الوافي : وإذا الجالية المغربية سئلت بأي ذنب حرمت!؟

نزهة الوافي*
يقتسم أكثر من خمسة ملايين من المغاربة القاطنين بالخارج مع أشقائهم التونسيين نشوة الإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع، ليس فقط كشكل تعارفت عليه الدول الديمقراطية لإشراك مواطنيها في تدبير الرأي العام، وإنما هو بالنسبة للمواطن المهاجر البعيد عن وطنه التصويت والترشيح انطلاقا من بلد الاستقبال أو بلده الثاني بالنسبة للمجنسين هو نوع من احتضان الوطن عن بعد من طرف المهاجر، وبعث رسالة مواطنة كاملة من الدولة أن حقوقك هي لك، ولم تعد تحكمها الحدود، وكذلك هو إعطاء رسالة فخر من الحكومة لمواطنيها مفادها أن الديمقراطية التشاركية لاتعيقها المسافات مهما بعدت.
وبدون شك، فهذا هو ما يفسر الإقبال الكبير للتونسيين بالخارج على مكاتب الاقتراع لانتخابات المجلس التأسيسي, حيث بلغت نسبة المشاركة ببعض الدوائر 69 بالمائة، وفق نتائج مؤقتة أعلنت عنها ظهر يوم 22 أكتوبر2011 الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وتسبب الإقبال الكثيف اتخاذ إجراءات خاصة في بعض المناطق، كما هو الحال في كل من باريس ومرسيليا، وبعض المدن الإيطالية إلى إغلاق بعض الأزقة القريبة من مراكز التصويت بسبب كثافة المشاركة وانتظام الناخبين في طوابير طويلة.
ما يمارسه اليوم مليون و75 ألف مهاجر تونسي، والذي يثير اهتمام الرأي العام الدولي، كان على المغرب أن يكون سباقا لتحقيقه لخمسة ملايين من المغاربة القاطنين بالخارج، لو تم احترام وتفعيل المقتطف التالي من الخطاب الملكي ل 6 نونبر2005 :
(وتجسيدا لتجاوبنا العميق مع التطلعات المشروعة لمختلف أجيالها، في ممارسة المواطنة الكاملة، ولضمان مشاركة ناجعة، وذات مصداقية، لمواطنينا المهاجرين، في كل مؤسسات ومجالات الشأن العام، فقد اتخذنا أربعة قرارات هامة ومتكاملة:أولها : تمكين المغاربة المقيمين بالخارج من تمثيلهم، عن جدارة واستحقاق، في مجلس النواب، بكيفية ملائمة وواقعية وعقلانية، أما القرار الثاني، المترتب عن الأول، فيتعلق بوجوب إحداث دوائر تشريعية انتخابية بالخارج، ليتسنى لمواطنينا بالمهجر اختيار نوابهم بالغرفة الأولى للبرلمان، علما بأنهم يتمتعون، على قدم المساواة، بالحقوق السياسية والمدنية، التي يخولها القانون لكل المغاربة، ليكونوا ناخبين أو منتخبين بأرض الوطن، ولهذه الغاية، نصدر تعليماتنا للحكومة، لاتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ هذه القرارات الثلاثة، عند مراجعتها لمنظومة الانتخابات).
غير  أن الحكومة المغربية لم تقتصر على إقصاء هذه الفئة من المواطنين وعدم تفعيل القرارات الملكية  الأربع، بل إن السياسات العمومية الموالية أسست  لازدواجية وتراتبية المواطنة المغربية ما بين مواطنين كاملي حقوق المواطنة، وآخرين منقوصي المواطنة يمارسونها بالوكالة والتي تعبر عن منطق الوصاية في التعامل مع هذه الفئة من المواطنين، فأمام استغراب واندهاش وخيبة أمل الخمسة ملايين مغربي ومغربية قاطنين بالخارج، صادق البرلمان المغربي على القانون التنظيمي لمجلس النواب الذي ينص  على التصويت بالوكالة بالنسبة للمغاربة القاطنين بالخارج في تناقض تام مع روح وفلسفة الدستور وأقر المجلس الدستوري بدستورية مواده، كما صادق البرلمان على مشروع القانون التنظيمي لانتخاب أعضاء مجالس  الجماعات الترابية، الذي ينص على التصويت بالوكالة متنكرا لما بذلته وتبذله هذه الفئة من المواطنين في التنمية المحلية منذ عقود طويلة بدون وكالة.
 وكان البرلمان قد  صادق في شهر شتنبر على  مشروع قانون رقم. 11 36 يتعلق بتجديد اللوائح الانتخابية العامة، وضبطها بعد معالجتها بواسطة الحاسوب والذي لم تنص مواده على فتح لوائح انتخابية بالخارج تتيح إحداث دوائر انتخابية بالخارج تسمح للمغاربة القاطنين بالخارج أن يكون لهم ممثلين بالبرلمان المغربي.
إن حمولة هذا القانون في موادها المتعلقة بالمغاربة القاطنين بالخارج سوغت إقصاء هذه الفئة من المواطنين بالخارج من المشاركة الانتخابية (تصويتا بالوكالة)، وعدم التمثيلية السياسية ضدا على مبدأ المساواة بين مواطني الداخل والخارج.
ومن غرائب الصدف أن المصادقة على هذه القوانين استعدادا للاستحقاقات التشريعية لــ25 نونبر، تتزامن مع ممارسة المواطنة الكاملة  الذي متعت بها تونس الجديدة تونسيي الخارج ، دون تردد، تصويتا وترشيحا بإحداث 18 ممثل بــ6 دوائر  بدوائر سيصوت عليها أيام 20 و21 و22 أكتوبر.
ونحن نشارك معهم الأحياء والأسواق والمدارس بدول المهجر نقاسمهم فرحة تمثيليتهم السياسية كتمثلات المواطنة والكرامة والمساواة والانتقال الديمقراطي، وننتظر يوما تقرر فيه الحكومة المغربية الامتثال للتعهد الملكي المعزز بالمقتضيات الدستورية الواضحة بالفصل 17، وأن تتم ترجمته   إلى  مبادئ لاتضر ولا تمس ولاتنتقص من مواطنة مغاربة الخارج.
على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة جراء تداعيات التدبير المختل والذي لا أثر له على الواقع المعاش للمهاجر بسبب تغييبه مباشرة بالمؤسسة التشريعية من المساهمة و توجيه تدبير السياسات العمومية في هذا الملف الإستراتيجي للوطن، وأن يتم وضع حد للعبث وللامسؤولية مجلس الجالية المغربية بالخارج الذي لم يقدم الرأي الاستشاري المتعلق بالتمثيلية السياسية كما ينص على ذلك الظهير المؤسس ودفتر التحملات الموقع من طرفه، الشيء الذي أدى إلى عدم وضوح الرؤية المتجلية في القوانين التنظيمية المشار إليها أعلاه، وبالتالي حرمان هذه الفئة من حقها الدستوري.
 إن ما يصلنا الآن، من أنباء حول كثافة مشاركة الجالية التونسية حيث عرفت بعض الدول الأوروبية التي تقطنها أعداد كبيرة من الجالية التونسية مشاركة مكثفة، ففي دائرة فرنسا 2 بلغ عدد المصوتين أكثر من 23000 ناخب خلال اليومين الأول والثاني، في حين وصل الرقم بدائرة فرنسا 1 إلى حوالي 11700 ناخب خلال اليوم الأول، وفي ألمانيا قارب عدد المتوجهين لمكاتب الاقتراع سبعة آلاف شخص، وفي البلدان العربية التي توجد بها جاليات تونسية صغيرة مقارنة ببعض الدول الأوروبية، فقد شارك أكثر من 1500 تونسي بالجزائر حقهم الانتخابي، وفي المغرب وصل الرقم إلى 1550 ناخبا، وهو ما يؤكد خطأ التحليلات التي يعلل بها المسؤولون على ملف تدبير الهجرة سواء بمجلس الجالية أوالوزارة قرارهم الإقصائي بكون  المهاجرين لايهتمون بالشأن السياسي.
ونحن نقول بالعكس، فالمغاربة أكثر اهتماما، و في هذه الأيام بالذات هم  غاضبون من إقرار التصويت بالوكالة، ولايجدون جوابا لهذا القرار غير المقنع لتفسير  الباعث وراءه : وإذا الجالية سئلت بأي ذنب حرمت!

*برلمانية عن فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، مقيمة بإيطاليا
[email protected]

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.