يتيم يكتب عن “لحظة انتصار ديمقراطية وانهزام للتحكم”

 14.04.17
بقلم: محمد يتيم
لن أرجع إلى الوراء وإلى ما أثير عن مسألة إعادة تشكيل الأغلبية ودخول حزب الأحرار الأغلبية، فقد كفى الأخ الأمين العام للحزب السيد عبد الإله بن كيران في هذا الموضوع وشفى، حين بين في لقاء الأغلبية بأن اللقاءات التي جمعت بينه وبين السيد الأمين العام للأحرار كانت فرصة للتوضيح وإزالة الالتباسات ووضع أسس العمل المشترك، وهي الأسس التي تمت ترجمتها مساء يوم الخميس الماضي حين توقيع ميثاق الأغلبية المعدل وإعادة ترتيب أولويات العمل الحكومي ومنهجية العمل المشترك.
ولكن أريد أن أقف عند دلالات التعبئة والتصويت على مرشح الأغلبية السيد رشيد الطالبي العلمي وانتخابه رئيسا لمجلس النواب، وإبداء ملاحظات حول منافسة السيد كريم غلاب على منصب الرئاسة واستماتة من كان يدعمه في هذا الترشيح إلى آخر لحظة من لحظات التصويت، استماتة بلغت إلى حد افتعال وعرقلة العملية.

الدلالة الأولى هي تماسك وانسجام الأغلبية الحكومية، وهو الانسجام والتماسك الذي ظهر  في الحضور المكثف عشية يوم الخميس والتصويت بكثافة على مرشحها، حيث لم يتغيب إلا ذوو أعذار قاهرة، في سابقة نادرة في تاريخ المؤسسة، مما جعل من لحظة التصويت لحظة سياسية بامتياز، ولكن أيضاً وقبل كل شيء من خلال التوافق على تعديلات ميثاق الأغلبية وإعادة ترتيب أولويات العمل الحكومي، وثالثا من خلال إعلان الأغلبية قبل ذلك عن مرشحها قطعا لدابر أي تردد وتأكيدا على احترام كل مفردات التوافق السياسي المؤسس للأغلبية الجديدة بعد مغادرة حزب الاستقلال غير المأسوف عليها للأغلبية الحكومية.

الدلالة الثانية: تتمثل في إعادة الاعتبار لمعنى الالتزام السياسي وللبعد الأخلاقي في العمل السياسي. فتشكيل الأغلبية الحكومية كما إنه تم على أساس ميثاق وبرنامج محدد المعالم فإنه كان عبارة عن حزمة متكاملة من الالتزامات بعضها يرتبط بمنهجية العمل وبعضها الآخر بتوزيع المهام والمسؤوليات ومن بينها تدبير مسألة إسناد رئاسة مجلس النواب التي كانت في الأصل أي عند تشكيلة الأغلبية الحكومية الأولى، حين تم التصويت على غلاب اللحظة المؤسسة للأغلبية.

أما في الحالة الثانية أي حكومة السيد عبد الإله بن كيران الثانية فإن إسناد رئاسة مجلس النواب في منتصف الولاية وإن كان قد أتى متأخرا على تشكيل الأغلبية الحكومية، بحكم أن الأمر كما أكد ذلك المجلس الدستوري يتعلق بتعديل حكومي وليس بتنصيب لحكومة جديدة برئيس حكومة جديد، فإن الأمر كان يتطلب فقط التزاما سياسيا وأخلاقيا. وقد قدمت مكونات الأغلبية وعلى رأسها رئيس الحكومة وفريق حزبه النيابي أكبر دليل على الالتزام الخلقي والسياسي، ونفس الشيء بالنسبة لمكونات الأغلبية الحكومية بمجلس النواب.
الدلالة الثالثة فتتعلق ببعض الممارسات التي ننظر إليها باعتبارها تنتمي إلى عصر سابق ومنطق سياسي أكل عليه الدهر وشرب.
فبقدر ما كان منتصف هذه الولاية وما ارتبط بها من استحقاق، أي إعادة تشكيل الأجهزة المسيرة للمجلس فرصة لإبراز معاني الوفاء التعاقدات السياسية ومناسبة لتجديد الالتزام الأخلاقي للحياة السياسية، فإنه كانت مناسبة لبروز عدد من الممارسات التي كانت في نظرنا تشد إلى الخلف ولا تساعد على الارتقاء بالممارسة السياسية.
في هذا الصدد يتعين إبداء الملاحظات حول بعض الخطابات والسلوكات المقلقة التي سبقت وواكبت ترشيح غلاب.

فقد كان من الممكن أن يكون ترشيح غلاب واستماتته من أجل الظفر بولاية ثانية تكريسا لنهج الالتزام في العمل السياسي، لولا تلك الخطابات والسلوكات ونذكر منها على الأخص :
– السعي المفرط والمبالغ فيه من قبل السيد غلاب للسطو على كل الانجازات التي تمت خلال منتصف الولاية وتجييرها لصالحه ولحملته، على الرغم من أن عمل المجلس هو في الحقيقة عمل جماعي لكل مكونات المجلس، وخاصة لأعضاء المكتب، وبالخصوص لمكونات ما تبقى من الأغلبية بعد أن انتقل الفريق السياسي الذي ينتمي إليه إلى المعارضة..
– سعيه في الأسابيع الأخيرة لتحقيق أكبر قدر من المنجزات ولو بطريقة متعسفة ومتسرعة ومن خلال السعي لتمرير قرارات جاهزة مطبوخة مع أطقم ديوانه وتحويل مكتب المجلس إلى غرفة مباركة، وهو ما أدى إلى تحفظ شبه جماعي من مختلف مكونات المكتب، كما حدث في محاولة تمرير قرار إنشاء “قناة برلمانية”! بطريقة مرتجلة ولا تمت بصلة للمنهجية التي أقرها مكتب المجلس بإقراره للخطة الإستراتيجية، والإسراع إلى إطلاق الموقع الجديد للمجلس قبيل افتتاح دورة أبريل، والإسراع إلى إتمام الأشغال في البناية الجديدة والتسلم النهائي لها أيضاً قبل ذلك التاريخ .. وباختصار السعي إلى ضبط إيقاع عمل المجلس ومكتبه على إيقاع الزمن الانتخابي طمعا في الظفر بولاية ثانية !!!
– الترويج لخطاب مغلوط قوامه فك الارتباط بين الأغلبية وبين رئاسة المجلس وأنه لا شيء يلزم بذلك سيرا على نهج عدد من التجارب الدولية وقوامه الفصل بين السلطات، وأنه ليس للحكومة، التي هي هيئة تنفيذية، أن تقرر في مصير المؤسسة التشريعية في خلط مقصود أو غير مقصود بين الحكومة كجهاز تنفيذي والأغلبية الحكومية بمجلس النواب، التي هي جزء من المؤسسة التشريعية، بل هي الجزء الأهم منه، حيث إنها هي صاحبة الحق في تنصيب الحكومة، وصاحبة الحق في تدبير التفاوض في مسألة إسناد رئاسة مجلس النواب باعتبارها الواقعة الأساسية في ميلاد الأغلبية، ومؤشرا على أن التنصيب الحكومي من خلال التصويت على البرنامج الحكومي قد أصبح قضية وقت !!

ومن الغريب حقاً أن يصدر هذا الخطاب من السيد غلاب أو من قبل من ساندوه في هذا التوجه، وهو الذي إنما نال رئاسة مجلس النواب من خلال دعم الأغلبية الحكومية السابقة له. ومن الناحية السياسية والأخلاقية فقد كانت الجرأة السياسية تقتضي منه تقديم استقالته من المنصب الذي لم يصل إليه من خلال كفاءته الذاتية التي لا نشك فيها، أو من خلال شرعية الإنجاز، أو من كونه كان مرشحا وممثلا لكافة النواب بغض النظر عن الانتماء السياسي !!! وهي الحجة الواهية التي تمسك بها إلى آخر لحظة دون جدوى.
– إن السيد كريم غلاب فضلا عن أنه لم يتصرف على الأقل بمنطق تصريف أعمال المجلس في انتظار قدوم منتصف الولاية، بل إنه سعى لتجيير منجزات المجلس في الإعداد لمعركته الانتخابية إلى حد بدء الانزلاق في توظيف إمكانات في هذا الاتجاه ( نشر قصاصة لآماب حول ترشيحه !!  …. الخ ) فإنه لم يحرص بما يكفي على أن يحافظ على صفته الاعتبارية بكونه رئيسا لجميع النواب بغض النظر عن توجهاتهم السياسية، ويأخذ مسافة معقولة على الأقل في الظاهر والتجمعات العامة  من عملية  “تفجير” الأغلبية السابقة، حيث ظهر في أكثر من مناسبة إلى جانب زعيمه الجديد في عدد من التجمعات التي تهاجم الحكومة ورئيسها، فكيف تأتى له أن يتحدث بأنه ممثل لجميع النواب وكان يطمع في تصويت النواب.

–  كان من الممكن أن ننظر إلى ترشيح السيد غلاب باعتبارها عملية عادية، وأنها تكريس لممارسة ديمقراطية لولا كل هذه الشوائب التي رافقتها، ولولا عدد من الممارسات التي كانت تريد أن تجعل منها فرصة لتقويض الأغلبية والعودة بالمغرب إلى المربع الذي وضعت فيه قيادته الحزبية المغرب بداية الصيف الماضي.. وإلا فإن روايات متعددة تتحدث عن ممارسات شبيهة بممارسات مغرب ما قبل دستور 2011، من بينها مثلا السعي إلى إرباك سير العملية الانتخابية بادعاء وجود خرق لسرية التصويت، بعدما تبين أن الأغلبية متماسكة..
لذلك وبالنظر إلى السياق السياسي، سياق التشكيك في تماسك الأغلبية والسعي إلى اختراق هذا التماسك، وسباق السلوك والخطاب الذي سبق وواكب ترشيح السيد غلاب، يمكن القول في نفس الوقت:

-إن ترشيحه إن كان عاديا بمنطق الحق في التنافس الديمقراطي..
–  إنه لم يكن عاديا في الشروط المحيطة بها والخطاب والممارسات التي واكبته..
لذلك وبالنظر إلى كل ذلك، يعتبر التصويت بكثافة من قبل نواب الأغلبية لصالح مرشحهم وحضورهم المكثف لحظة التزام سياسي وأخلاقي منقطعة النظير، ولحظة ديمقراطية تأسيسية انتصرت فيها الديمقراطية وانهزم فيها التحكم، لحظة لها ما بعدها ونرجو أن تكون ناسخة بصفة نهائية لما قبلها بعد لحظة راود فيها الشك أوساطا سياسية خشية العودة إلى عصر التحكم في العملية الانتخابية داخل مؤسسة يفترض فيها أنها قلعة الديمقراطية والحامية لممارستها من كل أشكال العبث والتدخل.
أقول هذا كله مع التأكيد أن الاشتغال مع السيد غلاب كان فرصة للوقوف على كثير من مؤهلاته وكفاءاته، كما أن ذلك لا ينفي أنه سعى بقوة كي يرقى بالمؤسسة هو وكافة أعضاء المكتب، وأنه حتى بعد انتقال حزبه إلى المعارضة، فإن تعاملنا مع رئاسة المجلس كان محكومة بخدمة مصالح المؤسسة وعدم رهنها للاعتبارات والحسابات الحزبية والصراعات السياسية.
وأقول أيضا إنه من المؤسف أن تكون رئاسته ضحية للمواقف السياسية لحزبه. وأشهد أيضا بتعاون رئاسة الحكومة مع مجلس النواب ومع السيد غلاب بالتحديد، وأنها مكنت المؤسسة من أغلب مطالبها، سواء في الجوانب المالية والبشرية ولم يتغير موقفها حتى بعد خروج حزب الاستقلال إلى المعارضة، وظل ذلك إلى آخر لحظة حتى بعد إعلان السيد غلاب ترشيحه للتنافس على رئاسة المجلس!!
 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.