قربال يكتب: إشكالية السلامة الطرقية

نورالدين قربال
لماذا اعتبرت السلامة الطرقية إشكالية؟ لأننا نراهن على جهة واحدة من أجل حل المشكل. وقد تعودنا بالمغرب أنه كلما وقع مشكل في قطاع معين إلا ونلوم القطاع الوصي وما يدور في فلكه. لذلك اعتبرت هذا إشكالية في منهج التفكير، وصياغة المقاربة الشمولية لأي موضوع طرح مشكلا كبيرا تجلى في عدم تحديد المسؤوليات، مما يعقد الأمر. لذلك فالمطلوب تحديد مهمة كل من يعنيه الأمر، والمطالبة بتقديم تقارير لمتابعة مدى تطبيق التكاليف وأخيرا تقويم العمل واتخاذ الاجراءات اللازمة في هذا الباب، لأن القضية مرتبطة بأرواح الناس.

ومما يساعد على تجاوز هذا الإشكال الذي هو منهجي في الأصل. اعتماد المؤسساتية، والتواصلية، والتوعية، والتكوين.ومهما اجتهدنا في هذا المجال فإن الأمر يظل مرتبطا بالضمير، شأنه شأن جميع القطاعات. ويشكل الإعلام دورا مهما خاصة المسموع لأنه يستعمل من قبل السائقين كثيرا. مع التركيز على المهنيين من جميع النواحي. مستحضرين الدور الدستوري للمجتمع المدني. لذلك يجب أن تتطور القوانين المنظمة للقطاع بناء على مستجدات الدستور، الذي أصبح يركز على العمل المندمج المتكامل، والمقاربة التشاركية، وربط المسؤولية بالمحاسبة. والحكامة الجيدة وغيرها من القيم خاصة باب الحريات والحقوق، وأهمها حق الحياة.
والسلامة الطرقية تدخل في “واجب الوقت” ولا تقاس بالأيام والأسابيع لأنه حريق يومي يحتاج إلى إطفاء عن طريق التأهيل والرفع من الوعي، لأن ما نعيشه يندى له الجبين رغم المجهودات المبذولة في هذا المجال.

وهذا الموضوع لايحل بتفريع المؤسسات المهتمة به، وإنما بالتركيز على مؤسسات مضبوطة دون تشعب. لإن الفئات المستهدفة ليست نمطا واحدا من الناس، وهذا ما يجب أن يراعى في هذا المجال.
لقد انخرطنا في استراتيجيات منذ 2003، ثم انتقلنا إلى برامج استعجالية، منذ 2006، واليوم نعود إلى منظومة الاستراتيجيات، وهذا ليس عيبا ولكن ما هي الحصيلة؟ هل خفضنا معدل 10 قتلى يوميا؟ هل خفضنا من الخسائر البشرية والمالية المقدرة ب11مليار درهم سنويا؟ كيف سنخفض عدد القتلى سنويا الذي تجاوز 4000 قتيل؟
وقد ركز جلالة الملك على الضمير المهني أثناء حديثه على إصلاح منظومة العدالة، لذلك فالعنصر البشري محوري في التقليص من آفة حوادث السير. لذلك لا نستغرب من نسبة فاقت 80 في المئة، من أسباب حوادث السير راجعة إلى الإنسان. وهنا يتجلى الإشكال..

والملاحظ ان التركيز غالبا ما ينصب على المهنيين، وهذا مهم، لكن يجب أن تكون التوعية عامة، خاصة في ظرف تتطور فيه وثيرة استعمال السيارات بسرعة نظرا للتسهيلات التي أصبحت تقدمها الشركات المعنية. وتبقى أسئلة مهمة تطرح على مستوى توظيف الموارد البشرية بالنسبة للجنة المكلفة بالسلامة الطرقية، وكيف تدار الصفقات؟ وهل قمنا بتقويم عمل اللجنة أدبيا وماليا؟ بصفة عامة يطرح سؤال الجودة والحكامة.

سؤال جوهري كذلك يطرح على مستوى الجمعيات العاملة في هذا المجال، والتي لايصل عددها إلى 400 جمعية، مع الإشارة أن المغرب يتوفر على 100 ألف جمعية تقريبا، إذن هل المشكل في الجمعيات أم المؤسسة المكلفة بالتعاقد والشراكة؟ مع العلم أن حوالي 8 مليار سنتيم صرفت في هذا المجال. فالجمعيات هي التي تصل إلى المناطق النائية ويمكن أن تلعب أدوارا مهمة.إذا توفر “المعقول” من الأطراف المعنية.
وفي هذا الإطار لابد من ضبط الإطار القانوني لهذه الشراكات، والشفافية في صرف الدعم المخصص للمشاريع المتعلقة بالسلامة الطرقية، ونزاهة الافتحاص، والحق في الحصول على المعلومة التي هي ملك للجميج.
وأخيرا وليس آخرا نؤكد على ما يلي:

– الإقرار بالاختلالات حتى يمكن تجاوزها وأخذ العبرة لأن الأمر يتعلق بأرواح المواطنين.
– الشفافية في صرف ميزانية السلامة الطرقية، وتقديم تقارير دورية، والتقويم الجزئي والكلي.
– تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وإلا اعتبر الكل مساهما في هذه النسبة الدامية التي تنتج عن حوادث السير.
– الوضوح في بسط الاكراهات التي تعوق العمل في مجال السلامة الطرقية لأن القانون يعلو ولا يعلى عليه.
– احترام دفتر التحملات والشفافية في اختيار الشركات والضرب على أيدي المتلاعبين في المجال إداريا وقانونيا لأنه مساهم في الجرائم المرتكبة.
– إعادة النظر في عملية التحسيس والتوعية ومراعاة الفئات المستهدفة، والأخذ بعين الاعتبار السياق العام، بدل التركيز على عينة واحدة من الناس، مع احترام التوازن بين لغات التوظيف.
-تأهيل كل المكونات الإنسانية التي لها علاقة بالموضوع، مع استثمار كل المناسبات من أجل تمرير الخطاب.
– الاستشعار الدائم بأن الموضوع مستمر في كل لحظة وليس موسميا ولذلك لابد من توفير الموارد البشرية الكافية لتغطية المهمات المطلوبة في هذا المجال، واعتماد أسلوب الدعم والكفاءات بطرق شتى، للسائق “المثالي”، وفي هذا المجال هناك ضرورة للتنسيق مع قطاعات أخرى في هذا الباب، لأنه ليس من الضروري أن يكون الدعم ماديا.
– نتمنى أن يكون مشروع الوكالة الذي يروج له إضافة نوعية في مجال السلامة الطرقية وليس تغييرا هيكليا فارغا من المحتوى الذي سيلعب أدوارا رائدة في هذا المجال. لأن الإشكال في العمق إشكال إنساني أكثر من شيء آخر.
-التعاون مع الجهات المعنية في الرفع من والوعي الديني لدى المواطنين، واعتبار التلاعب بالسلامة الطرقية جريمة يعاقب عليها الإنسان في الدنيا والآخرة. وهذا الشعور مهم في غرس قيم العيش العامة التي تساهم في الحكامة الحضارية والمدنية والمواطنة.
نخلص مما سبق أن السلامة الطرقية شأن الجميع، لكن مع تحديد المسؤوليات، لذلك لابد من تغيير الاستراتيجيات المتبعة في هذا المجال. ومعالجة القطاع ككل، بمحاربة الريع بشتى أنواعه، وإنصاف من يستحق الإنصاف، واعتماد أسلوبي الترغيب والترهيب، في المجال التربوي، لأنه لا تسامح مع من يكون سببا في حوادث السير، شأنه شأن من يغش في التغذية المفضية للموت، فكلاهما يتسببان في موت البشر، أو إعاقتهم وخلق متاعب اجتماعية. وسنة جديدة مليئة بالسلامة الطرقية إذا سلمت العقول والقلوب والمؤسسات.

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.