قربال يكتب : حتى لا تتحول “الكوطا” إلى ريع سياسي


نور الدين قربال*
       عاش المغرب منذ 1956 لحظات حرجة أثرت في مساره الديمقراطي، حيث لم ينعم هذا البلد الأمين بانتخابات نزيهة مائة بالمائة إلى يومنا هذا والمؤسف أن المؤشرات اليوم تدل دلالة قاطعة على أن الانتخابات المقبلة ستحمل نفس الدلالات…إلى إذا ثم التدارك.
والعلة في ذلك أن الإرادة السياسية للأسف غير متوفرة، ومازال عنصر التحكم حاضرا على جميع المستويات ومن الإشكالات المطروحة هو كيفية تمثيل المرأة بالمؤسسات خاصة المنتخبة ؟
       وتجاوزا لهذا الإشكال توافقت الأحزاب السياسية على “الكوطا” وذلك بوضع لائحة نسائية تضم حوالي 30 مرشحة. ورغم النقاش الدستوري والسياسي حول هذه اللائحة فقد اعتمدت سنة 2002 و 2007، وكانت النتيجة أن عرفت المؤسسة التشريعية حضورا مهما لمجموعة من الفعاليات النسائية اللواتي ساهمن بجدية في المجال التشريعي والرقابي والدبلوماسي، لكن المستجد الذي طرأ اليوم هو تصويت المغاربة على دستور جديد يوم 1 يوليوز 2011، الذي أعطى للمرأة مكانة سياسية خاصة عندما ركز على المناصفة،  وقد أعطى هذا الدستور الجديد دفعة قوية قانونيا وفكريا ونفسيا لنضال النساء من أجل تكريس حضورهن في المؤسسات.
 لكن الملاحظ مع ثورة فبراير الشبابية اضطرت الحكومة إلى تبني لائحة وطنية يبلغ عددها مرشحا تجمع بين النساء والشباب، وهذا إجراء مضطرب لايخدم إلى الترضيات وليس مبنيا على إستراتيجية لكن أمام هذا المعطى رفضت بعض الهيئات النسائية أن تضم اللائحة الوطنية الشباب، وأن تبقى خالصة للنساء وذهبت أخريات إلى جعل هذه اللائحة تضم إضافة إلى النساء الشباب والمغاربة المقيمين بالخارج،  وبالتالي ميعت هذه اللائحة مما جعل البعض ينادي بإلغائها نهائيا لأنها ستفتح بابا لايمكن إغلاقه مستقبلا حيث تصبح كل فئة تطالب بلائحة تخصها وهذه قمة التمييع السياسي، ويبدو لي أن البلد عندما يفقد بوصلة الديمقراطية فإنه يعيش تخبطا تشريعيا وتنظيميا.
اللائحة الوطنية الخاصة بالنساء أصبحت مكسبا للنساء لكن الذي نخشاه أن يتحول هذا الكسب إلى ريع سياسي كيف ذلك ؟
إن “الكوطا” مرحلة مؤقتة حتى يتم تطبيع الحضور النسائي مع المؤسسات التشريعية وليست إجراءا دائما وفي تقديري من أجل حل إشكالية الوجود النسائي في المؤسسات المنتخبة لابد من توفر ما يلي :
إعادة النظر في المسالة الثقافية وتعميق التعامل مع الإنسان بروح أدمية مبنية على المردودية والكفاءات وليس على الجنس .
تأهيل الأحزاب السياسية حتى تتجاوز الرؤية الأبيسة في التشريعات إلى استحضار النفس الإنساني المبني على المردودية والكفاءة، وهذا مشكل ثقافي وسياسي يستوجب نضال النساء داخل الهيئات ليس للانتصار لأنفسهن وإنما انتصارا إلى فكرة مفادها أن التشريع يجب أن يُبنى بالكفاءة ومردودية وليس على أساس الجنس.
إقناع المواطنين بأن التصويت يجب ألايفرق بين الرجال والنساء وإنما أن يستحضروا الكفاءة والمر دودية، وهذا مجهود ثقافي وسياسي واجتماعي وأنتربولوجي.
إقناع النساء بالتصويت على النساء ليس لأنهن نساء بل إذا استحققن ذلك ولا ينطلقن من أن الرجال أكثر عطاء من النساء.
ألا تتحول نضالات النساء إلى نضال جنسي وإنما نضال من أجل كرامة الإنسان والاعتراف المعرفي بقدراته بغض النظر عن جنسه لأن النضال الجنسي الأنثوي يولد رد فعل نضال جنسي رجولي، وبذلك نقتل الوطنية ونغتال الوحدة ونؤسس للعصبية الجنسية وهذا خطر على استقرار الوطن المعنوي والمادي .
نخلص مما سبق، بأن اللائحة الوطنية النسائية يجب ألا تتحول إلى ريع سياسي وتصبح مكسبا مقدسا ويجب أن يتم نضال أخواتنا في المجال الثقافي والحزبي والمدني، وأن تحل الإشكال في عمقه وتجاوز المقاربة الجنسية التي لا تزيد الوضع إلا تفاقما وهذا واجب مشترك بين الرجال والنساء قصد بناء ديمقراطي الذي هو هم مشترك بين كل فئات المجتمع .

*رئيس اللجنة السياسية للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.