الحموتي يكتب: شهادة وفاة الديمقراطيين في مصر

 11-02-14
نشرت يومية “أخبار اليوم المغربية” مقالا تحت عنوان “شهادة وفاة الديمقراطيين في مصر”، لكاتبه محمد الحموتي، في عددها الصادر يوم الاثنين 10 فبراير 2014.
وفي ما يلي نص المقال كاملا :

في مقال سابق للأستاذ “باسم يوسف” الإعلامي المصري المعروف تحت عنوان، شهادة وفاة الديمقراطية في مصر، تطرق فيها إلى أفول الديمقراطية في مصر، ويحمل المسؤولية لجماعة الإخوان المسلمين الذي أساؤوا التصرف وخذلوا الشعب، مع أن السيد باسم حارب الإخوان إعلاميا، قبل أن يعلن الرئيس المخلوع  محمد مرسي القسم الرئاسي أمام أنصاره.
سنحاول التطرق إلى أفكار الأستاذ باسم بنوع من الموضوعية، بداية العنوان الذي اختاره لموضوع مقالته يوحي بنوع من التأسف والهجوم على أعداء الديمقراطية مهما كانت انتماءاتهم وتياراتهم.  إخواني ناصري، يساري، أو حتى مؤسسة العسكر التي تتحمل الجانب الأكبر من المسؤولية.. إلا أن الغرابة  تكمن في تركيزه على تحميل المسؤولية للإخوان المسلمين دون غيرهم.
أولا: كان ينبغي على السيد باسم يوسف أن يدافع عن النهج الديمقراطي حتى ولو كان الآخر على خلاف مع مبادئه وأفكاره، وهذا ما تقتضيه اللعبة السياسية، إلا أنه وجه جام غضبه على الإخوان دون غيرهم، مع العلم أن الإخوان لهم حزب وتوجه سياسي وقبلوا باللعبة الديمقراطية، وهذا سمح لهم بالفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، أمام مراقبة المنظمات الأهلية والدولية. إذن، الشرعية كانت إلى جانبهم، هذه هي اللعبة هناك فوز وخسران. وقد صرح فولتر بأنه مستعد أن يموت من أجل أن يعبر الآخر عن رأيه، حتى لو كان رأي الآخر مخالف له، لا أن ندعي الديمقراطية، ونحاول جاهدين إسكات المنافسين ولو بالكذب.

وثانيا: حين حاول الأستاذ باسم أن يعدد الأسباب التي عجلت بوفاة الديمقراطية، نلاحظ أنه يركز فقط على جرد مجموعة من الاتهامات المسلطة على الإخوان فقط، دون غيرهم كالإرهاب والتطرف… هو يعلم (والجميع على علم) بأن هذه التهم كرسها الجيش بغرض محو الإخوان من الوجود، وتبرير سيطرته على السلطة.
والغريب أنها مفارقة عجيبة، الجيش يقتل أكثر من ألفي مدني عزل بدم بارد وأمام أنظار الجميع، ويمنح للجيش صفة الوطنية ويرقى السيد السيسي إلى رتبة مشير (أي ماريشال)، مع العلم أن المتداول عالميا أن العسكريين تتم ترقيتهم عندما يدافعون عن الحدود ضد العدو الخارجي، أو في مهمات عسكرية خارج الحدود، وهم بهذا عكسوا هذه المعادلة، “أقتل المدنيين تصبح جنرالا”.

وأما الإخوان المسلمون فقد حاولوا الدفاع عن الشرعية التي قادتهم إلى الحكم، وخروجهم إلى الساحة منطقيا، وليسوا إرهابيين، وإلا فماذا كان موقف الأستاذ باسم من خروج الجماهير أيام رئيس مبارك؟ هل هم إرهابيون؟ والغريب في الأمر أن أمثال باسم يوسف وعلاء الأسواني.. كانوا أشد المدافعين عن النموذج الديمقراطي والدولة المدنية في فترة حكم حسني مبارك، واشتد الدفاع على عهد الإخوان المسلمين، إلا أن شهرزاد سكتت عن الكلام المباح أمام سيدها شهريار وخلدت إلى النوم. فبدل التنديد بالانقلاب العسكري والمطالبة بصياغة مؤسسات سياسية ديمقراطية، واحترام إرادة الشعب عبر صناديق الاقتراع، أصبحوا أشبه بأبواق النظام العسكري، وأصبحوا يؤمنون بالطوباوية واللاشرعية، وكأن المشير السيسي سيأتي بعصي سحرية لحل مشاكل مصر الكبيرة، ولم يتجرأ السيد باسم لحدود الساعة بتوجيه أي تنديد أو انتقاد لمؤسسة العسكر التي تمردت على مبادئ الثورة المصرية، وخاصة مسألة الانقلاب على الشرعية، بل العكس حاول تبرير تحرك الانقلابيين،  كأن لسان حاله يقول: أنتم أيها الإخوان المسلمين سبب ضياع فرصة قيام الديمقراطية في مصر، فذوقوا طعم السجون، ويعلن شهادة الوفاة للديمقراطية.  الذي ينبغي أن يفهم الأستاذ باسم يوسف، هو أن الديمقراطية لن تموت ولن تنقرض، فهي الركيزة الأساسية  لقيام الدولة المدنية، وتحقيق السلم الاجتماعي لدى لأمم، فهي تساير الغريزة الإنسانية التواقة إلى الحرية والإنعتاق، أما الذي يدعي أن مؤسسة الجيش قادرة على إعادة السلم المدني، فهذا نوع من التخريف السياسي، لأنه سيكون أشبه بسجن كبير محروس بشكل جيد، يكرس الأمن، ولكن الحريات والحقوق تضيع فيه، والمواطن المصري سيعيش في شقاء.

وهذا يذكرنا بالثورة الفرنسية التي أقامت على مبادئ نبيلة تدعوا إلى الحرية والإخاء والمساواة، إلا أن سيطرة نابوليون على الحكم حّول فرنسا إلى دولة عسكرية يحكمها عسكري، جعل من نفسه إمبراطورا، وتنكر لمبادئ الثورة، والنتيجة كانت تدمير فرنسا في عهده.  واسمحوا أعزائي القراء أن أؤكد لكم أن الديمقراطية لا تقوم لها قيامة بدون وجود من يؤمن بها، ويسعى إليها (الديمقراطية)، وإذا غاب هؤلاء غابت الديمقراطية، والديمقراطية في حالة مصر حسب باسم يوسف صدرت في حقها شهادة الوفاة، ولن تقوم لها قائمة لأن الوفاة تعني النهاية، وهذا موقف خطير وبعيد عن المصداقية، ولكن الواقع أن الشعب المصري خاب ظنه في النخب التي كانت تدعي حمل مشعل الديمقراطية: باسم يوسف، علاء الأسواني ومحمد ألبرادي.. إذ بهم ينخرطون في لعبة استرداد الجيش لنفوذه، وتقييد الشعب بقوانين الطوارئ والمحاكم العسكرية المسلطة على رقاب المدنيين العزل.. وبالتالي القضاء على شعلة الأمل إلى الديمقراطية، كان أجدر للأستاذ باسم يوسف أن يعلن وفاة النخبة الديمقراطية في مصر، لأنها رضخت للانقلاب العسكري على حساب الشرعية الشعبية، وتكريس المؤسسات الديمقراطية التي تشكل الإرادة العامة..
محمد الحموتي

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.