أوروبا في مأزق حركات الانفصال


سعد الدين العثماني*

مجلس أوروبا منظمة برلمانية تضم 47 بلدا أوروبيا، يمثلون فيها ببرلمانيين أعضاء في البرلمانات الوطنية. وهي متخصصة في مجال القيم الأوروبية وحمايتها، وبالخصوص قيم الديمقراطية وحقوق الانسان وتكافؤ الفرص بين الرجال والنساء.
في دورة أكتوبر 2011 الحالية ناقشت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا موضوع السيادة الوطنية وعلاقتها بالنزوعات الانفصالية. وصوتت بأغلبية ساحقة لصالح قرار في الموضوع. والنقاش والقرار يعكس قلقا أوروبيا متزايدا بسبب تنامي نزوعات الانفصال في أكثر من بلد أوروبي. وطيلة جلسة المصادقة على القرار أكد الكثير من البرلمانيين على الخطر الذي يهدد الدول المعنية، وعلى أن من مسؤولية الجميع درء مخاطر الانفصال.
إن المقاربة الدولية لسيادة الدول أرساها ميثاق الأمم المتحدة وأرستها قراراته المتتالية، من خلال التأكيد على أن حق تقرير المصير يجب أن لا يؤدي بأي شكل من الأشكال إلى الإضرار بتلك السيادة، وإلا كانت جميع الدول مهددة بالتفتت. ومن هنا التأكيد على مبدأ “سلامة الأراضي”.
وهكذا فإن الإعلان المتعلق بمبادىء القانون الدولي الخاص بعلاقات الصداقة والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة والذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال القرار (2625) بتاريخ 24/10/1970 يوضح بأن تقرير المصير لا يمكن “أن يترجم على أنه يبيح أو يشجع أي عمل يفكك أو يهدد كليا أو جزئيا سلامة الأراضي أو الوحدة السياسية لأية دولة مستقلة وذات سيادة”. كما أن الجمعية العامة أكدت على أن حق الشعوب في تقرير مصيرها والتحرر من الاستعمار لا يمكن أن يتحول إلى محاولة التدمير الجزئي أو الكلي للوحدة الوطنية والتكامل الإقليمي لبلد ما، وإلا أضحى إجراء مخالفا لميثاق الأمم المتحدة ولأهدافها.
يحدد التقرير الجديد الذي أعدته الجمعية البرلمانية الأسباب والهواجس الكامنة وراء دراسة مجلس أوربا للموضوع أساسا في أربعة أمور هي:  
1 – القلق المتزايد من كون الصراع بين مبدأ سلامة الأراضي وحق تقرير المصير يشكل اليوم مصدرا متزايدا لمواجهات حالة أو محتملة. وهو صراع بين الانفصال المؤسس على تقرير المصير، وولع المجتمع الدولي بالحفاظ على سلامة أراضي الدول للحفاظ على النظام والسلم والاستقرار.
2 – هذا التعارض بين المبدأين يؤثر على المستويات القانونية والسياسية والاقتصادية والهوياتية. وفي كثير من الحالات تجد المطالب الانفصالية جذوؤها في تاريخ من الضغط والإقصاء وإنكار حقوق الأقليات والخلافات الحدودية وغيرها.
3 –  انتشار أفكار حقوق الإنسان يشجع أكثر على المطالبات باعتراف أكبر بالخصوصيات، بما فيها المطالبة بالانفصال. وهذا ما يؤدي كثيرا إلى أعمال العنف وتجاوزات خطيرة لحقوق الإنسان.
4 – إن تقرير المصير حق يجب الاستجابة له أولا على المستوى الوطني، مما يفرض على الدول ذات السيادة التزامات في مجالات الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان وحقوق الأقليات.
وأتى القرار الذي صادقت عليه الجمعية البرلمانية واضحا وصريحا في المجالات المذكورة. فإذ يدعو إلى أن تكون “المعايير المؤسسة لوضعية (دولة ذات سيادة) بما فيها تلك المؤسسة لشرعية ولادة دول جديدة بانفصال قانوني، وكذلك إجراءات حماية السيادة الوطنية وسلامة أراضي الدول يجب أن تكون موضوع دراسة معمقة في إطار متابعة أشغال اللجنة الدولية للتدخل وسيادة الدول (ICISS)”، فإنه يتضمن خلاصتين جوهريتين من بين عدة خلاصات، هما:
أولا – إن الجمعية البرلمانية تعتبر أنه على الرغم من اعتراف القانون الدولي بحق تقرير المصير للأقليات الوطنية والعرقية، فإن هذا الحق لا يعني بالضرورة “حق الانفصال”. فحق تقرير المصير يجب أن يطبق أولا وقبل كل شيء عن طريق حماية حقوق الأقليات.
ثانيا –  إن الجمعية البرلماني تدعو جميع الدول الأعضاء إلى الامتناع من الاعتراف بأي سلطة تفرض نفسها انطلاقا من الانفصال بطريقة غير قانونية، وإلى الامتناع عن دعمها بأي شكل من أشكال الدعم. ويتأكد هذا بالخصوص إذا كانت مدعومة بتدخل عسكري أجنبي.
إن صرخة أوربا اليوم وهي تئن تحت وطأة الدعوات الانفصالية في أكثر من بلد، تشكل فرصة للمغرب ليعرض حقه في الحفاظ على وحدة وسلامة أراضيه وعلى سيادته الوطنية بمنظور جديد. فكثير من البرلمانيين الأوربيين الذين شاهدناهم في فترات سابقة يمالئون الانفصاليين المستقرين في تندوف، وقفوا اليوم يحذرون من مخاطر الانفصال. من هنا فان المغرب مدعو اليوم إلى تطوير خطابه السياسي والدبلوماسي وفق مقاربة استباقية مبادرة. تستند صراحة إلى مبدأ سلامة الأراضي والسيادة الوطنية المنصوص عليها في قرارات الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية التي ينضاف إليها اليوم مجلس أوربا.
oومع الأسف فان الخطاب الرسمي يتجه عموما إلى الذرائعية وتجنب الاستناد إلى حق الدفاع عن السيادة الوطنية وعن وحدة الأراضي. ونحن نتصور أن أي خطاب أو تدخل أو مراسلة تتعلق بقضية الصحراء المغربية إلا ويجب أن يكون هذا الحق مبتدأها، والقرارات الدولية ذات الصلة مستندها. وإذا سلكنا هذا السبيل فإن المفاوضات مع الانفصاليين ستفقد معناها، وستتغير ربما بشكل كبير مقاربة مخنلف الملفات المرتبطة بالقضية.  

*رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.