حيكر يكتب: ترشح غلاب لرئاسة ثانية لمجلس النواب.. رفض لهيمنة الحكومة أم تمهيد لإعادة التحكم والعبث السياسي؟

14.04.11
بقلم عبد الصمد حيكر*
أعلن كريم غلاب ترشحه لرئاسة مجلس النواب لما تبقى من الولاية التشريعية، مستندا إلى ضرورة تكريس فصل السلط كواحد من ثوابت النظام الدستوري والسياسي ومن أجل التصدي لهيمنة الحكومة على المؤسسة البرلمانية، وذلك باعتبار أن اختيار رئيس مجلس النواب قرار خاص للنواب ويعبرون عنه بالتصويت السري الحر. كما عبر السيد” الرئيس / المرشح” أنه اختار الترشح لرئاسة مجلس النواب مرة أخرى من جهة إعمالا لمنطق التنافس الديمقراطي، ومن جهة أخرى حرصاً منه على مواصلة العمل على تنزيل الخطة الاستراتيجية لتأهيل وتطوير عمل مجلس النواب التي أقر السيد الرئيس أنها مجهود جماعي يحسب لجميع الفرق باعتبارها ممثلة في مكتب المجلس.
وتعرضت لوابل من الاتصالات من طرف عدد من الصحفيين وعدد من متتبعي الشأن السياسي العام ببلادنا ومن عدد من المواطنين …. يتساءلون عن حقيقة تماسك الأغلبية ومدى توفر السيد غلاب على حظوظ للفوز بهذا المنصب/ المسؤولية .ونظرا لهذا الكم من الأسئلة والاهتمام الذي أحاط بالموضوع ونظرا للحيز الذي احتله هذا الموضوع في الفضاء الإعلامي المكتوب والإلكتروني وحتى السمعي البصري أحب أن أبدي جملة من الملاحظات الأولية والبسيطة أجملها كما يلي:

*أن يترشح شخص لشغل منصب رئاسة مجلس النواب، سواء كان السيد غلاب أم غيره، يمثل بالنسبة إلي أمرا عاديا جداً، ويعتبر تمرينا ديمقراطيا يعزز التراكمات الإيجابية التي حققتها النخبة السياسية بصفة عامة، مادام التنافس شريفاً، وما لم تستعمل فيه الأساليب المشينة من قبيل دخول بعض رموز التحكم على الخط وممارسة الابتزاز على بعض النواب من هنا أو هناك، ومن قبيل استعمال المال الحرام لشراء الذمم(، والحديث عن ذلك رائج )ومن قبيل انخراط بعض موظفي المجلس في القيام بحملة لصالح الرئيس / المرشح وبإمكانيات وموارد المجلس….

*إن اندفاع السيد غلاب المتحمس وحديثه على أن فصل السلط يعني بالنسبة إليه أن يكون البرلمانيون قادرين على اختيار رئيس مجلسهم دون التقيد بمنطق الانتماء/الالتزام في أغلبية برلمانية تشكل امتدادا للأغلبية الحكومية وتجسد الاستقرار الحكومي الذي إذا اختل يمكنه إسقاط الحكومة أو عدم تنصيبها أصلا، يوحي إلي موقف السيد الرئيس/ المرشح هذا بتساؤلين اثنين على الأقل:
أولهما: لماذا هذا الفهم” الديمقراطي ” لمبدأ فصل السلط غاب عند ترشح السيد الرئيس لهذا المنصب في مستهل الفترة النيابية باعتباره كان ساعتها مرشحا للأغلبية، بل إن الاتفاق بشأن ترشيحه كان قرارا سياسيا من مشمولات التفاوض على تشكيل الاغلبية الحكومية، وكمؤشر ساعتها على قيام هذه الأغلبية وتماسكها؟؟؟؟!!!  وهل يوجد في الديموقراطيات المتقدمة في العالم نموذج ينص على أن فصل السلط لا يتحقق إلا إذا كان رئيس البرلمان من “المعارضة”؟؟؟؟
ثانيهما:  ماذا يعني الالتزام السياسي للسيد الرئيس / المرشح ؟ وكيف يفهم تنصيص الوثيقة الدستورية على منع الترحال السياسي سواء عبر التخلي عن الانتماء السياسي الذي ترشح على أساسه أو عبر تغيير الفريق الذي كان ينتمي إليه؟ أليس من أجل ضمان استقرار أغلبية تقوم على تدبير الشأن العام ويتم تنصيبها من قبل البرلمان بتأييد الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب؟ أليس من أجل إعطاء معنى إيجابي للعملية السياسية والانتخابية ؟ ألا يعبر ذلك علن أن الرئيس لا يأبه بشيء اسمه الوفاء والالتزام حتى يمني نفسه بأن يصوت عليه نواب من الأغلبية؟ أم أن تكوينه كمهندس يجعله براغماتيا لا يفقه إلا منطق الحسابات ومنطق الغاية تبرر الوسيلة؟ أم أنه كما جيء به إلى حزب الاستقلال وفرضه على هذا الحزب المبتلى كواحد من ” أطره” ووزرائه يتوقع أن يتم فرضه بطريقة مظلاتية على مجلس يتوفر على خريطة انتخابية تعبر عن ثورة الصناديق، لا أظن أن السيد الرئيس يفهمها أو يتذوقها أو يعرفها؟ لأننا في الدار البيضاء نعلم أي نوع من الحملات الانتخابية يشنها السيد الرئيس ووفق أية آليات، كما نعلم جيدا كيف كان يراد له أن يفرض رئيسا على مجلس مقاطعة سباتة بالسعي إلى تأجيل جلسة التصويت أو من خلال تقديمه أن جهات عليا ( نجهلها) تريده رئيسا أو عبر تهديد المنافس ومكونات تحالفه؟؟

* أن يشدد الرئيس / المرشح على استقلالية النواب البرلمانيين في قرارهم وحريتهم في اختيار من يصوتون عليه أمر إيجابي وأنا معه، ومن قال بغيره؟؟ لكن هل معنى الاستقلالية هو ممارسة العبث السياسي وتبديد الزمن الانتخابي وتحطيم المنطق السياسي، إذ كيف يتصور أن تكون حكومة تم تنصيبها من قبل أغلبية برلمانية ينتهي دورها عند هذا التنصيب، ثم تتحول لتتبع رئيسا ألف كرسي رئاسة مجلس النواب وصعب عليه التخلي عنه، أو أن يتصور تحوله إلى برلماني عادي؟ لماذا يريد السيد المرشح غلاب أن ينتهي دور البرلمانيين عند مجرد التصويت عليه كي يبرهنوا بذلك عن هذه الحرية والاستقلالية ؟؟ أليست هذه أنانية مقيتة ؟؟ أليس تضخما للأنا عند السيد المرشح الذي لا ينظر إلى العالم إلا من خلاله؟

* لنتحدث بعض الشيء عن ” الحصيلة الإيجابية “لعمل المجلس في ظل رئاسته، ومن غير أن نؤكد على أن تدبير المجلس يتم عن طريق مكتبه الذي يضم ممثلين عن مختلف الفرق، وتمثل فيه فرق الأغلبية البرلمانية بثمانية أعضاء على أربعة عشر ضمنهم الرئيس؟؟ لمن تحسب إذن الحصيلة الإيجابية؟ للرئيس وحده أم للأغلبية البرلمانية وهي امتداد للأغلبية الحكومية أم لجميع الفرقاء؟؟
ثم من جهة أخرى ما هي الحصيلة الإيجابية للسيد الرئيس المنتهية ولايته في مجال التخليق مثلا؟ لماذا كان يتكتم عن أعضاء ديوانه؟ ولا أحد منا يعلم لا عددهم ولا أسماءهم ولا مهامهم ولا أي شيء عنهم؟
لماذا ظل السيد الرئيس المنتهية ولايته يرفض تمكين أعضاء المكتب بلائحة كاملة لموظفي المجلس بحسب المهام التي يشغلونها ؟؟
ما هو عدد سيارات المجلس التي وضعها السيد الرئيس المنتهية ولايته رهن إشارته وكان يستغلها؟ وكيف كان يستغلها؟ هل في إطار القيام بمهام في إطار عمل المجلس أم لأغراض أخرى؟
لماذا استغل السيد الرئيس المنتهية ولايته موقع مجلس النواب على الأنترنت من أجل إعلان ترشحه والدعوة إلى الندوة الصحفية ولإعادة الترويج للبلاغ الذي نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء؟؟ هل تصرفه هنا بوصفه رئيسا أم بوصفه نائبا برلمانياً اختار الترشح؟ ثم إذا جاز الترويج لمبدأ التنافس على رئاسة المجلس عبر الموقع المذكور باعتباره حدثا نوعيا، فلماذا لم يمنح نفس الحق للمرشح المنافس؟
إن خوض سباق الترشح لرئاسة مجلس النواب من طرف الرئيس المنتهية ولايته تمرين ديمقراطي، إلا أن فوزه في هذا السباق من جهة يعد بحق واحدا من غرائب الدنيا والحياة السياسية في بلادنا، وإذا ما تحقق فهو مقبول ديمقراطيا إلا أنه انتكاسة سياسية وردة ديموقراطية وانقلاب على الدستور وروحه، كما أنه سيجسد قمة العبث السياسي ولا بد أن ينتج عنه فعل جديد للأغلبية الحكومية من قبيل ربط مواصلة الحكومة لعملها بالتصويت على نص تشريعي ما أو تقديم استقالتها؟
أتمنى ألا يتعرض الرئيس المنتهية ولايته لهزيمة أخرى، كما أتمنى أن يكون ترشحه هذا فعلا اختيارا ذاتيا حرا ومستقلا للسيد الرئيس المنتهية ولايته، اهتدى إليه بعد طول تفكير وتأمل، وأنه فعلا سعي إلى تكريس تمرين وتنافس ديموقراط، وألا يكون قد همس له به بعض الفاشلين سياسيا والمنبوذين على المستوى المجتمعي، وألا يكون  هذا الترشح حلقة ضمن أجندة سياسية تحكمية!!!
*برلماني وعضو مكتب مجلس النواب

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.