الهادي أبو بكـر يكتب عن: الإشهاد على الطلاق والرجعة

14.04.11
..بتفكيك هذا العنوان نحصل  على ثلاثـة عناصـر ظاهــرة، وهــي: 1/ الإشهاد، 2/والطلاق، والرجعة، وعنصر رابع ضمني هو العدة.
– لذلك، فإنني سأحاول تقسيم الموضوع إلى (4) فقرات:
الأولى: الطلاق والإجراءات التي تسبق الإذن به.
الثانية: الإشهاد بالطلاق وتوثيقه.
-2-
الثالثة: الرجعة والإشهاد بها.
الرابعة: العدة وإحصاؤها.
وفي فقرة خامسة أحاول رصد نتائج العمل بالمدونة بعد مضي (10) سنوات على العمل بها.
وأختم إن شاء الله ببعض المبادئ التي إن لابست عقود الزواج أن تجعل الزيجة سعيدة وناجحة.
ولا أحتاج إلى التطرق للتعريفات الفقهية والقانونية لعناصر الموضوع، ولا لأصلها النقلي في القرءان أو في الحديث، لأن الوقت قد لا يتسع لذلك، من جهة، ولأنها بديهية ومعروفة من جهة ثانية.
1.  عن العنصر الأول: الطلاق الرجعي – والإجراءات التي تسبق الإذن به
إن الطلاق عموما نوعان، طلاق سني، وطلاق بدعي.
فالطلاق السني هو الذي يوقعه الزوج في طهر لم يقع فيه مسيس، أو أثناء حمل قد استبان.
والطلاق البدعي هو الذي يوقعه في طهر وقع فيه مسيس، أو يوقعه والزوجة حائض.
وقد وردت أحكام الطلاق الذي يوقعه الزوج بإذن من القضاء في المواد 78/88 من مدونة الأسرة.
وهذه المواد لم ترد فيها أية إشارة للتمييز بين ما هو بدعي وبين ما هو سني من الطلاق خلافا لمدونة الأحوال الشخصية التي كان الفصل 47 منها ينص على أن القاضي، يجبر الزوج على الرجعة، إذا طلق زوجته وهي حائض.
-3-
وفي مثل هذه المسألة أصدر المجلس الأعلى قرارا بتاريخ 2005.1.12 أكد فيه أن الطلاق البدعي يجبر معه الزوج على ارتجاع الزوجة.
وصورة القضية التي صدر فيها هذا القرار تتخلص في أن الزوج حصل على إذن من القاضي بأن يطلق زوجته، في إطار مقتضيات الفصل 179 من قانون المسطرة المدنية المعمول به قبل صدور مدونة الأسرة.
وبعد أن أودع الزوج في صندوق المحكمة الواجبات التي حددها القاضي قام بالإشهاد على الطلاق لدى عدلين، وتم تبليغه إلى الزوجة، التي تقدمت بدعوى طلبت فيها الحكم بإبطال الإذن بالطلاق لأنها كانت حائضا وقت إيقاعه، ولم تتمكن من التصريح بذلك أمام القاضي لعدم توصلها بالاستدعاء لحضور جلسة الصلح.
لكن المحكمة لم تفصل في الدعوى إلا بعد انتهاء أمد العدة، رغم أنها كانت مرفوعة أمامها داخل الأمد المحدد.
وقد قضت المحكمة بعدم قبول طلب الزوجة لأنها لم تدل للقاضي بما يثبت أنها كانت حائضا عندما بلغ إليها الطلاق.
مع الإشارة إلى أن الإشهاد بالطلاق وقع يوم 2002.12.30، والزوجة رفعت الدعوى يوم 2003.1.30، أي قبل انتهاء أمد العدة، والحكم بعدم قبول الدعوى صدر يوم 2003.5.5.
والدعوى كانت ترمي إلى الحكم بإبطال الإذن، لكون المطلقة نازعت في صحة تبليغ الاستدعاء إليها لحضور جلسة الصلح التي تسبق الإذن بالطلاق.
ورغم أن الزوجة أدلت للمحكمة بشهادة طبية تثبت أنها كانت حائضا، رغم ذلك فإن المحكمة قضت بعدم قبول دعواها.
 -4-
 ذلك أن المطلقة أخطأت الصواب حين طلبت الحكم ببطلان الإذن بالطلاق، في الوقت الذي كان من حقها طلب الحكم بإجبار الزوج على إرجاعها.
والقرار أورده الأستاذ بحماني في ص 125/129 من مؤلفه القيم “العمل القضائي في قضايا الأسرة”.
ومن الإجراءات التي تسبق الإذن بالطلاق، محاولة إصلاح ذات البين بين الزوجين الذين يجب عليهما المثول شخصيا أمام المحكمة والاستماع إليهما.
وإذا تعذر الصلح، حددت المحكمة مبلغا ماليا يودعه الزوج بصندوق المحكمة داخل أجل 30 يوما، على وجه مستحقات الزوجة من صداق، ونفقة، ومقابل السكن عند الاقتضاء.
وإذا بادر الزوج إلى إيداع المبلغ الذي تحدده المحكمة، فإن هذه الأخيرة تصدر إذنا بالطلاق.

2.  عن العنصر الثاني: الإشهاد بالطلاق – إجراءاته
بعد صدور الإذن بالطلاق، يتسلم الزوج صاحب الطلب نسخته، ويتقدم بها إلى عدلين منتصبين ويشهدهما على ذلك، ويقومان بتحرير وثيقة الطلاق، ويخاطب عليها قاضي التوثيق، ويقوم هذا الأخير بتوجيه نسخة الوثيقة إلى المحكمة التي أصدرت الإذن، وكل ذلك طبقا لما تنص عليه المادة 87 من مدونة الأسرة.
وبعد توصل المحكمة بنسخة الوثيقة، تصدر قرارا معللا، قابلا للطعن، يتضمن بيانـات حددتها المـادة (88) من مدونـة الأسـرة، من بينهـا 1/ تاريخ الإشهاد بالطلاق، 2/ ما إذا كانت الزوجة حاملا أم لا؟.
وهذه الإجراءات تثير تساؤلات مشروعة ذات أهمية كبيرة من بينها:
1/ ما هو السند المثبت للطلاق، هل هو وثيقة الإشهاد بالطلاق؟ أم هو القرار المعلل الذي يتضمن البيانات المنصوص عليها في المادة (88)؟؟
 -5-
2/ متى يبتدئ أمد العدة، هل من تاريخ الإشهاد بالطلاق، أو من تاريخ الخطاب على الوثيقة، أو من تاريخ تبليغ الوثيقة إلى المطلقة؟
3/ كيف يمكن للمحكمة أن تعلم بالحمل من عدمه، إذا لم تحضر الزوجة في الجلسة التي تنعقد بعد الإشهاد على الطلاق؟؟
علما بأن المادة (72) من المدونة تنص على أن انحلال عقد الزواج تترتب آثاره من تاريخ الطلاق.
إن عدم تدقيق تاريخ سريان مفعول الطلاق، تترتب عليه آثار ومحاذير.
ذلك أن الزوجة قد لا يبلغ الطلاق إلى علمها ثم تموت، وتترك ما يورث عنها فيزعم الزوج المطلق أنه أرجعها أثناء العدة،
أو يموت الزوج، فتزعم المطلقة أنه مارس حق الرجعة خلال أمد العدة، أو تباشر علاقة جنسية غير مشروعة ينتج عنها حمل خلال العدة، فتنسبه إلى المطلق.
وبالرجوع إلى الإذن بالطلاق الذي تصدره المحكمة نجد أنه يحرر كما يلي:
“تأذن المحكمة للسيد فلان، بتوثيق طلاق فلانة لدى عدلين من عدول هذه” “المحكمة داخل أجل 15 يوما من تاريخه ….”
وهذا الأجل لم يرد به نص لا في المدونة ولا في النصوص التطبيقية لها، ولا نعلم ما هو سنده، وما هو أساسه؟؟
وحسب ما أكده لي بعض العدول الذين اتصلت بهم، فإنهم يرفضون تلقي الإشهاد بعد انصرام هذا الأجل.
كما أن بعض المحاكم تعالج هذا الإشكال بإصدار مقرر بتمديد الأجل، وأخرى تذهب إلى وجوب تقديم مقال جديد، حسب ما أكده لي بعض القضاة الذين يمارسون قضاء الأسرة.
-6-
وهذه إشكالات يجب رفعها بتعديل المدونة، وبتدقيق موادها.

3.  العنصر الثالث: الرجعة – الإشهاد عليها
إن الرجعة قد تكون بالقول وقد تكون بالفعل، أي بالمباشرة والمسيس والمعاشرة والمساكنة،
ورغم أن المادة 124 من المدونة تنص على وجوب إشهاد عدلين على الرجعة، وعليهما إخبار قاضي التوثيق فورا، وعلى هذا الأخير استدعاء الزوجة لإخبارها بذلك، فإن امتنعت ورفضت الرجوع يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق،
ويبدو أن صياغة المادة (124) هاته أكثر دقة وضبطا، وأوفى بالمقصود من المادة (87) المتعلقة بالإشهاد على الطلاق،
ذلك أن المادة (124) توجب على قاضي التوثيق، وقبل الخطاب على الوثيقة، توجب عليه أن يخبر المطلقة بالرجوع.
ومعنى ذلك أن الوثيقة لا تكون تامة إلا بعد الخطاب عليها، من قبل القاضي طبقا لما تنص عليه المادة (35) من القانون رقم 03-16 المتعلق بخطة العدالة،
في حين أن المادة (87) تنص على أن القاضي بمجرد خطابه على وثيقة الطلاق يقوم بإرسال نسختها إلى المحكمة التي أذنت به، لتقوم بالإجراءات المنصوص عليها في المادة (88) السالف ذكرها.
ولا يخفى أن هذه الإجراءات تستغرق وقتا قد يطول، ويحسب من العدة، والحال أن الطلاق لم يبلغ بعد إلى المطلقة.
علما بأن الرجعة على غرار ثبوت الزوجية يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات بما فيها البينة، أو الخبرة وبشهادة الشهود، وبغير ذلك من الوسائل.
فإذا كان إثبات الزوجية ممكنا بجميع وسائل الإثبات، فلا مانع من إثبات الرجعة سواء من قبل الزوج، أو من قبل الزوجة.
-7-
وقد عرضت على القضاء حالات من هذا القبيل، واجتهد في حلها اجتهادا يضمن الحقوق، ويصون الأعراض، ويحفظ الأنساب.
وبالفعل، فقد أصدر المجلس الأعلى قرارا بتاريخ 2007.11.28، في قضية نفى فيها الزوج نسب أحد أبنائه لكونه ازداد في سنة 1993، والحال أنه طلق الزوجة طلاقا رجعيا في سنة 1988.
وقد أقرت الزوجة بالطلاق، ولكنها ادعت الارتجاع منه، وأدلت لإثبات ذلك بلفيف عدلي.
وعلل المجلس الأعلى قراره بحيثية جاء فيها ما يلي:
“لكن حيث إن الرجعة تثبت بالقول كما تثبت بالفعل كالوطئ أو مقدماته،” “طبقا لما هو مقرر في المذهب المالكي، والثابت من أوراق الملف أن” “المطلوبة (أي الزوجة) أدلت بموجب لفيفي مستفسر، شهد شهوده بأن” “الزوج كان يعاشر المطلوبة معاشرة الأزواج  ويتردد عليها في بيتها،” “شأن الزوج مع زوجتـه إلى حيـن ولادة الابـن المطعـون في نسبـه” “والمحكمـة لمـا عللـت قرارهـا بـأن الابـن ازداد على فراش الزوجية بناء” “على الموجب اللفيفي المذكور الذي يثبت الرجعة، والذي لم يطعن فيه” “بمقبول  الشيء الذي أكدته الخبرة الجينية التي أمرت بها المحكمة وأثبتت” “انتساب الولد للطاعن ……”
القرار أورده الأستاذ بحماني في ص 539/543 من المؤلف السالف ذكره.
وقد اعتبر المجلس الأعلى أن الوطء وقع بشبهة، وعلى امرأة خالية من الزوج، مما ينبغي معه لحوق النسب، طبقا لما ينص عليه الفصل 87 من مدونة الأحوال الشخصية.
وهذا الفصل تطابقه المادة (152) من مدونة الأسرة التي تحدد أسباب لحوق النسب، ومن بينها الشبهة.
 -8-
وتنص المادة (155) من المدونة على أن النسب الناتج عن الشبهة يثبت بجميع وسائل الإثبات المقررة شرعا.
وهذه إشكالات ينبغي رفعها بتعديل المدونة وبتدقيق موادها فيما يخص تاريخ ابتداء حساب أمد العدة.
وأود هنا التذكير بأن الطلاق الرجعي والتعدد كانا من أكبر المواضيع التي استأثرت بحصة الأسد في النقاش العام الذي تمخضت عنه مدونة الأسرة.
وفي غمار ذلك الصراع، كانت بعض الأصوات المناهضة للحق في الرجعة، تقول بأن هذا الحق يمس بكرامة المرأة، وبأن الزوجة ليست جوربا يخلعه الرجل أو يلبسه متى شاء.
ومن جملة الساحات التي كانت مسرحا لبعض فصول ذلك النقاش، مؤتمر جمعية هيئات المحامين بالمغرب المنعقد في شهر يونيو 1999 بمدينة مراكش، وفيه ارتفعت أصوات طالبت بتقنين الدعارة، بدعوى أنها تجلب العملة الصعبة.
ولكن حكمة جلالة الملك محمد السادس أنهت النقاش بشكل حفظ للمجتمع وحدته، حين مارس حفظه الله صلاحياته أميرا للمؤمين، وأكد أنه لا يحل ما حرم الله، ولا يحرم ما أحل الله.

4.  العنصر الرابع: العدة – أمدها وإحصاؤها
كما سلف القول، فإن الزوج المطلق طلاقا رجعيا يحق له ارتجاع الزوجة المطلقة ما لم تنقض عدتها، مما ينبغي معه تحديد بداية الأمد ونهايته.
إن المادة 129 من مدونة الأسرة تنص على أن العدة يبتدئ إحصاؤها من الطلاق، أو التطليق، أو الفسخ، أو الوفاة، تأكيدا لما تنص عليه المادة (72) منها.
وقد سبقت الإشارة إلى الإشكال الذي يترتب على عدم بلوغ الطلاق إلى علم المطلقة، والمنطق السليم يقتضي أيضا القول بأن حساب العدة لا ينبغي أن يبتدئ إلا من تاريخ العلم، وهو ما استقر عليه العمل القضائي في عدة مناسبات، واعتمد في ذلك على قرائن مثل تسلم وحيازة المستحقات التي أودعها المطلق، كما ذهبت إلى ذلك محكمة النقض في القرار رقم (488) الذي أصدرته بتاريخ 2011.09.20، والمنشور في العدد (10) من نشرة قرارات محكمة النقض (ص 37/38)
-9-
وقد يكون هناك خلاف بين المطلق والمطلقة حول براءة الرحم مع ما يترتب على ذلك من قصر أو طول في أمد العدة.
وهذا الاحتمال ورد في المادة (134) من المدونة التي تنص على أن المطلقة إذا ادعت الريبة في الحمل، ونازع المطلق في ذلك يرفع النزاع إلى المحكمة التي تستعين بذوي الخبرة للتأكد من وجود الحمل ومن فترة نشوئه.
وعلى ضوء ما يسفر عنه تحقيق الدعوى، تقرر المحكمة استمرار العدة أو انتهاءها.
ومؤدى هذه المادة ومفهومها أن المطلقة تكون حاضرة في مجلس الإشهاد على الطلاق، وإلا فلا معنى لإدعاء ريبة الحمل، ولا معنى لمنازعة المفارق في الإدعاء.
وكيفما كان الحال، فإن هذه المادة ينشأ عنها إشكال كبير، يتجلى في فتح الباب أمام تحايل الزوجة لمنع مفارقها من ارتجاعها، بادعاء ريبة الحمل، والحال أن الواقع خلاف هذا الإدعاء.
علما بأن الفصل في النزاع قد يستغرق عدة شهور، وقد يسفر عن عدم صحة الإدعاء، ولكن بعد انتهاء أمد الحمل، مما يفوت حق الرجعة على الزوج المفارق.
تلك هي بعض الإشكالات التي أسفر عنها تنزيل المدونة فيما يتعلق بالطلاق والرجعة وتوثيقهما، وتلك بعض الصعوبات التي تواجه الممارسين، سواء منهم القضاة، أو العدول، أو المحامين.
ومن المفيد أن نتمم هذه الورقة بمحاولة تلمس النتائج الإيجابية التي تحققت خلال (10) سنوات من تطبيق مدونة الأسرة، اعتمادا على مؤشرات نرى أنها تبعث على التفاؤل والاطمئنان.

5. محاولة قراءة النتائج قراءة إيجابية:
لا شك أن تنزيل مدونة الأسرة تعترضه صعوبات كثيرة، منها ما يرجع إلى الثغرات الموجودة في النص، ومنها ما يرجع إلى ثقافة المجتمع وإلى ما تجذر فيه من عادات وتقاليد، ومنها ما يرجع إلى عدم توفير وسائل التطبيق السليم، وإلى عدم توفر الإمكانات البشرية والمادية للتنزيل الذي تتحقق به المقاصد المنشودة من المدونة.
-10-
ورغم ذلك، فيمكن القول بأن أحوال المجتمع المغربي والحمد لله ليست بالسوء الذي يصوره الإعلام، ويمكن القول بأن نظام الأسرة آخذ في التماسك والتلاحم ، بفضل انتشار الوعي، والإقبال على الدين وعلى ثقافة حقوق الإنسان.
وقد جاء دستور 2011 ليعزز نظام الأسرة، وأفرد لذلك فصلا خاصا، هو الفصل (32) في الباب الثاني منه الخاص بالحقوق والحريات الأساسية.
وهذا الفصل ينص على إحداث مجلس استشاري للأسرة، وأكد أن الأسرة القائمة على الزواج الشرعــي هـــي الخليــة الأســـاس للمجتمـــع، وذلــك احتــرازا مــن الأنظمــة الأسريــة الجديــدة التــي ظهرت في الغــرب، مثــل نظــام الميثــاق المدنــي للتضامــن “Pacs” ونظــام زواج المثليــن، (الــزواج للجميــع Mariage pour tous) مع ما يستتبعه من الحق في تبني الأطفال، ومن (استيلادهم) خارج الإطار الطبيعي للإنجاب.
وللتأكد من تمسك المغاربة بنظام الأسرة المبني على الزواج الشرعي يمكن الرجوع إلى إحصائيات عقود الزواج المبرمة خلال السنوات الأخيرة.
وقد تأرجح عدد عقود الزواج بين 228.000 عقد في سنة 2.000، و235.000 عقد في سنة 2001، و246.200 عقد في سنة 2002، و263.500 عقد في سنة 2003.
ثم تراجع في سنة 2004 إلى 236.500 عقد وإلى 244.800 عقد في سنة 2005.
ثم استعاد وتيرة الارتفاع ابتداء من سنة 2006 حيث وصل العدد إلى 273.000 واستمر الارتفاع فوصل إلى 364.367 عقدا في سنة 2011.
-11-
ويبدو أن سبب تراجع عدد العقود في سنتي 2004 و2005، يعود إلى التوجس من مقتضيات مدونة الأسرة التي دخلت حيز التنفيذ ابتداء من شهر فبراير 2004.
ولكن ذلك التوجس قد تبدد، بعد أن استوعب المجتمع أهداف المدونة، وبعد التأكد من عدم صحة ما كان يروج عنها عن قصد أو عن خطأ في الفهم.
وبمقارنة عدد عقود الزواج في المغرب، مع عددها في فرنسا نجد أن النظام الأسري عندهم آخذ في التئاكل والانقراض.
فالإحصائيات المنشورة تفيد أن عقود الزواج بين الذكر والأنثى في تراجع مستمر، ففي سنة 2000 وصل عددها إلى 305.234 عقدا، ثم أخذ يتراجع سنويا، وانخفض في سنة 2013 إلى 231.000 عقد.
علما بأن ما يسمى بالميثاق المدني للتضامن قد ظهر عندهم في سنة 2000، وفيها تم إبرام 5.412 عقدا بين جنسين مختلفين، و16.859 عقدا بين مثلين.
وهذا النوع من العقود في ارتفاع مستمر، إذ وصل في سنة 2010 إلى 196.413 عقدا.
ومنذ أواسط سنة 2013 ابتدأ العمل بتقنين زواج المثلين وتم تسجيل 7000 حالة زواج من هذا النوع وحده في أقل من ستة شهور.
أما الطلاق فإن إحصائيات وزارة العدل عن السنوات 2009/2011 تفيد وتثبت ميل عقود الزواج نحو الارتفاع، وتثبت استقرار حالات الطلاق والتطليق، مما يدل على التماسك الأسري واستقراره.
ففي سنة 2009 وصل مجموع عقود الزواج إلى 328.362 عقدا، مقابل 55.255 حالة فراق.
-12-
وفي سنة 2010 وصل الزواج إلى 325.212 عقدا مقابل 56.016 حالة فراق.
وفي سنة 2011 وصل الزواج إلى 364.367 عقدا مقابل 56.198 حالة فراق.
– وبالمقارنة مع فرنسا، فإن الإحصائيات التي نشرتها وزارة العدل الفرنسية عن سنة 2005 أكدت وقوع 522 حالة طلاق من كل حالة ألف زواج، أي أن نسبة 52,2 % من عقود الزواج، تنتهي بالطلاق.
وهذه الظاهرة ترجع إلى عدة أسباب، من بينها نظام الميثاق المدني للتضامن، ونظام الزواج المثلي، ومنها حالات المخاللة، ومنها ظاهرة الإباحية.
وعلى ضوء هذه المؤشرات، نستطيع القول بأن حالة مجتمعنا لا تدعو إلى القلق، ولا إلى الخوف على مستقبل النظام الأسري.
 
6.  خاتمة
ورغم المؤشرات الإيجابية المذكورة، فإن الأهداف والمقاصد التي يتوخاها المجتمع المغربي من مدونة الأسرة، لن تتحقق باللهث وراء تطبيقها تطبيقا مكانكيا، مجردا من طابعها الديني.
لذلك ينبغي استحضار أن أحكام المدونة كلها من الدين، قبل أن تكون قواعد قانونية جافة غايتها تنظيم العلاقة بين المتعاقدين.
فالزواج من الدين، والطلاق من الدين، والرجعة من الدين، والمراجعة من الدين، والتوثيق من الدين، والإنفاق على من تجب له النفقة من الدين وكل ذلك قربة وزلفى إلى الله تبارك وتعالى.
 
-13-
وحتى الإجراءات المسطرية التي تتعلق بتنزيل أحكام المدونة ينبغي النظر إليها من الزاوية الدينية، لأنها ترمي إلى حفظ الدين، وما يهدف إلى ذلك فهو من الدين.
والمجتمع لن يجني الثمار المرجوة من المدونة إلا باستحضار الجانب التعبدي لأحكامها.
واعتبارا لذلك، فإن الجميع مدعو لمضاعفة الجهد، من أجل نشر الوعي بهذه المعاني، وخاصة لدى النساء، وعليهن تعقد كل الآمال ودورهن دور مركزي ومحوري، وقد أثبتن جدارتهن في عدة مجالات، وتفوقن فيها على الرجال.
والمجالس العلمية تقع عليها مهمة تأطير وتنظيم أنشطة وحملات في هذا الاتجاه، بتعاون مع مراكز الاستقبال التي تشرف عليها جمعيات نسائية، بعيدا عن أجواء الشحن والتحريض.
ولا شك أن استقرار أوضاع الأسرة يتطلب التضحية والصبر من طرفي علاقة الزواج، وما أحوجنا إلى التنقيب في تراثنا عن نماذج مثالية جديرة بالإقتداء والتأسي.
وفي هذا الباب أشير إلى الحوار الذي دار بين القاضي المشهور شريح رحمه الله، وبين زوجته في ليلة البناء بها، ولا يتسع المقام لإيراده، ويمكن الرجوع إليه في المجلد السابع من العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي (ص 100/102) وهو حوار يمكن أن نطلق عليه “خارطة طريق لبناء الحيـاة”
“الزوجية السعيدة والناجحة”.
وأجعل مسك الختام ما أورده، الإمام النسفي رحمه الله، عند تفسير قوله تعالى في سورة النساء “…. وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ” إذ قال:
“وإن تحسنوا- بالإقامة على نسائكم، وإن كرهتموهن وأحببتم غيرهن، وتصبروا على ذلك مراعاة لحق الصحبة، (وتتقوا) النشوز والإعراض وما يؤدي إلى الأذى والخصومة، (فإن الله  كان بما تعملون) من الإحسان والتقوى (خبيرا) فيثيبكم عليه.
-14-
وأضاف القول: بأن شخصا يسمى “عمران الخارجي” كان من أدم بني آدم، أي من أقبحهم، وكانت امرأته من أجمل بني أدم، فنظرت إليه، أي إلى عمران وقالت الحمد لله على أني وإياك من أهل الجنة، وقال لها كيف ذلك؟ أجابت، لأنك رزقت مثلي فشكرت، ورزقت مثلك فصبرت، والجنة موعودة للشاكرين والصابرين.
وبهذه الباقة الفواحة العبقة أختم هذه المشاركة، وأرجو منكم المعذرة والصفح عما فيها من نقص وقصور.
والســــلام عليكـــم ورحمــــة الله تعالــــــى وبركاتــــــــه
  الأستاذ الهادي أبو بكـــر
 ألقيت هذه المشاركة في الندوة التي نظمها المجلس العلمي المحلي للنواصر بشراكة مع هيأة المحامين بالدار البيضاء يوم 2014.03.22.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.