يعاكس هده المساعي النبيلة.
 
الهدف الثاني: انطلاقا من نفس القناعات أعلنا أن المكان الطبيعي لاشتغالنا هو داخل الحزب وليس غير ذلك، وأعلنا يوم 19 أبريل 2013 بمدينة الدار البيضاء عن ميلاد تيار داخل الحزب أطلقنا عليه اسم “تيار الديمقراطية والانفتاح”. الديمقراطية: باعتبارها نقطة الاختلاف والتي وقع العبث بها في المؤتمر التاسع، ولا يمكن أن يكون هناك حكم بيننا غير استعادة العمل بالديمقراطية. أما الانفتاح فقد وضعنا له إطارا يتوخى الانفتاح الحقيقي والمسؤول والداعم لتوجهات الاتحاد الاشتراكي، والمنخرط فيها بقناعة وإيمان ومعركة وليس الانفتاح الأجوف.
الأخ الكاتب الأول أعلن رسميا وأمام الأجهزة المقررة للحزب عن الانخراط في هذا التوجه، بل قال لنا بالحرف سأفاجئكم باقتراحات أكثر عملية تسير في نفس مساعيكم، اعتبرتنا إلى هذا الحد أن هناك توجها إيجابيا ينصفنا وينقد الحزب، وشرعنا بحسن نية في الاشتغال. وضعنا أرضية عمل سياسية وتأطيرية وحزبية، وفتحنا نقاشا حولها عبر التراب الوطني، ولكن المفاجأة التي كنا ننتظرها سارة جاءت عكس ذلك، وعلى لسان رئيس اللجنة الإدارية هذه المرة، الذي جاء بجواب أقرب إلى الرفض من قبول ما توافقنا عليه بخصوص مأسسة التيارات وتنظيم الخلاف.
 
هل عدتم إذا إلى نقطة الصفر أم ماذا؟
جزء من القيادة الجديدة يتحمل مسؤولية إعادة النقاش إلى نقطة الصفر، ونحن نعرف خلفية ارتعاشهم أمام المناضلين، وسنرى ذلك على أرض الواقع.
 
أفهم من هذا أن لكم إستراتيجية أخرى؟
نحن لم نكن بصدد عملية انقلاب حتى نحضر المخطط “ألف”، وفي حالة فشله نلجأ إلى المخطط “باء”. نحن اشتغلنا كمناضلين صادقين، وأعلنا بأن المس بوحدة الحزب هو خط أحمر. وأخذنا على عاتقنا مسؤولية المساهمة في الإصلاح. اليوم نعلن بكل مسؤولية بأننا سنستمر في نضالنا بكل الوسائل المتاحة، وسنأخذ حريتنا في ذلك، وسنعلن قريبا عن برنامج دقيق وواضح للاشتغال عبر التراب الوطني وفق رؤية تنظيمية وسياسية متكاملة.
وللذين يعتبرون أن حركتنا قد توقفت نقول لهم أنتم واهمون، إنها حركة تسكن هواجس ونفوس كل الاتحاديين المتشبعين بفكر الاتحاد، وخط الاتحاد والآمال العريضة التي علقها المغاربة دوما على الاتحاد. هؤلاء وبكل تواضع هم الذين يمثلون اليوم ضمير الحزب أحب من أحب وكره من كره”. التيار وضعناه كآلية للاشتغال وليس غاية في حد ذاته. اليوم سنشتغل بعمق أكبر من الطموحات الأولية التي بلورها التيار..
 
لماذا إذا لم تستمروا على نفس الإيقاع الذي بدأتم به؟
لقد اخترنا وعن وعي ومسؤولية وباستشارة مع العديد من الأطر بأن نعطي للطرف الآخر فسحة من الزمن قد يتم فيها الاحتكام إلى العقل وانقاد ما يمكن إنقاذه.
وكان بيننا من يقول، ولا أفشي هنا سرا، كان بيننا من يعتقد بأن استمرار شد الحبل مهما كان حجم الحجج والدلائل قويا، بإمكانه أن يضعف الحزب أكثر، خاصة إذا استحضرنا أن عملية إعادة البناء لا محيد عنها. وأن هناك ضغط الاستحقاقات القادمة. لا يمكن لمناضل مسؤول في هذه الظرفية أن يتجاهله.
 
هل نسّقتم إذا في هذا مع الكاتب الأول أو كانت هناك صفقات؟
يعلم الجميع، وأقولها بكل قوة لسنا لا من أصحاب الصفقات ولا من أصحاب الكولسة. نحن مناضلون صادقون لا “تجمع بيننا” غايات نفعية أيا كان حجمها. ولا نشتغل لمحطة بذاتها. ولا أجندة محصورة في الزمان والمكان. نحن من أجل الحزب وللحزب ولا شيء غير ذلك. ولنا النفس الطويل. وكما يقول معاند في هذا الشأن ” وراءكم والزمن طويل “.
قد تسألني وماذا عن التزاماتكم مع القواعد؟ وأنا أرد هنا بنفس القوة، ماذا عن التزامات القواعد إزاء التيار.
نحن قمنا بما يجب القيام به، برهنا في الميدان عن وجودنا وقوتنا، حددنا أهدافنا في البرنامج الانتخابي والمنافسة على الكتابة الأولى، والتاريخ اليوم يعطينا الحق فيما قلناه، فضحنا المسكوت عنه، تحلينا بالشجاعة السياسية في اللحظة اللازمة لقول الحقيقة مهما كان الثمن الذي سيؤدى عنها. اليوم ما حققناه من مكتسبات هو ملك للمغاربة ولكل المناضلين، أنا لست راغبا في الزعامة حتى أنصب نفسي للجواب عن سؤال مثل هذا. نحن مجموعة متجانسة فكريا، متشبعة بأفكار الاتحاد وهي اليوم تتوسع بالانفتاح وباعتزاز على باقي مكونات الحزب.

فالتاريخ بيننا والمستقبل يحدده الاتحاديون فيما بينهم بالقناعة الاتحادية ولا يملي عليهم لا من هذا الجانب أو ذاك. اليوم ما نتأسف له انه رغم كل مساعينا للحفاظ على وحدة الحزب والتزام المناضلين في عدد من الجهات بالحكمة والمسؤولية تستمر القيادة الجديدة وبإسرار جزء كبير منها على تشتيت الحزب، والدليل هو ما يقع اليوم بمناسبة تشكيل أو إعادة هيكلة التنظيمات الحزبية.
لقد وقعت فضاعات في عدد من الأقاليم والجهات نحن نتابعها بكل تدقيق، وتم فرض بعض التنظيمات على المناضلين خارج القوانين والتنظيمات والمؤسسات الحزبية.
ووقعت إقصاءات وإنزالات. بل أن هناك من التنظيمات من تم فرضها بقرارات فوقية وكأننا في زمن السيبة. يضاف إلى ما شهدته القطاعات كالشبيبة والقطاع النسائي وباقي القطاعات، ولن نقف مكتوفي الأيدي من كل هذا. وقد أصبح المناضلون جميعهم على علم بما وقع. حسبنا لن نؤكد هنا أن مثل هذه الممارسات لا تنتج عنها إلا أجهزة تولد ميتة.
 
قلتم بأن للاتحاد دورا أساسيا عليه القيام به، ألا تعتقدون أن ما قام به الكاتب الأول من مبادرات بخصوص قضايا المرأة والتعدد والإنصاف في الميراث هي من الخطوات الشجاعة؟
أنا لا أختزل المسألة في انتقاد شخص بذاته أو عمل محدد، أنا أناقش عمق مواقف الاتحاد الاشتراكي. مواقف الاتحاد لم تكن في يوم من الأيام حبيسة مناسبات أو مواقف ظرفية .. مواقفنا من قضايا المجتمع الأساسية، مثل تعدد الزيجات والمساواة في الحقوق والاجتهاد العقلاني داخل إسلام منفتح شكلت دوما مجالات للحوار وتلاقح الأفكار داخل الاتحاد، فلا يزايد علينا أحد في إسلامنا، كما أن مواقف الاتحاد كانت ولا تزال تحتكم إلى قيم العقل وإلى الإقناع العلمي، ولكن أيضا استعمال الحس السياسي الذي يقطع الطريق أمام الذين يرتزقون باسم الإسلام للنيل من الاتحاد.
لقد بادرنا للتصدي لمصادرة الفكر والنقاش وحرية التعبير. وعبرنا عن الإدانة المطلقة لمنطق التكفير والإرهاب الفكري في مواجهة من المناضلات والمناضلين والمتقفين والمفكرين. وكنا نأمل أن يكون الانخراط أعمق لو أتيحت لنا فرصة الاستشارة وبلورة نقاش حزبي ننخرط فيه جميعا دفاعا عن قيم الحداثة والمساواة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.