خيي لـ “التجديد”: هناك طرق فنية للتعبير عن مواضيع حساسة دون الاعتداء على المتفرج وإزعاجه

14-02-14
يدافع الفنان والممثل الكبير محمد خيي في حوار أجرته معه يومية “التجديد” في عددها الصادر يوم الخميس 13 فبراير الجاري عن تعددية أدواره وتنوعها ويطرد عنه تهمة النمطية.
خيي يعلن أنه لن يصل حد التعري أو لعب الأدوار الساخنة في أي عمل مهما كان لذلك العمل من إغراء يهم الشهرة أو المال، ويرجع الظاهرة إلى اختلاف زوايا المعالجة لدى المخرجين، ويؤكد في نفس الآن أن هناك تقنيات فنية عدة لتصل الرسالة دون الاعتداء على المتفرج أو إزعاجه.
الممثل الملقب بوحش الشاشة خاصة بعد دور البطولة في فيلم “أندرومان من دم وفحم” لمخرجه عز العرب العلوي، أكد أن مثل هذه الألقاب لا تزعجه كما هو الشأن بلقب القايد بعد مسلسل “جنان الكرمة” وغيرها.
خيي المشهود له بقوة الأداء يرجع الفضل في مساره الفني لأحد أعمدة التكوين على التمثيل وخاصة المسرحي منه المرحوم عباس إبراهيم، والذي كان يؤكد له على أهمية الصدق في الأداء بدل الاستظهار، وأيضا لتطويره لمساره مستلهما التجربة الأمريكية التي لم يخف إعجابه بها.
وعبر خيي عن تعطشه لتجسيد شخصية عبد الكريم الخطابي ويوسف بن تاشفين والمولى إسماعيل، واعتبر أن من مشاكل غياب صناعة سينمائية بالمغرب ما يتم من تقديم لشخصيات لا صلة لها بالجانب الفني واعتماد أطر أقل تجربة لأنها الأقل ثمنا، وبهذا الواقع -يتابع خيي- لن نتقدم وسنظل دائما ننطلق من الصفر.
الممثل خيي الذي يهوى رياضة كمال الأجسام، يعتبر أن المسؤولية أصبحت مضاعفة عليه خاصة بعد الجوائز التي نالها والحفاوة التي يخصه بها الجمهور، فضلا عن التكريم الأخير الذي حظي به في مهرجان مراكش الدولي للفيلم وهو ما يتطلب منه التعامل بحذر وانتقاء للأدوار التي ستعرض عليه تقديرا لهول المسؤولية.
وفي ما يلي نص الحوار كاملا :

1 –  يشهد العديد من النقاد والمتتبعين لمحمد خيي بقوة الأداء في الأعمال السينمائية على وجه الخصوص فهل للموضوع صلة بكونك أحد خريجي مدرسة عباس إبراهيم؟
** بالفعل فبعد تجربة مسرح الهواة والمشاركة في أعمال مسرحية مختلفة، جاءت فترة التكوين على يد الأستاذ عباس إبراهيم رحمة الله عليه، والذي أعطاني صراحة ولكل الإخوة الذين كانوا في نفس الفوج الشيء الكثير ولم يبخل علينا بأي شيء، وكان عباس إبراهيم يهتم بقضية أساسية عند الممثل وهي الصدق في الأداء والتشخيص بحب وتفان، لأنه بدون هذه المحددات لا يمكن أن يثق بك الجمهور وبالشخصيات التي تلعبها، وساهم في ذلك أيضا ما كنا نقوم به من مسرح الارتجال وإعادة تشخيص أعمال من المسرح العالمي، حيث يقوم كل فردين أو أكثر باستجلاب عمل مكتوب لمسرحي عالمي ونعمل على الاشتغال عليه، وهذه كلها أمور نفعتنا إلى جانب الصرامة التي كانت لديه، فكان لا يقبل أن يشاهد ممثل أمامه يؤدي الدور بدون إقناع وبدون صدق، فقد كان دائما يحث على الصدق، وطبعا بعد ذلك عملت على تطوير تجربتي البسيطة والتي يؤثر فيها الممثلون الأمريكيون الكبار، الذين يبهرونني بطرقهم إلى درجة أتساءل معها هل بالفعل توجد كاميرا وتقنيين وفرق أمام هذا الممثل؟ كما أعمل على تقديم أدواري بإتقان وأنا حريص على إقناع الجمهور بأن لا يشاهد محمد خيي وإنما يشاهد الشخصيات التي ألعبها.
 
2 – أمام هذا المسار وما يسجل من براعة في الأداء، يلاحظ عدد من المتتبعين أن محمد خيي لا يحضر في السينما بأدوار رئيسية باستثناء حالات معدودة منها فيلم “أندرومان من دم وفحم” مثلا، ما السبب في ذلك؟
** أظن أنني لعبت أدوارا رئيسية مثل “أندرومان من دم وفحم” كما أشرت و”سميرة في الضيعة” وأمثلة أخرى غابت عني الآن، وهناك أعمال أخرى لا تكون لها شخصية واحدة رئيسية بل شخصيات نموذج “خارج التغطية” وأمثلة أخرى لا تحضرني الآن، لكن أعتقد أن المشكل يكمن في موضة معينة يحاول من خلالها المخرج أن يجلب وجوها جديدة وشباب جدد، ونحن طبعا لسنا ضد الشباب ولا الوجوه الجديدة، فإذا شاهدنا السينما الأمريكية مثلا سنجد ممثلين كبارا حاضرين بقوة ويقدمون الكثير لأي فيلم يلعبون فيه، وهذا أمر ما يزال غير حاضر في صناعاتنا السينمائية، خاصة أننا نتوفر لا أقول على نجوم ولكن شخصيات لها وزن في الساحة الفنية، والجمهور بسبب حضور هذه الوجوه يقبل على السينما لأنه يضمن مستوى معين من الأداء ومن المتعة، وبالنسبة للوجوه الجديدة فمكانها موجود دائما كما أن هناك أفلام بالفعل تتطلب كشرط وجوها شابة لكن المشكل أنها أصبحت حالة عامة.

3 – إلى ماذا يرجع السبب فيما ذكرت؟ هل المنتجون يختارون الفنان الأقل كلفة مادية أم الأمر يتعلق بما يصفه البعض بوجود متطفلين على الميدان الفني؟
** بالفعل هناك أناس يشتغلون في الميدان وهم لا علاقة لهم بالتمثيل، وللمخرجين دور أيضا، لأنه لا يعقل أن يجلب مخرج شخصية لا علاقة لها بالميدان الفني ولو في دور صغير، لأن المشكل يكون في الأداء وفي الإقناع وفي إيصال الرسالة التي يريدها المخرج، ولذلك فالمخرجين لهم مسؤولية في هذا الأمر وأظن أن لحظة اختيار الممثلين “الكاستينغ” هي لحظة مهمة وحاسمة في العمل، لأن من لا صلة له بالميدان لن يعطي أي نتيجة، فأولئك يشتغلون بثمن أقل وربما “باغي غير يبان” أو فقط أن يقال بأنه شارك في فيلم، لكن لا ينبغي أن ننسى هنا أن الأمر يتعلق بأموال الدولة، ولذلك من الواجب علينا أن نقدم لهذا الشعب أعمالا في المستوى كي يشاهدها.
بالتالي يُفترض تقديم منتوج في المستوى ويفيد السينما المغربية ويطورها للأمام، وعدم الاعتماد على ممثلين رئيسيين يعني الإبقاء على أكبر قدر من الأموال دون صرف، ومن هنا يطرح النقاش حول ضرورة تبرير الدعم المادي الذي يتوصل به المنتج والمخرج، وأيضاً حول أموال دافعي الضرائب ومجالات صرفها.

4 –  إلى جانب مشكل انتقاء الممثلين، ما هي بعض الأعطاب التي ترى أن السينما المغربية اليوم ما تزال تعاني منها، بعدما تحدث كثيرون وأنت منهم عن تجاوزها اليوم لمشاكل الإضاءة وما هو تقني عموما؟
** أولا حجم الدعم المادي المقدم لإنتاج فيلم ما ينعكس على مستوى الحوار “السيناريو” بأن يكون جيدا وكذلك بالنسبة للممثلين والتقنيين، ولا ينبغي أن نتخلى عن كل من راكم تجربة مهمة بدعوى أنه يطلب ثمنا باهظا، فهكذا سنظل نشتغل دائما من الصفر ولن نتقدم بالمرة ونحن نريد للسينما المغربية أن تتقدم، وذلك لا يتم إلا بالممثل الجيد والتقني الجيد وكاتب الحوار الجيد والمخرج الجيد، والمهم عندنا أن يصبح لدينا صناعة سينمائية. ثم هناك نقطة أخرى وهي أن الدولة لا ينبغي أن تبقى وحدها تدعم الإنتاج بل لابد من تشجيع الخواص للاستثمار في هذا المجال بما يخلق المنافسة ويساعد في اكتشاف طاقات جديدة.

5 –  بعد التكريم الذي حظيتم به في مهرجان مراكش ما الذي تغير أو سيتغير في تعاملك مع الأدوار المعروضة عليك؟
** سأتغير من ناحية شعوري بأن المسؤولية أصبحت أكبر، فلابد أن تكون الأدوار المستقبلية على قدر الاحتفاء بك من طرف المغاربة، وبالنسبة إلي كل من يعبر صادقا عن إعجابه بأدوار معينة يحملني مسؤولية أكبر، بحيث لابد من العمل لتصبح أعمالي أكثر إقناعا، وأخذت على نفسي الحرص الشديد على أن يكون النجاح عنوانا لأي عمل أشارك فيه، ليس بالضرورة مائة بالمائة ولكن المهم أن يقتنع الجمهور بالأداء وبأنه بذلت جهود تقنية وتشخيصية، ولذلك أتمنى أن تكون أعمالي حسنة في المستقبل إن شاء الله.

6 – ما هي الأدوار التي يحلم الممثل محمد خيي بتأديتها يوما ويعبر فيها بقوة؟
** الأدوار التي أتطلع وأحلم بلعبها كثيرة جداً، لأنه بالنسبة إلي “تنقول مازال مادرت والو” فأنا مازالت متعطشا للعديد من الأدوار ولست وحيدا في هذا، فأنا أحلم بلعب دور شخصية تاريخية من تاريخ وطننا الغني كشخصية عبد الكريم الخطابي ومجموعة من الشخصيات المقاومة التي ناضلت من أجل تحرير الوطن، حيث علينا الاعتراف بهم والعرفان لهم على ما أسدوه من خدمات للوطن، كما أتطلع للعب أدوار لشخصيات من قبيل يوسف ابن تاشفين والمولى إسماعيل وغيرها، فالأعياد القادمة والجيل الحالي من حقه أن يجد تاريخ بلاده موثقا ومعالجا عن طريق السينما والتلفزيون والمغاربة ككل الشعوب كلما تعرفوا على تاريخهم أكثر كلما أصبحوا أكثر حبا وارتباطا بوطنهم وتربتهم.

7 –  لماذا في نظرك تعرف السينما المغربية فقرا على مستوى الأعمال التاريخية؟
** بالنسبة إلينا كممثلين أظن أنه لا مشكل في الموضوع، لكن عندما يطرح على المخرجين والمنتجين دائما هناك حديث عن ضعف الإمكانات المادية لأن الأعمال التاريخية مكلفة وصعبة، وعلى كل حال ليس هناك عمل سهل، فالأعمال التاريخية تتطلب ديكورا من نوع خاص وملابس وإكسيسوارات لحقبة تاريخية معينة.

8 –  ألا ترى أنه إذا كانت هناك رغبة وإرادة سيتم التغلب على مثل هذه الصعوبات، وهو ما أكده المخرج حميد الزوغي في فيلمه التاريخي “بولنوار” وقبله “خربوشة”حيث قال إن من يقوم بهذه الأعمال يثبت عكس ما يقال من موانع مادية؟
** ممكن طبعا خاصة مع ممثلين جيدين، بالنسبة إلي ففي غياب ممثل جيد يوصل الرسالة مهما كان الحوار والمخرج والمنتج سيكون هناك مشكل، لأن هناك من يشخص وهناك من يحفظ ويقوم بالاستظهار وهذا لن يوصلنا لأي نتيجة.

9 – ضمن النقاط المثيرة للجدل في السينما المغربية موضوع مشاهد العري أو ما يسمى بالأدوار الساخنة، كيف يقارب محمد خيي هذه المسألة؟
** في هذا الموضوع ينبغي النظر إلى الواقع المغربي المعاش، والنظر فيما تم تشخيصه هل يوجد في المكتوب فقط ولا أثر له في الواقع، فلا أتصور أن مخرجا سيكتب موضوع بتوجه إسباني مثلا ويجسده في المغرب، وجزء مما نراه في السينما هو ضمن الواقع المعاش، وأعتبر أن السينما ينبغي أن تكون مثل الطبيب تقدم الأمراض التي يعاني منها المجتمع من أجل إصلاحها، وإذا لم تعالج فستتعاظم وتكثر. طبعا طرق المعالجة تختلف من مخرج لآخر وهناك طرق فنية يمكن التعبير بها عن مواضيع حساسة دون أن تعتدي على المتفرج ودون إزعاجه. وطبعا هناك مشاهد تكون معبرة وتوصل الرسالة بطريقة أخرى لكن كل مخرج تبقى له زوايا وطرق للمعالجة.

10 – بالنسبة إليك هل من الممكن أن نشاهدك في دور ساخن أو متعر في فيلم مستقبلا مثلا؟
** أن أصل إلى العري أو تلك المشاهد الساخنة لا أستطيع أن أقوم بها يوما، ولا يمكن أن أقوم بذلك من أجل المال أو الشهرة، ولم يسبق أن عرضت علي أدوار من هذا القبيل بالمرة.

11 – لقب وحش الشاشة أطلق عليك ولعل فيلم “أندرومان من دم وفحم” كان له المساهمة الأكبر في ذلك، هل تزعجك مثل هذه الألقاب؟
** لا، لا يزعجني بالعكس هو يسرني، لكونها ترمز لعطائي وأيضاً دليل على أن الجمهور يعطي للخير مكانة خاصة، بل ويستصحب معه الأدوار التي شخصها وليس اسمه الحقيقي. جميل أن أسمع الوحش أو القايد وغيرها من الألقاب فلا مشكل لدي في هذا الأمر.

12 – ما هو جديد محمد خيي لجمهوره؟
** انتهينا للتو من تصوير فيلم “فداء” وهو من إخراج إدريس شويكة وسيناريو عزيز الساطوري وهو فيلم يتحدث عن فترة الخمسينات وكيف كان يقوم شباب وشيوخ بالتخطيط لعمليات فدائية، والدور الخاص الذي قام به محمد الزرقطوني، فالفيلم يتحدث عن فترة المقاومة وهو عمل تاريخي، كما كنا نتحدث قبل قليل، لكي يبرز للمغاربة الجهود التي بذلها أجدادنا وحتى نستوعب أننا لم نأت هكذا فجأة ووجدنا الوطن محررا، بل إن هناك أناس تكبدوا القسوة والمعاناة وضحوا بالغالي والنفيس من أجلنا ومن أجل الوطن.

13 – عُرف خيي بتأدية أدوار القايد ورجل الشرطة ودور المخمور ورجل قسوة، هل تعتبر أنك تلعب أدوارا نمطية أصبحت لصيقة بك؟
** هذه ليست نمطية، والنمطية في نظري عندما تجد نفس الممثل في أدوار مختلفة لكن بنفس الأداء والإيقاع وما إلى ذلك، وهذا أمر غير موجود بالنسبة إلي، بل حتى في دور المخمور نفسه يختلف أدائي من دور لآخر، ومن همي التنوع في الأداء وإلا سأكون كسولا، وأنا أبحث مثلا في شخصية الشرطي عن الشرطي المختلف عني وعنا جميعا وعن الشرطي في فيلم آخر لكي تقدم الشخصية الجديدة كما هي، وبالتالي أرى في أدواري تنوعا وتعددية وليس هناك نمطية.

14- كلمة لجمهورك؟
** أتمنى أن تصبح لدينا صناعة سينمائية، وأرجو أن تعجب أعمالي الماضية والقادمة إن شاء الله الجمهور ويتمتع بها لأنه كلما تمتع الجمهور فأنا كذلك أستمتع وأتحفز للعطاء أكثر.
حاوره : محمد لغروس

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.