الحقاوي: مشروع قانون مناهضة العنف ضد النساء يجيب عن انشغال مجتمعي كبير

21-04-14
أجرت يومية “العاصمة بوست” حوارا مع بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، في عددها الصادر يوم السبت 19 أبريل الجاري، حيث تطرقت لجهود الوزارة مع كافة مكونات الحكومة لتفعيل مقتضيات الفصل 19 من الدستور الذي ينص على تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وإحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
واعتبرت الحقاوي أن مشروع قانون مناهضة العنف ضد النساء يجيب عن انشغال مجتمعي كبير، مضيفة أن المفروض ألا يخضع لأي مزايدات سياسية من أي جهة كانت، إذ ليس هناك طرف لا يسعى إلى حماية النساء ضحايا العنف والتمييز.
وأبرزت الحقاوي أن الخطة الحكومية للمساواة هي وثيقة تترجم عمليا، ووفق جدولة زمنية محددة، هذا الالتزام الحكومي اتجاه كل قضايا المساواة والإنصاف، وحقوق النساء السياسية والاقتصادية.. وغيرها، ومحاربة كل أشكال التمييز وإرساء قواعد المناصفة.
وفي ما يلي نص الحوار كاملا:
 
1 – من بين المنجزات التي تحسب لكم في الوزارة هو الخطة الحكومية “إكرام”، هل لك أن تحدثينا عنها؟ وأين وصل تفعيلها؟ وما رهاناتكم؟
** تنزيلا لمقتضيات الدستور، لاسيما الفصل 19، وترجمة لالتزامات البرنامج الحكومي، عملنا في وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، وفق مقاربة تشاركية شملت مختلف القطاعات الوزارية، على تنسيق إعداد الخطة الحكومية للمساواة “إكرام” في أفق المناصفة، التي تشكل إطارا لتحقيق التقائية مختلف المبادرات المتخذة لإدماج المساواة في السياسات الوطنية وبرامج التنمية، كإطار عام يحدد إضافة إلى المعايير والأهداف الواجب تحقيقها، مؤشرات للتتبع حسب جدولة زمنية للتنفيذ.
كما أنها تستجيب لالتزامات المغرب في مجال محاربة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فهي مثابة خريطة طريق شاملة تتضمن 156 إجراء لإنجاز 24 هدفا استراتيجيا يمس ثمانية مجالات ذات الأولوية تعكس المقاربة المندمجة والمسؤولية المشتركة في التمكين للنساء وإرساء المساواة وأسس المناصفة.
ومن أجل أجرأة وضمان نجاح تنسيق الخطة الحكومية للمساواة، عملنا على وضع وتفعيل آليات للحكامة والتتبع وفق مقاربة تشاركية تعتمد التنسيق البين قطاعي وتدعم الالتقائية، كاللجنة الوزارية للمساواة المحدثة بمرسوم والتي يترأسها السيد رئيس الحكومة، واللجنة التقنية البين قطاعية المكلفة بتتبع تنفيذ الخطة الحكومية، والتي تتكون من مدراء يمثلون القطاعات الحكومية. وقد عقدت هذه اللجنة أولى اجتماعاتها للوقوف على حصيلة تفعيل هذه الخطة الحكومية بعد سنة من دخولها حيز التنفيذ، والتي أظهرت حجم المبادرات القطاعية في المجال، ورصدت التحديات التي سنعمل على رفعها بنفس تشاركي.

2 – بعد عشر سنوات من تطبيق مدونة الأسرة، الذي اعتبر منعطفا أساسيا بالارتباط بحقوق المرأة، كيف تقيمون مسار تفعيل هذه المدونة بعد عشر سنوات؟
** شكل صدور مدونة الأسرة سنة 2004 قفزة نوعية في مسار النهوض بحقوق النساء وحمايتها، وتجسيدا عمليا للاجتهاد المبني على مقاصد الإسلام السمحة والمستوعب لتحولات المجتمع ورهاناته والمنفتح على قيم العصر وحقوق الإنسان، المنصوص عليها في الدستور المغربي.
واليوم، وبعد مرور عشر سنوات من تطبيق المدونة، يمكن القول أنه قد تم تحقيق مكاسب محسوسة في اتجاه تكريس المساواة وحماية الحقوق الإنسانية الأساسية للنساء، والتي يمكن أن نلمسها في تقاسم المسؤولية بين الأزواج في تدبير شؤون الأسرة، من خلال مؤشرات عديدة، منها مؤشر تقلص نسبة الزواج المبكر، حيث الإحصائيات المسجلة في هذا الإطار تبرز أن عقود زواج القاصر لم تتجاوز نسبة 10.97 في المائة من مجموع رسوم الزواج المبرمة برسم سنة 2012، مما يعني أنها تنحو نحو انخفاض بعد أن كانت سنة 2011 قد بلغت 12.46 في المائة، كما أن الأغلبية العظمى من طلبات الإذن بزواج القاصر يفوق سن أصحابها 16 سنة، ولم يتم تسجيل إلا نسبة ضعيفة تخص الطلبات المتعلقة بأقل من هذا السن، ومؤشر تقنين التعدد، حيث تفيد الإحصائيات المسجلة أن نسبة التعدد بقيت مستقرة، إذ انتقلت من 0.34 في المائة من مجموع رسوم الزواج المسجلة سنة 2011 إلى 0.26 في المائة سنة 2012، وهو ما يعني أن التعدد يكاد يكون منعدما، كما يلاحظ أن طلبات الإذن بالتعدد التي قبلت من المحكمة بلغت سنة 2012 ما مجموعه 1571 طلبا، أي بنسبة 27.31 مسجلة تراجعا بنسبة 16.88 في المائة عن سنة 2011، وتم رفض 2205 طلبا.
إضافة إلى مؤشر توثيق عقود الزواج، التي اتخذت عدة إجراءات لضمان المعالجة الفعالة لمشكل عدم توثيق الزواج بهدف التطبيق الأمثل لمقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة،، وذلك بتسهيل توثيق عقود الزواج في القرى والمداشر. لكن مع ذلك، برزت تحديات جديدة من خلال إشكاليات تطبيق بعض بنودها، من بينها تفعيل صندوق التكافل العائلي، الذي انطلق فعليا سنة 2012، وقد بلغ عدد المستفيدات إلى غاية شهر شتنبر 2013 ما مجموعه 2539 مستفيدة.

3 – هل ترون أن الوقت قد حان لتحيين بعض موادها؟
** نعتبر أن تعديل بعض مواد مدونة الأسرة، بعد عشر سنوات من صدورها، من خلال التفكير الجماعي وفتح نقاش عمومي واسع لكل الفاعلين والمختصين في المجال قد حان، وذلك من أجل إيجاد مداخل منصفة وفعالة، وبلورة توصيات عملية تحاول الإجابة عن الإشكالات المطروحة، وأيضا مواكبة للتغيرات المجتمعية والتحول والتطور الذي يعرفه المغرب، وانسجاما مع روح ومنطوق الدستور.

4 – لطالما اعتبر الرجال أن مدونة الأسرة تسري في جانب المرأة في أغلب المواد، وأصبحت المقولة المنتشرة بعد اعتماد المدونة هو أخد الحيطة والحذر من الزواج. ما رأيكم؟
** على الرغم من التحولات التي حدثت في المغرب لبناء مجتمع مغربي ينعم بالعدالة والديمقراطية والمساواة والإنصاف بين مكوناته رجالا ونساء، فإن بعض الرواسب الثقافية والفكرية في مجتمعنا تتطلب تعبئة جماعية ومستمرة لخلخلتها. لكن ما يمكن التأكيد عليه هو أن مدونة الأسرة جاءت لحماية حقوق النساء والرجال والأطفال، ولم تغلب إطلاقا مصلحة طرف على آخر.
أما أخذ الحيطة والحذر من الزواج، فهو راجع إلى التحولات الثقافية والاقتصادية التي يعرفها المجتمع والتغييرات التي عرفها نمط عيش الأسر المغربية ككل، وهذه الحيطة تنطبق على النساء والرجال على حد سواء.

5 – هل في نظركم أن المرأة تصلح فقط لوزارة ليست ذات أهمية كبرى، هل بإمكانكم تقلد منصب أكثر حساسية من الذي أنتم فيه الآن؟
** لابد أولا من تصحيح هذا الانطباع الذي اعتبرتم من خلاله وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية دون أهمية، فعلى العكس من ذلك تماما، هذا القطاع ذو حساسية بالغة من حيث اشتغاله على حاجيات وقضايا كل المجتمع، وفيه نضال يومي لتحقيق مبادئ الكرامة والمساواة والإنصاف لجميع المواطنين نساء ورجالا وأطفالا، فنحن نشتغل على قضايا التمكين والمساواة والحماية التي تهم نصف المجتمع والطفولة والأشخاص في وضعية إعاقة والأشخاص المسنين.. وغيرها من القضايا التي تهم الحقوق الفئوية التي كرسها الدستور المغربي.
وهو قطاع أشرف على تسييره نساء ورجال، كالراحل عبد الرحيم الهاروشي رحمة الله عليه والسيد سعيد السعدي.. وهناك نساء اليوم في هذه الحكومة يتولون قطاعات أخرى. فالواقع اليوم سيد الأدلة على الانطباع الخاطئ التي بنيتم عليه سؤالكم..

6 – هناك دعوة كبيرة اليوم إلى تفعيل المادة 19 من الدستور والتي تهم تفعيل مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وهناك مسيرة نظمتها جمعيات نسائية وحقوقية الأحد الماضي في الرباط، ما رأيكم؟
** قامت وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، وكافة مكونات الحكومة، على مدى سنتين، بعدد كبير من الإجراءات يندرج في صلب تفعيل مقتضيات الفصل 19 من الدستور الذي ينص على تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وإحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. والخطة الحكومية للمساواة هي وثيقة تترجم عمليا، ووفق جدولة زمنية محددة، هذا الالتزام الحكومي اتجاه كل قضايا المساواة والإنصاف، وحقوق النساء السياسية والاقتصادية.. وغيرها، ومحاربة كل أشكال التمييز وإرساء قواعد المناصفة.
كما أن الأوراش التي أطلقتها وزارتنا، ومكونات الحكومة، استنادا إلى هذه الخطة تنسجم مع مقتضيات الفصل 19، كمشروع قانون مناهضة العنف ضد النساء، ومشروع قانون إحداث هيئة المناصفة ومحاربة كافة أشكال التمييز الذي سيوضع في مسطرة المصادقة في الأسبوع المقبل، وتعديل المادة 475 من القانون الجنائي، وما نحن مقبلون عليه من تغيير جذري للقانون الجنائي والمسطرة الجنائية، ومخرجات ورش إصلاح العدالة، وقانون التعيين في المناصب العليا، وما تلاه من دينامية لتعزيز وجود النساء في مراكز القرار العليا، ومشروع قانون 77.03 الخاص بالاتصال السمعي البصري..
إلى جانب الأوراش والمبادرات القطاعية التي تروم ترسيخ مبادئ المساواة ومناهضة كافة أشكال العنف والتمييز الذي يطال النساء، كالحملة الوطنية الأخيرة التي أشرف القطب الاجتماعي على تنظيمها تحت شعار “كفى من العنف ضد الأجيرات”، والتي انخرط فيها كافة الفاعلين الوطنيين والمحليين وكانت مناسبة رصدنا من خلالها اختلالات التمييز التي تطال النساء العاملات.. وغيرها من المبادرات المهيكلة التي تدل على أن الحكومة منخرطة بشكل ملموس في ترجمة مقتضيات الدستور إلى وقائع وأفعال.
ونحن واعون بحجم التحديات التي تواجهنا في قضايا التمييز والمناصفة بالأساس، والتي لا يمكن الادعاء برفعها بمقاربة حقوقية صرفة، ولكن بنهج شمولي مندمج يروم مساءلة وتغيير ثقافتنا وسلوكاتنا وتطويعها وفق مبادئ حقوق الإنسان عموما، وحقوق النساء التي هي جزء من هذه الحقوق. وبالتالي فالحكومة ليست في حاجة إلى مسيرة للتنبيه للانخراط في تفعيل هذا الفصل أو غيره لأن ذلك من صلب مسؤولياتنا التي نقوم بها بكل جدية وتفان. إلا أننا نحترم التعبيرات المشروعة لمكونات المجتمع المدني وطرق تفاعله مع الانشغالات الراهنة، بل نعتبره شريكا في بلورة التصورات والمشاريع المجتمعية، وأيضا في التنزيل والتطبيق.

7 – لماذا تعتبرون أن مشروع مناهضة العنف ضد النساء أصبح موضوعا سياسيا؟
** على العكس تماما، مشروع قانون مناهضة العنف ضد النساء يجيب عن انشغال مجتمعي كبير والمفروض ألا يخضع لأي مزايدات سياسية من أي جهة كانت. فليس هناك طرف لا يسعى إلى حماية النساء ضحايا العنف والتمييز. لقد كان نضالنا وتركيزنا الأساسي داخل القطاع، وبتعاون مع وزارة العدل والحريات وباقي الشركاء، على تضمينه المقتضيات الحمائية والزجرية الضرورية لضمان عدم الإفلات من العقاب أولا، وتوفير إطار قانوني قابل للتجويد متى وقف تقييم تفعيله على ذلك، وهو الرهان الذي ما زلنا متمسكين به، ونطلب أن تعمل كل القوى الحريصة فعليا على حقوق النساء وحمايتهن جماعيا لإخراجه في أقرب الآجال.

8 – ما هي مشاريعكم المستقبلية للنهوض بمجال المرأة عموما؟
** إصدار قانون مناهضة العنف ضد النساء وقانون هيئة المناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز وقانون المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة من بين أهم أولوياتنا لهذه السنة، إضافة إلى مواصلة أوراش تعزيز وجود النساء في مراكز القرار السياسي والاقتصادي والإداري، والتمكين الاقتصادي للنساء عبر دعم مشاريع الجمعيات والتعاونيات والمقاولات الصغيرة، ومبادرات مختلف الفاعلين المحليين التي تروم تحقيق الكرامة للجميع.
حاورتها: أمال كنين

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.