الرحموني لـ”الأيام”: نحن في مخاض عسير بغية إقرار الديمقراطية ودولة المواطنة

15-02-14 

يتحدث خالد الرحموني، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، في حوار مع أسبوعية “الأيام” في عددها الصادر خلال الأسبوع المنصرم، عن حصيلة الحكومة سواء على مستوى قضية الإصلاح الديمقراطي، أو على المستوى السياسي، والاقتصادي والاجتماعي.

وأوضح الرحموني أن من يحصر مسألة الإصلاح في الأرقام والمنحنيات يمارس تزييفا للوعي العام ويكرس تغليطا جرب مع تجارب سابقة، القضية الأساس هي ربط المسؤولية بالمحاسبة وإدماج الشعب في السياسة وفك العزلة عنها.

وقال الرحموني “نحن في مرحلة مخاض عسير من أجل إقرار الديمقراطية ودولة المواطنة على الأرض”، مؤكدا أن الحكومة لها هدف مركزي هو تأمين الانتقال الديمقراطي الحقيقي في محيط مضطرب ووضع البلاد على سكة العدالة الاجتماعية في مجتمع يعاني من الخصاص الديمقراطي والتنموي، برغم التركة التي تعد جد ثقيلة وعبؤها تنوء بحمله الجبال، وهو ما يجعل المهمة في هذه المرحلة الانتقالية صعبة ويجعل كلفة الإصلاح عالية وباهظة.

وفي ما يلي نص الحوار كاملا :

 

1 – بعد مرور سنتين من العمل الحكومي، ما هو التقييم الأولي الذي يمكن أن يقدم لعمل حكومة ابن كيران خلال هاته الفترة؟ 

** أعتقد أننا في حاجة ماسة إلى إجراء ذلك التقييم الجماعي بعيدا عن المقاربات الاختزالية التي تنظر للإصلاح كإجراءات وتدابير مفصولة عن سياقها العام، أو مبتورة الصلة بالأسئلة السياسية العنيدة والكبيرة والآمال العريضة التي أنتجتها المرحلة.. وهنا لا يجب أن ننسى أنه تم اقتطاع في الزمن السياسي للبلد في محاولة طرف سياسي معين أن يعرقل ويعطل الأداء التدبيري للحكومة، وذلك ما تؤشر عليه لحظة اندلاع أزمة سياسية غير مسبوقة مفتعلة من قبل القادة الاستقلاليين الجدد، مما هدد بإسقاط الحكومة ومحاولة تفجيرها من الداخل، مما خلف بعض البط في الأداء، الشيء الذي أحدث إرباكا بينا في تدبير أوراش الإصلاح، وجعل التحكم في زمن الإصلاح ومباشرة أولوياته مهمة ثقيلة على التجربة الحالية.

على الرغم من ذلك فإنني أراهن على أن التقييم الحقيقي العميق العلمي للتجربة لم يحن وقته بعد. حسب السياق والظرفية فنحن إزاء حكومة لها هدف مركزي هو تأمين الانتقال الديمقراطي الحقيقي في محيط مضطرب ووضع البلاد على سكة العدالة الاجتماعية في مجتمع يعاني من الخصاص الديمقراطي والتنموي.. التركة جد ثقيلة وعبؤها تنوء بحمله الجبال، وهو ما يجعل المهمة في هذه المرحلة الانتقالية صعبة ويجعل كلفة الإصلاح عالية وباهظة، لقد تسلمنا المسؤولية العمومية في وقت أصبح فيه تدبير الإصلاح العميق للدولة عبئا لا غنيمة. بمجرد انطلاق الحكومة في عملها ومباشرة الإصلاحات، وجدت نفسها أمام تحد كبير تمثل في انبعاث مقاومات من داخلها تقصدت فرملة الإصلاح المعلن وتوسلت أسلوب وضع العصا في عجلة الإصلاح، كان ذلك حتى قبل انتزاع قوى الردة المبادرة من جديد. خروج الاستقلال في لحظته هدد التحالف الحكومي بالانهيار، مما رهن الزمن الإصلاحي، وقلص من إمكانية الفعل التدبيري المنجز لكثير من القضايا والملفات – لكي لا أقول وعودا انتخابية – لمدة معتبرة فاقت ستة أشهر، لأن رهان تلك القوى وتحالف الفساد والاستبداد انصب أساسا على العمل على توهين العزيمة من خلال المبادرة إلى استثمار بئيس للوضع الإقليمي وخصوصا تفاعلات الانقلاب في مصر للعمل على إسقاط الحكومة.

الخلاصة في التقدير السياسي للمرحلة، أن الذي وقع هو أن الشعب عاقب النخب السابقة التي دبرت الشأن العام، ومنح ثقته لحزب سيمارس السلطة من موقع التدبير الحكومي لأول مرة وتحول موقعه من خندق المعارضة المؤسساتية إلى ساحة التدبير الحكومي في ظرف شديد التعقيد والتركيب.


2 – وما خلاصة نتائج التدبير الحكومي خلال هاته الفترة رغم أنك تؤمن بأنه لم يحن الوقت للتقييم بعد؟ 

في مستوى المنهج العام لمقاربة قضية الإصلاح الديمقراطي، انطلقنا بخطوات مازالت محدودة لكن تنحو في الاتجاه الصحيح في مسلسل تأمين الانتقال الديمقراطي والمساهمة إلى جانب المؤسسة الملكية في إخراج البلاد من عنق الزجاجة، والتمكن من ربح رهان تدبير المرحلة انتقالية بأسئلتها السياسية الشائكة وبتعقيداتها.

ويمكن القول إننا ساهمنا بقدر معتبر في تعميق منطق الشراكة والتعاون بين المؤسسات لا الانتصار للمنطق الحزبي الطائفي الضيق المكرس للتصادم في المشروعيات والتنازع بينها، وللتوضيح في هذا المستوى فإن العلاقة مع المؤسسة الملكية مبنية على أساس التعاقد من داخل الدستور المكرس للمرجعية الإسلامية والاختيار الديمقراطي والتفاهم على أساس حدود المسؤوليات.

 أما على المستوى السياسي، فقد أنجز الشيء المعتبر والمقدر، وهو في جوهره المصالحة لقطاع عريض من الشعب مع السياسة والشأن العام بعد أن هجروها لعقود مديدة احتجاجا وتبرما، وبعث الحياة في منظومة التخلق وحسن التسيير والقرب من الناس داخل العمل العام، وإعطاء نموذج لرجل السياسة مختلف في تكسير واضح للنمطية، التأسيس الفعلي لسلطة رئاسة الحكومة وحضورها القوي والفريد في المشهد العام السياسي والمؤسساتي، طبعا بمنطق التوازن والتعاون مع المؤسسة الملكية لا بمنطق التنازع أو التصادم، وتعزيز الثقة بين مكونات التحالف الحكومي، وبعث الأمل في إمكانية الإصلاح من الداخل وإشاعة ثقافة الإصلاح التراكمي المتدرج الهادئ الذي لا يثير ضجيجا، في وقت كان المطروح سياسيا في البلد وفي السياق العربي الثائر أطروحات وشعارات راديكالية تؤسس للثورة وتتكثف من خلال “الشعب يريد إسقاط النظام”.

على المستوى الاقتصادي، العمل على تحرير الإرادة المستقلة والتحكم في التوازنات الكبرى أولا كمقدمة لتصحيح السلوك الاستهلاكي للدولة وتغيير نمط التنمية ونموذجها الذي عمر لعقود وأثبت إفلاسه، مع الشروع في فكرة إنقاذ البلاد من الارتهان للمؤسسات النقدية الدولية، في محيط نعيش فيه على إيقاع الأزمة العالمية التي تسببت في انهيار العديد من النماذج.

وبالنسبة للجانب الاجتماعي، فقد تم إنتاج خطاب ورؤية تؤسس لتوازن بين الطبقات والفئات والجهات وتعمل على التوزيع العادل لثمار النمو، وقطعا مازلنا في البدايات الأولى وواجب على الحكومة الحالية أن تسرع من وتيرة الإصلاح والإنجاز على هذا الصعيد، لأن الإشكالية الاجتماعية هي العطب الأساسي الذي يهدد الآن الاستقرار الاجتماعي والسياسي.  

 

3 –  قدمت الحكومة وحزب العدالة والتنمية برنامجا تعاقديا يقضي برفع الحد الأدنى للأجور إلى ثلاثة آلاف درهم ويرقى بنسبة النمو الاقتصادي إلى سبعة في المائة في ظرفية صعبة، ألم تكن هذه الوعود وسيلة للوصول إلى النجاح في الانتخابات التشريعية وكسب ثقة الناخبين؟ 

مناقشة فكرة التعاقد والبرنامج والوعود الانتخابية، وقضية تدبير العلاقة بين الحزب وطروحاته والحكومة، مسائل نسبية إن لم أقل مضللة في الخطاب السياسي الرائج اليوم والوعي الشعبي العام الذي يريد البعض أن يقنعه بأن العدالة والتنمية مثل بقية الأطياف الحزبية ينكث الوعود وينقض العهود، وهذا رأي غير منصف ولا موضوعي، فالحزب تحصل على 27 في المائة من الأصوات الانتخابية، وهو يقود حكومة ائتلافية مبنية على الحد الأدنى المتوافق بشأنه، علما بأن نمط الاقتراع لا يفضي إلى إفراز أغلبية مطلقة، مما يعني أننا اضطررنا لإبرام تحالفات حكومية–ولا أقول سياسية- في هاته المرحلة الانتقالية طبيعتها أنها مؤقتة هشة ورخوة غير قارة مع قوى ساهمت في  تدبير المرحلة السابقة، ومن هنا نلمح مزيدا من التركيب في الانتقال السياسي الجاري في المغرب.

 أقول إن تجربة الإصلاح السياسي من موقع التدبير الحكومي التي يخوضها الحزب الآن وجب مقاربتها بمفاهيم أخرى. نعم التعاقد كان على روح البرامج والقضايا التي تمخض عنها الربيع الديمقراطي، واختزال ذلك في لغة الأرقام قد يبعدنا عن الموضوعية في التقييم وينزاح بنا عن جوهر الموضوع، الناس لم ينتخبوا العدالة والتنمية لأنه وعدهم بشيء من قبيل نسبة النمو أو الحد الأدنى للأجور أو غير ذلك. للإنصاف الناس اختاروا العدالة والتنمية في هاته المرحلة لأنهم فقدوا الثقة في مجمل الطبقة السياسية التي تعاقبت على تدبير الشأن العام لمراحل وساهمت في إفلاس البلاد ورهنها، بل عمقت تخلفها وأبعدتها عن مطالبها في الكرامة والعيش الكريم. 

 

4 – لكن لغة الأرقام عامل أساسي في تقييم عمل أي فريق حكومي؟

 من يحصر المسألة في الأرقام والمنحنيات يمارس تزييفا للوعي العام ويكرس تغليطا جرب مع تجارب سابقة، القضية الأساس هي ربط المسؤولية بالمحاسبة وإدماج الشعب في السياسة وفك العزلة عنها. حزب العدالة والتنمية لا ولم يمارس السياسة بمنطق الوعود المرسلة، بل هو في طبيعته وهويته السياسية فكرة إصلاحية ومشروع ممتد في المجتمع، يقارب ممارسته للشأن العام من منطلق رسالي ومن منطق الالتزام السياسي المبدئي.

أنا أجادل في قضية صارت مسلمة عند البعض في الخطاب السياسي والإعلامي لبعض الفاعلين، وهي مسألة أن الحزب تحصل على ثقة الناس وناخبيه انطلاقا من وعوده الانتخابية، وهذا غير دقيق كما سبقت الإشارة.  لي ملاحظة أخرى مقتضاها أن الذين يحاسبون الحزب على هاته الأمور التقنية في مجملها، هم موقنون بأنهم يحاسبوننا بالنموذج المعياري والمثالي للبلدان الديمقراطية، وبأننا انتقلنا إلى بلد ديمقراطي بالمرة وأنجزنا مهمة المهمات والتي هي مصالحة الدولة بالمجتمع، أنا أقول لا يا سيدي، نحن في مرحلة مخاض عسير من أجل إقرار الديمقراطية ودولة المواطنة على الأرض، الأرقام وحدها لا تسعفنا في ذلك رغم أهميتها ورمزيتها. أؤكد لكم أن قضية نسبة النمو وجب احتسابها في آخر ومتم التجربة وليس في أوسطها، والوعود جعلت سقف الانتظارات عاليا.


5 – لكن واقع الحال يخيب الآمال حسب معارضيكم، ما هو ردكم؟ 

أتفق معك كون سقف التطلعات ارتفع وأصبح عاليا ويجاوز المتاح، لكن ليس لذلك صلة بالوعود الانتخابية، ذلك اختزال مخل للمسألة غير مقبول نظريا. دعني أقول لك إن المعارضة هي معارضات وتشكيلات متباينة، من داخل المؤسسات ومن خارجها، المعارضة تعارض ما دبرته لسنين وهدفها الدفين هو إعاقة التحول الجاري الآن في البلد.

 إن معارضة الحكومة القائمة الآن تتم لصالح قوى الدولة العميقة والموازية ومراكز القوى وشبكات المصالح، هذه هي الحقيقة القوية والأكيدة، هي ليست معارضة لتدابير بل هي صرخات واحتجاجات على منطق الإصلاح.

الحقيقة هي أن من دبروا البلاد، هم من رهنوها للأزمة، وجعلوها تصل إلى حافة الإفلاس، وورطوا الدولة في أسلوب للتدبير مبذر وغير رشيد ولا عقلاني، استوطنت معه كل أساليب التخريب والنهب والفساد المالي والإداري والسياسي… الحكومة الحالية بقيادة العدالة والتنمية ليست مسؤولة عن سنوات الخراب والنهب المنظم الذي تم للمقدرات الوطنية والاحتكار للثروة الوطنية والتهريب والفساد العمومي.  


6 – نصبت الحكومة الحالية في سياق دستور جديد لم تفعل أغلبه، لماذا غابت أجرأة موسعة لدستور صوت عليه المغاربة قبل ثلاث سنوات؟ 

أعتقد أن ما يقال عن أن رئيس الحكومة ليست له الإرادة ولا الجرأة على الوفاء بالتنزيل الديمقراطي للدستور كلام يغيب عنه الإنصاف ويكرس وعيا زائفا بحقيقة المسألة الدستورية نفسها، بمعنى أن النصوص يتم إكسابها روحا جديدة من منطلق موازين القوى السياسية، فأطروحة التنزيل الديمقراطي للدستور زائفة في أساسها ويا ليتها تصدر عن قوى ديمقراطية حقيقية لنناقشها بالجدية اللازمة، هي تروج وتسوق في سياق البحث عن شماعة تعلق المعارضة عليها فشلها الانتخابي وتستبدل بها وتعوض الخصاص الفادح عندها في المستوى الديمقراطي. الدستور ليس “كاتالوكَا” أو برنامجا جاهزا ننزله بجمود وبلا روح أو بلا مراعاة موازين القوى، بل هو وثيقة تعاقدية تستلهم ومرجع للممارسة السياسية ولبناء سليم للعلاقات المؤسسية.  


7 – الحكومة متهمة بالإجهاز على القدرة الشرائية للمغاربة وهي تقر إصلاحا غير عادل لصندوق المقاصة، ألا يمكن أن يكون هذا الإصلاح الذي تباشره الحكومة نقمة على الحزب وشعبيته؟ 

كلمة الإجهاز ثقلية، وترسل تقييما غير منصف، بالعكس هناك إصرار من هذه الحكومة النابعة من رحم معاناة الشعب على الاستقرار في المجتمع وعدم المس بالقدرة الشرائية، والمضي بعيدا في تأكيد الحاجة إلى بث ثقافة التضامن بين الفئات والطبقات والجهات والعمل على ابتكار واقتراح سياسات تعمل على إحداث التوازن في المجتمع، لمعالجة جوانب الخصاص والهشاشة وانعدام العدالة الاجتماعية التي عمرت طويلا بحكم السياسات المتعاقبة. فإصلاح صندوق المقاصة يتأتى في هذا الإطار، ولعل التقرير الذي أنجز حول الصندوق كشف عن معطيات صادمة، وخلاصاته تؤكد أن الدعم كان لا يصرف للفئات المعوزة وأن الملايير التي تضخ فيه لا يستفيد منها الفقراء أساسا بل توجه صرفها لكبار الشركات وغيرها، وهذا يستنزف المالية العامة للدولة. 

حاوره: مصطفى منصور

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.