الأخ الأمين العام في حوار مع أسبوعية المشهد: لا حاجة اليوم لتأسيس أحزاب إدارية وحزب الهمة أسوأ من الأحزاب الإدارية

انخرطت في السياسة في سن الرابعة عشرة ودافعت عن إسلامية الدولة في سن الثلاثين 

اقتنعت ألا جدوى من السرية في دولة إسلامية تضم مساجد  حتى في الكومساريات

20-07-2010

تحدث الأخ الأمين العام في حوار أجرته مع أسبوعية المشهد، عن بدايات التحاقه بالعمل السياسي بدأ من مشاركته في أنشطة تلاميذية يؤطرها يساريون، ومرورا بتعرفه على قيادات الشبيبة الإسلامية وانخراطه في صفوفها، قبل أن يراجع موقفه منها ومن منهجها.

في هذا الحوار الذي تنشره المجلة في عدد ها 42 الصادر ما بين 10 و16 يوليوز الجاري، يدافع الأخ الأمين العام عن اختياره واقتناعه بالدفاع عن إمارة المؤمنين وعن استقرار الوطن قبل مصلحة الحزب، ويتطرق إلى كواليس رفض السلطة لتأسيسه -بمعية رفاقه في الدرب- لأول حزب سياسي، وإلى بدايات العمل السياسي العلني في صفوف الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية إلى جانب الرئيس المؤسس د.عبد الكريم الخطيب رحمه الله.

كما يتطرق الأمين العام لمحطات عصيبة بالنسبة للحزب حرص فيها على تغليب صوت الحكمة، ويشرح خلافاته مع بعض إخوانه في قيادة حزب العدالة التنمية.

ويختتم ابن كيران حديثه بتوضيح حقيقة التأويل الذي طال تصريحاته في افتتاح حزب الحركة الشعبية، وينتقد حزب الهمة الذي اعتبره اسوأ من حزب إداري، نظرا لاستعمال وسائل غير مشروعة للهيمنة على الساحة السياسية واستعداء بعض اطرافها ضد مشروع العدالة والتنمية. وفيما يلي نص الحوار:

الموقع: المحرر

انتماؤك الأول كان في اليسار، كيف انتقلت إلى صف الإسلاميين في ما بعد؟

 أنا ابن أسرة محافظة، كان من رأي الوالد رحمه الله، ألا نلج المدرسة إلا بعد أن نحفظ القرآن في الكتاب، وكان رجلا صالحا و متدينا، وهو ما كان له بالغ الأثر على تنشئتي.

إضافة إلى ذلك، نشأت داخل وسط مسيس في حي العكاري بالرباط، إذ كنت أتردد أنا وأمي على مقر حزب الاستقلال بالحي، وعمري لم يكن يتجاوز خمس سنوات، ولما بلغت الرابعة عشرة ، بدأت أنشط في صفوف الشبيبة المدرسية لحزب الاستقلال، أنا والسي محمد الساسي.

لم أكن أنتمي تنظيميا إلى اليسار لكنني كنت أشارك في أنشطة تلاميذية عديدة يؤطرها يساريون بطريقة منتظمة ، كالمظاهرات ، وكان يشارك فيها جميع التلاميذ، ولم تكن حكرا على اليساريين.

علاقتي بالاتحاديين جاءت عن طريق محمد الساسي، وامتدت من سنة 1972 إلى سنة 1975، إذ ظل هذا الأخير يتردد علي باستمرار، لإقناعي بالاستمرار في  التنظيم، الذي كنت أنقطع عنه باستمرار، خاصة وأنني لم أكن مقتنعا بالجو السائد حينها في صفوفه ، بسبب غياب مظاهر التدين. وذات يوم اصطحبني  محمد الساسي إلى إحدى الاجتماعات في منزل أحد الطلبة، فبادرني هذا الأخير بالسؤال عما إذا كنت صائما، وكنا آنذاك في شهر رمضان، فأجبته بالإيجاب، ولما ولجنا مكان الاجتماع، وجدت شبابا وشابات، أحدهم كان يدخن فيما اذكر، ما جعلني أمتعض من هذه الأجواء، فقررت الابتعاد عنها، كان ذلك في سنة 1975، لما بدأت لقاءاتي ببعض مكونات الحركة الإسلامية اتخدت حياتي مسارا آخر.

التحقت بالشبيبة الإسلامية في ذلك الوقت؟

علاقتي بالشبيبة الإسلامية جاءت ضمن مسار طبع حياتي الدينية، تميز في البداية بإيمان لم أكن أمارس معه الشعائر الدينية بانتظام، استمر ذلك إلى حدود سنة 1975 ، لما زارنا بالمنزل أحد الشيوخ المقرب من العائلة، وكان يصر على أداء الصلاة في المسجد، وكنت أرافقه، عودتي إلى المسجد مهدت لمساري الجديد.

وفي هذه المرحلة التقيت بأطر من الشبيبة الإسلامية وفي سنة 1976، أتذكر وقتها، أننا دخلنا في نقاش عميق، في جولة فكرية طويلة، تحدثنا فيها عن اليسار واليمين، وصولا إلى التيار السلفي، ثم رجال التبليغ، لنرسو في النهاية على الشبيبة الإسلامية. دام النقاش حوالي أربع ساعات، وفي النهاية، أهدوني كتاب ” معالم في الطريق”، قرأته في الليلة نفسها، وفي الصباح أصبحت إنسانا آخر.

ماذا كان يمثل الإسلام الثوري حينها، بالنسبة لك؟

لما التحقت بالشبيبة الإسلامية في أبريل من سنة 1976، تبنيت منهج الرفض السائد داخل التنظيم حيث أرفض كل ما يجري في المجتمع، من طرق التدين، ومظاهر المنكر والفساد، والمؤسسات، مثل الدولة والقوانين…، وكنا نؤمن كذلك بالسرية، والاستعداد للابتلاء.

هذه هي المرتكزات الأساسية التي كانت تحكم التنظيم، فلم يكن هذا الأخير، يملك مشروعا استراتيجيا ثوريا واضحا،  بل كل ما هنالك، حث للشباب على الالتزام بالدين ومبادئه، وتعبئتهم، ورفض المجتمع الذي يعيشون فيه، بالإضافة إلى التمسك بالنموذج الأول للحكم في الإسلام.

كان عبد الكريم مطيع، رئيس الشبيبة، وقتها في الخارج.

ألم يسبق لك أن جالسته؟

التقيت به في مناسبات معدودة، كان أولها في الحج في سنة 1977، ثم في سنة 1980 في إيطاليا.

هل كان اللقاء الأول مرتبا له؟

بالطبع، كان اللقاء مرتبا له، أتذكر حينها، أنه و بعد مرور سنة ونصف، على انضمامي إلى التنظيم، دخل هذا الأخير مرحلة سميت بمرحلة الفتنة، بسبب خلافات بين عناصر القيادة في الداخل ونظيرتها في الخارج برئاسة عبد الكريم مطيع، وتطور الأمر إلى صراعات، تلتها انشقاقات، جعلت بعض الأعضاء يبادرون إلى تأسيس جماعة بديلة، ولم نكن آنذاك معروفين لدى السلطة، لأننا كنا نعمل في السرية.

أصبحت عضوا في قيادة الشبيبة في سنة 1980، إلى جانب كل من عبد الله بها، وسعد الدين العثماني، ومحمد يتيم، والأمين بوخبزة وإخوان آخرين، ليتبين لنا في ما بعد أن عبد الكريم مطيع لم يكن جادا في توجهه وطريقة قيادته للشبيبة، رغم أننا ساندناه في البداية، بعد فشل محاولات الصلح مع عناصر القيادة السداسية، الذين انشقوا عن التنظيم، وكان لقائي بمطيع في الحج، تعبيرا مني على التمسك بالقيادة الشرعية، بل إنني نظمت مظاهرة في الدار البيضاء سنة 1980، تنديدا بالإحكام الصادرة في حق مطيع وباقي عناصر الشبيبة، انتهت بي إلى السجن.

في ظل هذه الأجواء غير المستقرة داخل التنظيم، تبين لنا في سنة 1981، أنه آن الأوان لمغادرة الشبيبة الإسلامية، وهذا ما حصل، ومعنا جل مكونات التنظيم.

وكان قد حكم علينا بثلاثة أشهر سجنا، وبعد خروجنا استأنفت النيابة العامة الأحكام الصادرة ضدنا، ودام الاستئناف سنتين، وكنا سنعود إلى السجن لولا لطف الله.

ولما انقطعت علاقاتنا بعبد الكريم مطيع، استمر هذا الأخير، في اصدار منشورات ضد السلطة باسم الشبيبة الإسلامية وحيث لم نعلن للسلطة وللعموم انفصالنا عن الشبيبة بقيت السلطات تعتبرنا من قيادة الشبيبة الإسلامية، وفي أحد الأيام، زارني شقيق الأخ رشيد حازم (العضو القيادي كذلك)، ليخبرني، أن هذا الأخير جرى اعتقاله، فضلت في البداية الفرار من البيت، إلا أنني اقتنعت بضرورة تسليم نفسي إلى الشرطة، وهذا ما كان، أخبرت المحققين، أنه لم تعد تجمعني ، أنا وباقي الإخوة، أي علاقة بتنظيم الشبيبة، فقالوا لي، مطيع يكتب وأنتم تتكلمون، فقلت لهم أنني مستعد لتحرير بلاغ، بعد إطلاق سراحي، أعلن فيه انفصالنا عن تنظيم الشبيبة، وعن مطيع، ولما صدر البلاغ، أطلق سراح باقي الإخوة بالرباط وبدأت استعدادات لإطلاق سراح الإخوان بالبيضاء.

لكن بضعة أيام بعد ذلك شهدت مدينة طنجة مظاهرة بعد خطبة ساخنة لأحد خطباء المدينة تلاها اعتقالات، أعلن بعض الإخوة فيها أنني رئيس جماعتهم فأحالوهم على درب مولاي الشريف وكذلك فعلوا معي ومع الإخوة الذين كانوا معتقلين بالبيضاء ولم يتم إطلاق سراحنا إلا في 25 مارس 1982 بعد اقتناع السلطة أن القضية فارغة.

هل راجعت قناعاتك في درب مولاي الشريف؟

في درب مولاي الشريف، اقتنعت بأن السرية لا جدوى منها، وتهمة لا معنى لها، وبأنه من اللازم أن يكون عملنا في إطار القانون.

لما غادرت درب مولاي الشريف، في مارس سنة 1982، أنا وباقي الإخوة، دخلنا في نقاش، حول تأسيس جمعية، فلقيت الفكرة مقاومة كبرى، من طرف بعض الإخوة، ، وكان محمد يتيم رئيسا للتنظيم الجديد الذي يحمل اسم الجماعة الإسلامية، وإلى جانبه في القيادة، كل من سعد الدين العثماني وعبد الله بها، وكنت ساعتها  بعيدا عن المسؤولية، رغم أن يتيم طلب مني الانضمام إلى فريق القيادة في البداية، إلا أنني رفضت لأنني لم أكن متفقا على طريقة تدبير الجماعة، وقمت بعد ذلك بهجوم قاس جدا على منظومتنا الإيديولوجية والتنظيمية لأنني أصبحت على يقين تام بأن ما كنا نعمله في هذا المجال مجانب للصواب، وأنه آن الآوان للقيام بالمراجعات الفكرية والتنظيمية اللازمة.

بعد يوم عاصف من النقاش في 3 مارس 1983 ، منحني الإخوة الإذن لتأسيس  جمعية في الرباط، على سبيل التجربة، على أساس أن أتحمل مسؤولية فشلها أو نجاحها.

 كنت على يقين تام، بأن هذه الأفكار أوصلتنا إلى الباب المسدود، دخلنا السجن، ثم اعتقلنا في الكوميسارية، واعتقلنا مرة أخرى في درب مولاي الشريف، ولم يسأل عنا أحد، كما أنني وصلت إلى قناعة راسخة بأن لا جدوى من السرية والرفض والتعرض للابتلاء وما شابهها، في دولة إسلامية، تضم مساجد حتى في الكوميساريات، وهي من الأمور التي فاجأتني كثيرا، فترسخت لدي ضرورة مراجعة  للأسس التي بنيت عليها الحركة التي كنت أنتمي إليها، وقمت بجولات كثيرة في جميع أنحاء المغرب لشرح كل هذه الأفكار دامت حوالي عشر سنوات، قطعت فيها حوالي 300 ألف كيلومتر.

اتهمكم مطيع بالعمالة للسلطة، وأنكم لم تكونوا من قبل، أعضاء في الشبيبة؟

لا أريد الرد على هذا الإدعاء لأنه بلا أساس، والتاريخ يثبت صحة ما أقول، لقد دخلت السجن، بسبب تنظيم مظاهرة احتجاجا على الأحكام ضد قيادة الشبيبة في قضية اغتيال عمر بنجلون، وإذا لم أكن أنتمي  إلى الشبيبة، فما الداعي إلى مشاركتي في هذه المظاهرة ومحاكمتي على هذا الأساس.

كيف دافعت عن إسلامية الدولة لتبرير تراجعك عن توجهاتك السابقة داخل الشبيبة الإسلامية؟

 اعتبرت أن تنصيص الدستور المغربي على إسلامية الدولة مكسب أساسي لمجتمعنا  لا ينبغي التفريط فيه أبدا، فالمملكة المغربية تدين بالإسلام ، ودول أخرى مثل سوريا لم تتمكن الحركة الإسلامية فيها من إدخال إسلامية الدولة في الدستور، واستطاعوا بالكاد، تثبيت أن يكون رئيس الدولة مسلما، أما تركيا، التي كانت مركزا للدولة الإسلامية من الجزائر إلى الهند، فتخلت عن الإسلام في الدستور، واستبدلته بعلمانية الدولة.

دافعت عن إسلامية الدولة، وكان نقاشا كبيرا ومفتوحا، ولما أجريت حوارا أكدت فيه أن المغرب دولة إسلامية، أجابني أحدهم في جريدة ” الصحوة” بالقول، الدولة الإسلامية قائمة، أفلا تبصرون، وأخذ يعدد ” المعاصي والمنكرات الموجودة في المجتمع”.

هل يتعلق الأمر بمصطفى الرميد؟

لم يكن المقال موقعا من أحد، المهم أنني قلت إن الدولة مثل المغربي المسلم، الذي قد يرتكب المعاصي، لكن ذلك لا يخرجه من الإسلام، وانتهى النقاش في الأخير إلى تأكيد هذه الخلاصة، وعمري أنذاك بالكاد يتجاوز الثلاثين سنة، حيث تبنى إخواني هذه الأطروحة التي دافعت عنها.

أما النقطة الثانية، التي أثرتها، فتتعلق بإمارة المؤمنين، التي تضمن الصفة الدينية للدولة والحكم، بغض النظر على الصورة النمطية، التي يحاول البعض فيها مقارنة إمارة المؤمنين في العهود اللاحقة في تاريخ المسلمين بإمارة المؤمنين زمن عمر بن الخطاب، وهو تصور مثالي يلغي التاريخ، خاصة إذا ما استحضرنا إمارة المؤمنين في عهد بني  أمية والعباسيين، والعثمانيين، وأيضا الأسر التي حكمت المغرب، فإمارة المؤمنين كانت وما تزال قائمة منذ قرون، بغض النظر عن التصورات الممنوحة لها. كما  أن الوسط الذي اشتغلنا فيه داخل الشبيبة الإسلامية وفي محيطها، كان ضد الملكية، فكان من الصعب الإقناع بإسلامية الدولة وبإمارة المؤمنين ومع ذلك استطعنا إقناع إخواننا بهذه المفاهيم لنصل إلى ما نحن عليه اليوم.

 

دفاعك عن الملكية وعن إسلامية الدولة، جعل البعض ينعتك بالمخزني الإسلامي؟

فليقولوا ما شاؤوا، نعتنوني بالعميل للسلطة وغيرها من الأوصاف، وبالمخزني، كما تداولتها الصحافة في الآونة الأخيرة،  لا أهتم بذلك، لكنني أود التوضيح، أنه في وسط إسلامي  في سنة 1986، كان متحفظا على إمارة المؤمنين، كان من الطبيعي أن أتلقى أكثر من هذه الأوصاف لقاء دفاعي عن إمارة المؤمنين، وعن إسلامية الدولة، لكنني كنت دائما أتوخى الصراحة والوضوح في المواقف، مع الإخوة، في جميع المشاكل الطارئة مع السلطة أو الفاعلين السياسيين والمسؤولين، وأسعى جاهدا إلى أن أكون صريحا معهم، من أجل اتخاذ قرار جماعي.

من جهة أخرى، هاجمتني العدل والإحسان  من 1986 إلى 1992 ” أو شدو في قشابتي”، بل اتهمونا  ببيع الدعوة، فأرسلت لهم الأخ عبد الله بها مع إخوة آخرين، الذي عمل على محاججتهم بشأن إدعاءاتهم ، إلى أن توقفت حملاتهم سنة 1992 بعد أن هداهم الله، وتأكدوا من أن ما كانوا يقومون به غير معقول، كنا نتفادى خوض معارك ضدهم، لاقتناعنا بأن جماعة العدل والإحسان رغم اختلافاتنا معهم جماعة إسلامية  نتقاسم معها المرجعية ذاتها، لذا فضلنا عدم الرد على اتهاماتهم لنا، كما كان الشأن بالنسبة لعبد الكريم مطيع، الذي هاجمنا كثيرا لكننا كنا نتفادى الرد عليه، لأننا نعتبره جزءا من الماضي، الذي انتهى.

بالمقابل، ركزنا على الحد من خلافاتنا الداخلية، فخضنا معركة الحصول على ترخيص تأسيس الجماعة الإسلامية، حركة الإصلاح والتجديد تم حركة التوحيد والإصلاح.

ترأس الحركة محمد يتيم، ثم آلت إلي فيما بعد بين 86-94، قبل أن يختار الإخوة من جديد الأستاذ محمد يتيم ، ولما توحدنا مع رابطة المستقبل الإسلامي، ارتأوا في النهاية، اختيار أحمد الريسوني للمنصب ذاته، وأصبحنا تدريجيا حركة إسلامية ذات بعد سياسي انخرطت في مناصرة قضايا عدة، لها وزنها الاعتباري، ومناصروها داخل المجتمع.

كنت من مناصري الدخول إلى العمل السياسي، عن طريق تأسيس حزب، لماذا؟

لم نفكر في ولوج العمل السياسي إلا في سنة 1988 ، لما أدرجنا هذه النقطة في ميثاق “الجماعة الإسلامية” خلال المؤتمر، وفي سنة 1990 كانت الصيغ التي جرى تداولها، تتراوح بين تأسيس حزب أو الانخراط في حزب قائم أو العمل كجماعة ضاغطة، إلا أنه وفي سنة 1992، دعا الملك الحسن الثاني رحمه الله في إحدى خطبه الشباب إلى الانخراط في العمل السياسي، فطلب مني الإخوة أن نبادر إلى تأسيس حزب سياسي انسجاما مع ما جاء في الخطاب الملكي، لكنني تحفظت في البداية، قبل أن يحسم الأمر في نهاية المطاف، فصادقنا على الوثائق ، الخاصة بتأسيس حزب التجديد الوطني في مجلس الشورى، ووضعنا الملف في مقاطعة أكدال، لتصحيح الإمضاءات، فانقلبت المقاطعة رأسا على عقب، قبل أن اجتمع بأحد موظفي العمالة، وكان يساريا صديقا،قضى فترة في السجن، قبل أن يطلق سراحه ، ويلتحق للعمل في العمالة.

بعد ذلك،بعث لي والي الرباط المرحوم عمر بنشمسي، رسالة رفض تأسيس حزب التجديد الوطني كتابيا، فقررنا عدم متابعة الموضوع.

وفي إحدى الندوات التي نظمناها حول أفغانستان، التقيت بممثل الدكتور الخطيب ، الذي ناب عنه في إلقاء كلمته في الندوة، فطلبت منه أن يربط لنا اتصالا بالدكتور الخطيب، لتبدأ مرحلة سياسية جديدة في حياة الحركة، بالانخراط في الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية، رغم أن الخطيب كان يظن في البداية، أننا على صلة  مع وزارة الداخلية وهي  التي محنتنا الضوء الأخضر حسب اعتقاده، للتغلغل في حزبه.

اصطدمت بالدكتور الخطيب في عدة مناسبات، منها خلافك معه حول التصويت من عدمه على دستور 1996، هل هذا صحيح؟

وصل الخلاف بيني وبين الدكتور الخطيب حول مسألة التصويت على دستور 1996 إلى حد بعيد في إحدى الاجتماعات الصاخبة لقيادة الحزب، إذ كنت من المدافعين على التصويت لفائدة الدستور فيما كان يعارض الخطيب الأمر، بالتشاور مع جهات خارج القيادة، وأذكر أن شخصا ما  داخل الحزب، لعب دورا في تقديم مذكرة بديلة إلى الخطيب ليطرحها ضدا عن المذكرة التي أعددناها في هذا السياق، من أجل نسف كل اتفاق معه حول دستور 1996، فاعتذرت للخطيب في النهاية حتى رجعت الأمور إلى مسارها الطبيعي.

وتأكد في ما بعد تعذر قيامي بنفس الدور إلى جانب الدكتور الخطيب في القيادة، بسبب خلافاتنا المستمرة، رغم اعتذاري له. ومن أجل تفادي نسف الحزب والتجربة ككل، بسبب خلافاتي مع الخطيب، فضلت التراجع عن موقعي في القيادة، وتم اقتراح الدكتور العثماني مديرا عاما للحزب.

 كما قمنا أيضا بتوسيع الأمانة العامة للحزب، وفي سنة 1999، أصبح العثماني نائبا  للأمين العام.

ما جوهر خلافاتك مع الدكتور الخطيب التي دفعتك إلى الابتعاد عن القيادة لمدة؟

كان الدكتور الخطيب نوعا ما، “متشددا”، رغم أنه كان ملكيا، فيما كنت أنا أميل إلى الاعتدال.

هل كان تشبث الخطيب  باستمرار مصطفى الرميد على رأس الفريق النيابي بعد أحداث التفجيرات الإرهابية التي عرفتها الدار البيضاء في سنة 2003، موضع خلاف بينكما؟

كان لدي تقدير خاص للمسألة، إذ طالبت بتنحي الرميد عن رئاسة الفريق النيابي للحزب، قبل أن تتدخل وزارة الداخلية لتطلب ذلك من الحزب، لأنني كنت مقتنعا بأن طريقة تدبير الرميد للفريق، وبعض تدخلاته في مجلس النواب، كانت غير مناسبة ، وكان الحزب في غنى عنها في تلك المرحلة العصيبة التي كان يجتازها.

ولما تدخلت وزارة الداخلية، وكان ذلك خطأ كبيرا ارتكبته، رغم أنني كنت سباقا إلى إثارة الموضوع من قبل، أصبح الموضوع معطى سلبي لدى القيادة، فتشبث الدكتور الخطيب ببقاء الرميد، رافضا أي حديث في الموضوع، ثم صوتنا لفائدة هذا الأخير كرئيس للفريق، ولما تأكد الرميد من أن بقاءه من شأنه خلق مشاكل للحزب قد لا يحتملها، قدم استقالته من رئاسة الفريق النيابي للحزب.

هل جالست فؤاد عالي الهمة لما كان كاتبا للدولة في الداخلية في تلك الفترة؟

جالسته مرات عديدات في تلك الفترة لمناقشة هذه المواضيع وأخرى كثيرة.

هل كانت جلسات رسمية؟

لا أدري، المهم أنهم كانوا يطلبوننا في الغالب: أنا والأخ العثماني والدكتور الداودي والأستاذ عبد الله بها في بعض الأحيان فنستجيب، وفي المقابل كان يمثل الداخلية الهمة ووزير الداخلية آنذاك مصطفى الساهل وياسين المنصوري.

لماذا كنت من المدافعين عن تفادي الدخول في مواجهات مع الدولة ؟

كنت وما أزال متشبثا بعدم الدخول في مواجهات مع الدولة، فأنا من الذين يعتبرون أن استقرار الدولة أهم من مكاسب الحزب.

لكن البعض يعتبر أن تدخل وزارة الداخلية في تحديد ترشيحات الحزب في الانتخابات وغيرها من القرارات، حد من استقلالية الحزب؟

القرار السياسي ليس مستقلا مائة في المائة، كل السياسيين يخضعون لضغوطات وإكراهات داخلية وخارجية تحد من حريتهم ، وتدخلات الدولة كنا نأخذها بعين الاعتبار أثناء نقاشاتنا. تم نتخذ القرار حسب ما نراه يحقق المصلحة العامة.

أتذكر في هذا الصدد حكاية دالة، في إحدى اجتماعاتنا مع الدكتور الخطيب في سنة 1993، وكنا نتحادث بشأن سبل مشاركتنا في الانتخابات التشريعية، وكان الدكتور الخطيب بطبعه لا يخفي شيئا، ولم يكن حريصا على توخي الحذر في اجتماعاته، التي كان يحتضنها بيته، إلى درجة أن أي شخص دخل علينا يمكنه أن يصبح طرفا في الاجتماع، وكان أن حضر شخص ما هذا اللقاء، فسرب مضمون اللقاء إلى الصحافة، فبلغ الأمر جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، فبعث لي السيد أحمد بنسودة رحمه الله للقائي ، ولما استقبلني ،  قال إن جلالة الملك لا يرى مشاركتنا في الانتخابات، فطلبت منه، أن يردد هذا الكلام على مسمع شخص آخر سيرافقني للقائه في الغد،  وهذا ما كان، اصطحبت معي الأخ عبد الله بها، فردد الكلام ذاته الذي قاله لي، والذي حذرنا من خلاله الملك الراحل من مغبة الترشح لانتخابات 1993، لأن الأوضاع لم تكن تسمح بذلك، خاصة وقد تزامن ذلك، مع أحداث الجزائر.

قال لنا الحسن الثاني على لسان بنسودة، ” إذا ما شاركتم في الانتخابات، وبدأت الطاحونة في الدوران فإنني  لن أستطيع إيقافها”.

خلافتك للعثماني على رأس الحزب كانت مفاجئة لعديدين، كيف تنظر إلى المسألة من وجهة نظرك؟

من خلف من؟ أنا ممن رشحوا العثماني في المؤتمر الاستثنائي إلى الأمانة العامة، بل كان متحفظا على التحاقنا بحزب الدكتور الخطيب في البداية.

سؤالي يهم الفترة التي خلفت فيها العثماني على رأس الحزب، خاصة وأن  هذا الأخير تمكن من تدبير الحزب في فترة صعبة، وكان منتظرا أن يستمر أمينا عاما للحزب؟

الدكتور العثماني استطاع بلباقته وكفاءته، أن ينال رضا باقي الإخوان فأصبح مديرا للحزب في سنة 1997  بعد خلافي مع الدكتور الخطيب سنة 1996، قبل أن يتولى نيابة الأمانة العامة في مؤتمر 1999 ، الذي كان مهددا بالانفجار، والذي كاد ان يقاطعه الدكتور الخطيب بسبب تدخلات شخص معين لا حاجة لذكره.

من تقصد بهذا الشخص؟

المهم أنني  والسيد عبد الله الوكوتي والأخ عبد الله بها نجحنا في إقناع الدكتور الخطب بحضور المؤتمر بعد أن أوضحنا له بأن لا شيء مما بلغه سيحدث، ومر المؤتمر بسلام، وانتخبت الأمانة العامة بعد المصادقة على القوانين الداخلية للحزب.

ظل الدكتور الخطيب أمينا عاما للحزب إلى حدود سنة 2004 ، ليتراجع عن التسيير بعد ذلك وخلفه العثماني على رأس الأمانة العامة للحزب.

هل كان ابتعاد الخطيب عن التسيير متنفسا بالنسبة لك؟

كانت خلافاتنا مع الدكتور الخطيب، حول قضايا عديدة، فالرجل هو الرئيس المؤسس للحزب ولم يكن ممكنا دائما الاحتكام للقواعد الديمقراطية معه رحمه الله، ورغم طابعه الحاد أحيانا، إلا أن تسييره للحزب كان مشرفا.

بنكيران المزاجي

البعض ينعتك بالشخص المزاجي، كما تعبر عن ذلك تصريحاتك النارية أحيانا، التي قد يؤدي بسببها الحزب ثمنا سياسيا، هل تعتقد أن الحزب في حاجة إلى أمين عام من هذا النوع؟

لا أعتقد أنني شخص مزاجي، كل ما في الأمر أنني لا أحب لغة الخشب، وأتوخى الصراحة في تدخلاتي.

أتساءل عما جناه الحزب من تصريحاتي، هل كان كله سلبيا، أم خدمه في عدد من المحطات، أنا أمين عام منذ سنتين، وترأست المجلس الوطني لأربع سنوات، وقبلهما كنت رئيسا للحركة لأزيد من ثماني سنوات، فكيف لي أن أكون مزاجيا اليوم، قد أصيب وقد أخطئ أحيانا، فأنا بشر.

أحزاب الرحم

هل تحيل على تصريحاتك بخصوص عدد الأحزاب التي ولدت من رحم الشعب؟

الخطأ الذي ارتكبت في هذا التصريح، يتعلق بتحديد أسماء الأحزاب التي ولدت من رحم الشعب في اعتقادي، فلم أكن أقصد إقصاء أحزاب أخرى، لم تدر بخلدي حينها، مثل حزب التقدم والاشتراكية، الذي يعد من أقدم الأحزاب في المغرب.

لكن هناك من استغل هذا الكلام، للأسف، فأخرجه من سياقه، وكل ما قصدته من تصريحي، في مؤتمر حزب الحركة الشعبية، كان هو تذكير هذا الأخير، بواجبه في مناصرة التعددية الحزبية، فألمحت لأحرضان، بأن دفاع الحركة عن التعددية في الخمسينيات، يحملها مسؤولية الدفاع عن العدالة والتنمية ضد الأصالة والمعاصرة اليوم، لأنه قد يأتي الدور على الحركة غدا.

لو أنني ذكرت الأصالة والمعاصرة ضمن الأحزاب الأربعة، لما حدثت مثل تلك الضجة، التي كانت فارغة ومخجلة.

ما قصدته هو ما يسعى إليه ” البام” الذي يريد اختزال الساحة السياسية والحزبية في ثلاث  أو أربع أقطاب كبرى، وكنت أقصد أنه إذا كان من الضروري ذلك، فالأولى الإبقاء على الأحزاب التي تتمتع بالمشروعية الشعبية، دون استثناء الباقي، بل إنني  كنت أريد أن أوضح أن الأحزاب الإدارية التي تأسست في عهد الحسن الثاني رحمه الله كان لها ما يبررها، أما اليوم فلسنا في حاجة إلى حزب إداري جديد ، لأن الملكية لم تعد في حاجة إليها، فهي تحظى اليوم بالإجماع.

“البام” أسوأ من حزب إداري

هل  تعتبر ” البام” حزبا إداريا؟

“البام” حزب أسوأ من الحزب الإداري، لقد زاد عن كونه حزبا إداريا، أنه يستعمل وسائل الدولة للتحكم في الوسط السياسي، يريد فرض الهيمنة والديكتاتورية، دون أن يؤدي الثمن. الأحزاب الإدارية كانت تخلق لتلعب مع الأحزاب والبام يريد اللعب بالأحزاب.

” البام” فكك تحالفات الحزب بعد انتخابات 2009، في طنجة ووجدة والبيضاء…ضدا على كل المعادلات السياسية والرياضية، فصاحب سبع مقاعد حاز على الأغلبية ضدا على من حصلوا على 22 مقعدا ثم 21 ….في طنجة، وما وقع في جهة تازة والحسيمة للوزير عبو يعد فضيحة حقيقية، لقد جلب ” البام” العار للبلاد ، وشوه صورة المغرب في الخارج، ولا أنتقده لأنه حزب إداري، بل لأنه استعمل وسائل غير مشروعة وغير ديمقراطية للتحكم في الحياة السياسية، وفي مفاتيحها.

هل شكوت للهمة ما تقوله اليوم، وأنت الذي التقيته مرات عديدة؟

يبدو أن الأمور في ” البام” باتت تتجاوز الهمة شيئا فشيئا، الهمة كنت أعتبره صديقا، فلما كان يدعوني إلى مكتبه، لما كان كاتبا للدولة في الداخلية، كنت لا أتردد في لقائه، وتقديم المشورة له في بعض القضايا، ولربما عمل بها، لقد طلب رأيي في قضية نادية ياسين، فقلت له ” ابحثوا عن حل لهذا المشكل ولا تزعجونا به”.

الهمة شخص لطيف،  لكنني أرى أن الأمور باتت تتجاوزه ، ولا ندري ما هي الجهة التي تحرك هذا المسار الرامي إلى التحكم في الحياة السياسية.

تعاملنا مع ” البام” في تشكيل أغلبية المجلس الجماعي في مراكش كان إيجابيا، ساندنا مرشحه، لكننا “رضينا بالهمة والهمة ما رضى بنا”.

تعامل الهمة معنا ليس ثابتا، فيمكنه التقرب إلينا إلى درجة اللطف والصداقة، ثم قد ينقلب ضدنا بعد ذلك، كما أن بعض الإخوان القادمين إلى ” البام” من الأحزاب الإدارية أصدقاء،  نكن لهم كل الود، لأنهم محافظون مثلنا، إلا أن مشكلتنا تبقى قائمة مع بعض اليساريين المتطرفين في ” البام”، مثل ذلك الذي يفضل الاستدلال بماركس بل ارتمى إلى تفسير القرآن دون أن يعلم أن من قواعده أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

ذكرني هؤلاء من رموز اليسار المتطرف، بصراعاتنا مع الذين سبقوهم في الجامعة سنوات السبعينات حيث إن هؤلاء ساعتها كانوا أطفالا، وكان من سبقوهم يحتلون الجامعة، ويريدون محاكمتنا، إلا أنهم راجعوا مواقفهم تجاهنا فيما بعد، وكما يقولون” أهل الميت صبروا والعزاية كفروا”، فلا ندري من أين أتت ” هاذ الرباعة”، وكيف انتقلوا فجأة من اليسار المتطرف إلى صداقة عالي الهمة، وأرادوا التحكم في السياسية وفي الأحزاب.

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.